
"عندما وصلَتْ راشيل إلى فلسطين، وتحديداً إلى رفح، شعرت بما هو أكثر بكثير مما قرأته وسمعته سابقاً عن الحقائق، واستنشقت رائحة الخوف وانعدام الأمان العالقة في الهواء. وقبل أسبوعين فقط من وصولها إلى المنطقة، توفيت امرأة فلسطينية حامل تحت جدار سقط عليها بعد أن هدمته جرافة إسرائيلية. وقبل وصولها بأيام قليلة، توفيت امرأة أخرى تبلغ من العمر 65 عاماً تحت أنقاض منزلها المهدوم. كانت هذه الوقائع أمورًا اعتيادية بالنسبة للمنطقة، لكنها بالنسبة لراشيل كانت حقائق مروعة وصادمة لا تُحتمل."
شكلت هذه المشاهد بالنسبة لراشيل خيبة أمل كبرى في الإنسانية. شعورها بالعار مما رأته وعاشته لم يكن فقط على المستوى الشخصي، بل باسم أسرتها وبالنيابة عن البشرية جمعاء، وستُعبّر عن إحباطها من المشاركة في هذه المأساة.
فبينما يعيش بعض الناس في أمان ورفاهية، يتعرض آخرون في مدن بالكاد نعرف أسماءها لجرائم إبادة جماعية. كانت فكرة التواطؤ مع هذه الإبادة، سواء بالموافقة أو بالصمت، تنهش راشيل من الداخل. فالتصفيق للسلطات التي تشجع وتدعم الاحتلال الإسرائيلي تواطؤ في الجريمة، ناهيك عن أن استمرار هذه الجرائم يتم بتمويل مباشر من الضرائب التي تدفعها الشعوب. كما أن التزام الصمت وعدم بذل أي جهد يُعد أيضاً شكلا من أشكال التواطؤ. لم تتخيل راشيل قط أن تعيش في عالم ستصبح فيه شريكة، بعلم أو بغير علم، في جريمة الإبادة الجماعية هذه. وكان على الأخطاء التي كررتها الحكومات والقادة مرارًا أن تُصحح.
كما اندفعت عائلة البلتاجي أيضاً إلى ميدان التحرير دفاعاً عن كرامة الإنسان. وكانت أسماء في ميدان التحرير بجانب عائلتها في مقدمة الصفوف للثورة التي اندلعت في يناير/كانون الثاني 2011. لقد نشأت أسماء في كنف عائلة مناضلة لم تخضع للظلم والطغيان، وكبر معها حلم الوطن الحر الآمن."
"كانت أسماء في ميدان التحرير تحمل العبء والهم، وكأنها مسؤولة عن الجميع. كانت تتجوّل باستمرار في الميدان، تتحدّث، وتُحلل، وتقترح حلولاً. وكانت عائلتها فخورة بهذا السلوك، فقد نشأت كشخصية تُحترم آراؤها، ولم يكن أحد يستطيع إجبارها على فعل ما لا تريده. لقد غرس والداها في أطفالهما بذورًا تُعينهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وأرشداهم إلى المبادئ التي سترافقهم في حياتهم. وكان لا بد بعد ذلك من احترام قرارات الأبناء واختياراتهم."
أثناء قراءتي لكتاب الأخ الكريم حمزة آغابي، الذي صدر قبل أيام قليلة بعنوان "هل كنتم لتسامحوا العالم؟" (دار كَتَبَ)، لفتت هذه الأجزاء انتباهي بشكل خاص. كما يتضح من الاقتباسات التي ذكرتها، فإن الكتاب يسلط الضوء على حياة راشيل كوري (1979–2003)، التي قتلتها إسرائيل، وأسماء البلتاجي (1996–2013)، التي استشهدت في ميدان رابعة العدوية في العاصمة المصرية القاهرة. وقد أعاد حمزة، ببراعة، إحياء البيئة التي وُلدتا فيها، وطريقة تنشئتهما، وعزيمتهما في النضال، ولوحات من حياتهما بتفاصيل دقيقة.
ويختتم كتاب"هل كنتم لتسامحوا العالم؟' فصوله بالانتقال إلى النضال في غزة، مستحضرا أبطالها كـ أنس جمال الشريف، ووسام أبو صفية، وعائشة نور أزغي أيغي، وغيرهم من الأبطال. وبذلك، يُعدّ العمل نصًا توثيقيًا أيضًا.
وقد اقتُبس عنوان الكتاب من إحدى خطابات راشيل حيث تقول:
"لو سُلبت منكم حرية رؤية البحار والمحيطات، ودُمِّرت مصادر مياهكم فجأةً بالجرافات، واستقيظتم ذات ليلة لتجدوا جدران منزلكم تنهار فجأة عليكم، و أصبحت أبراج الموت والدبابات والمستوطنون المسلحون والجدران العملاقة التي تفصل الناس وتصعّب الحياة حقيقة واقعة في حياتكم، وعلمتم أن الجيش الإسرائيلي الذي يمارس الضغط المستمر لتهجيركم من وطنكم مدعوم من القوة العظمى في العالم، فهل كنتم لتسامحوا العالم على كل سنوات طفولتكم التي قضيتموها في صراع من أجل البقاء؟"
إنه سؤال صادم للغاية، يُلزمنا بقراءة الأحداث بعيون المظلومين.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة