
بعد مرور عشرين دقيقة فقط على إعلان لائحة الاتهام بحق أكرم إمام أوغلو، بدأت الحسابات التابعة لشخصيات من حزب الشعب الجمهوري تنشر تباعًا العبارات ذاتها تقريبًا: "هذه لائحة اتهام فارغة… لن تُثمر عن شيء."
دعونا نضع جانباً الادعاءات والاتهامات التي طرحتها النيابة. فنحن أمام ملف من 3,671 صفحة يضم عشرات إفادات الشهود، والاعترافات، والمراسلات، وإيصالات التحويلات، وتقارير مالية بالغة الأهمية، ويتناول عملية تمتد لعشر سنوات. فهل من الممكن تقييم سلسلة الأدلة، والتدفقات المالية، والبنية التنظيمية المزعومة في غضون 20 دقيقة، في حين أن مجرد فتح غلاف ملف كهذا يستغرق وقتاً؟
من يستطيع القيام بذلك، وأي "سلطة قانونية" يمكنها ذلك؟ الإجابة واضحة: إما أولئك الذين لا يأخذون القضية على محمل الجد، أو الذين لن يتمكنوا من الخروج منها.
لذلك فإن عبارة "لائحة الاتهام فارغة" ليست اليوم تحليلاً، بل على العكس تحمل صفة "اعتراف خفي". ويبدو أن شخصيات حزب الشعب الجمهوري لجأت مضطرة إلى رد الفعل المعتاد للتواصل السياسي القديم: “من يطلق الجملة الأولى ويقدّم أول ردّ هو من يحدد التصور السائد.”
لو سألتم الذكاء الاصطناعي على الأقل؟
هذه المرة قد لا تسير الأمور كما خُطِّط لها. ففي الوقت الذي يستغرق فيه رفع ملف ضخم كهذا إلى أنظمة تحليل الملفات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي يستخدمها القانونيون في العديد من دول العالم اليوم—عدة ساعات، فإن معالجة المحتوى، وتحليله، وتلخيصه وفق الطلب يتطلب بدوره وقتاً وقوة معالجة كبيرة. ويدرك مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي هذه الحقيقة البسيطة أيضاً، ولذلك أصبحت "حركة العشرين دقيقة" مجرد مادة للسخرية.
هذه العناوين ستُناقش لسنوات
إليكم بعض العناوين البارزة التي تظهر فور إلقاء نظرة أولية على اللائحة التي وُصِفت بأنها "فارغة":
- نتائج ماساك "هيئة التحقيق في الجرائم المالية" المتعلقة بتتبّع حركة الأموال
- تقرير مفتش وزارة الداخلية
ـ مراسلات برنامج "Signal" ذات الطابع الاعترافي
- اعترافات بتحويلات نقدية
ـ المناقصات التي جرى تعطيل المنافسة فيها
ـ كشف خسارة مالية عامة بقيمة 160 مليار ليرة تركية بالإضافة إلى 24 مليون دولار.
ـ ادعاء بوجود دخل تنظيمي يقارب 40 مليار ليرة
ـ مخطط النظام المالي الذي أُنشئ عبر بلدية إسطنبول الكبرى
- اعترافات شهود متسقة من مسؤولين من المستوى الأدنى
أمام كل هذه العناوين البارزة، أليس الاندفاع نحو "تفريغ لائحة الاتهام من معناها" مجرد محاولة دفاع سياسي متسرعة، أكثر من كونه قراءة قانونية؟
ألم يخطر ذلك ببالهم؟
لقد ورد في الصحافة قبل أيام قليلة خبر الانتهاء من لائحة الاتهام وتقديمها إلى المحكمة. وقد خطر ببالي لو أن حزب الشعب الجمهوري، بدلاً من إطلاق تصريحات على لسان ممثليه من نوع "اللائحة فارغة" قد شكّل لجنة قانونية وأصدر بياناً يستند إلى آراء خبراء قاموا بدراسة الملف، لكان موقفه أقوى أمام الرأي العام اليوم. ربما فكّر البعض في هذه الفكرة، لكنهم لم يفعلوا.
بل على العكس، دخلوا في مأزق جديد في التواصل من خلال المضي في طريق التشكيك في المصداقية على الفور. فما سبب هذا الاستعجال كله؟
هل الملف الذي وُصف بأنه "فارغ" مهم إلى هذا الحد؟
بصفتي متخصصاً في التواصل، أميل إلى تفسير ما جرى على النحو التالي: إن ردّ الفعل خلال تلك العشرين دقيقة يكشف حقيقة ما. لقد أرادوا إضعاف أثر لائحة الاتهام، وتهدئة الذعر داخل الحزب، وإرسال رسالة إلى الرأي العام مفادها: "لا تأخذوا الأمر على محمل الجد."
غير أنّ هذا النوع من العبارات التي صدرت بشكل منظم ومتسرع تحمل في طياتها معنىً خفيًا: "الملف مهم فعلاً."
فلو كان الملف فعلاً "فارغاً"، لكان من المنطقي أن يقدم العقلاء والخبراء القانونيون داخل الحزب تحليلات ملموسة ومقنعة دون الحاجة إلى ردّ دفاعي متسرّع. فـ"الملف الفارغ" يسقط وحده بعد أيام، ولا يحتاج إلى دحضه خلال عشرين دقيقة.
هل لائحة الاتهام فارغة أم مهمة؟ بالطبع المحكمة هي التي ستقرر. ولكن هناك أمر واحد مؤكد: القانون يتحدث بالوثائق. والمحكمة لن تنظر إلى التغريدات المنشورة بعد 20 دقيقة، بل إلى آلاف الصفحات من الادعاءات، والمخططات، والاعترافات، والمعاملات المالية.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة