من القيادة العالمية إلى التجارة الاستراتيجية.. ترامب ودور أمريكا المتغير

10:5817/10/2025, Cuma
تحديث: 29/10/2025, Çarşamba
قدير أوستون

خلال حملة الانتخابات الرئاسية، كان من أبرز وعود المرشح ترامب في السياسة الخارجية إنهاء الحرب في أوكرانيا. وبعد توليه الرئاسة، لم يحقق ترامب التقدم بالسرعة المتوقعة، فقام بوقف المساعدات الأمريكية غير المشروطة لأوكرانيا، ونقل العبء إلى الأوروبيين. بينما بدا ترامب راضيًا عن بيع الأسلحة طالما أن تمويل المساعدات إلى أوكرانيا يأتي من مصادر أخرى، حاول أيضًا إحداث وقف للحرب عبر التنازل عن سياسة العزلة ضد روسيا، واستضاف بوتين في ألاسكا. ومع ذلك، لم يجد المرونة التي كان ينتظرها من الكرملين، فزاد ترامب في

خلال حملة الانتخابات الرئاسية، كان من أبرز وعود المرشح ترامب في السياسة الخارجية إنهاء الحرب في أوكرانيا. وبعد توليه الرئاسة، لم يحقق ترامب التقدم بالسرعة المتوقعة، فقام بوقف المساعدات الأمريكية غير المشروطة لأوكرانيا، ونقل العبء إلى الأوروبيين. بينما بدا ترامب راضيًا عن بيع الأسلحة طالما أن تمويل المساعدات إلى أوكرانيا يأتي من مصادر أخرى، حاول أيضًا إحداث وقف للحرب عبر التنازل عن سياسة العزلة ضد روسيا، واستضاف بوتين في ألاسكا. ومع ذلك، لم يجد المرونة التي كان ينتظرها من الكرملين، فزاد ترامب في الأشهر الأخيرة من ضغوطه على روسيا لمحاولة إرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ترامب الذي اعتبر وقف إطلاق النار في غزة إنجازًا دبلوماسيًا، يسعى الآن لإطلاق عملية سلام في الحرب الأوكرانية، لكن يبدو أن بوتين لا ينوي إنهاء النزاع على المدى القريب. ومع عودة تهديدات الحرب النووية إلى الواجهة، تستمر السياسة الأمريكية منذ عهد بايدن بدعم أوكرانيا ليس لهزيمة روسيا بل لإبقائها في حالة نزاع مستمر.

سياسة الضغط لا تؤتي ثمارها

تشير الأنباء الأخيرة إلى أن البيت الأبيض يدرس تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك لتعزيز قدرتها على استهداف العمق الروسي، ما يعكس محاولة ترامب لتصعيد موقفه. وفي المقابل، أعاد بوتين تهديداته النووية بطريقة غير مباشرة، ما يمثل ردًا على محاولة واشنطن رفع مستوى الضغط. ورؤية بوتين أن سياسة الولايات المتحدة في إضعاف روسيا وعزلها وصلت لطريق مسدود، دفعه لعدم التراجع.


يظهر ميل ترامب للتشدد في رسائل وزير الدفاع الأمريكي هيغسيت خلال اجتماع الناتو في أوروبا، حيث أرسل رسائل أكثر صرامة مقارنة بالعام الماضي، وتحدث عن تحميل روسيا ثمن أفعالها، وأكد على وحدة الحلفاء. وعلى الرغم من اللقاءات التي عقدها ترامب مع القادة الأوروبيين بعد قمة ألاسكا، لم يتمكن من إجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.


الضغط الاقتصادي غير كافٍ

مع تردد روسيا، تحدث ترامب عن استهداف قطاع النفط وفرض عقوبات على دول مثل الهند بسبب تجارتها مع روسيا، وطلب من تركيا الحد من مشترياتها من الطاقة الروسية. ورغم أن سياسة الحصار الاقتصادي ألحق ضررًا بالاقتصاد الروسي، إلا أنها لم تكن كافية لإجبار الكرملين على التفاوض بشأن أوكرانيا. بعد وقف ترامب للمساعدات المالية لأوكرانيا، بدا راضيًا عن بيع الأسلحة الأمريكية عبر التمويل الأوروبي. استراتيجية ترامب هذه، التي تجمع بين الضغط على الاقتصاد الروسي وتشجيع الأوروبيين على تزويد أوكرانيا بالأسلحة الأمريكية، تبدو أكثر فاعلية من الاعتماد على المساعدات المباشرة الأمريكية. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية قد تضغط على الأوروبيين لتحمل مزيد من المسؤولية، ما قد يقوض على المدى الطويل القيادة الاستراتيجية الأمريكية.


تغير مفهوم الدفاع الأوروبي

يمكن لمستوى إنفاق بولندا على الدفاع، بصفتها الدولة الأكثر نشاطًا في الناتو ضد روسيا، أن يعطي مؤشرات حول مستقبل مفهوم الدفاع الأوروبي. فقد رفعت بولندا ميزانية دفاعها إلى حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، واشتريت نحو 50 مليار دولار من المنتجات الدفاعية الأمريكية. هذا النموذج، الذي أشاد به هيغسيت، يعكس شروط دعم إدارة ترامب لأوروبا. ورفع أوروبا لمستوى ميزانياتها الدفاعية التاريخية، وزيادة شراء الأسلحة الأمريكية، ساهم في تشديد خطاب ترامب تجاه روسيا.


طوال فترة طويلة، انتقدت أمريكا عدم استثمار أوروبا في دفاعها، إلا أن الأوروبيين بدأوا بتخصيص موارد كبيرة. على المدى القصير، ستستمر المشتريات من الولايات المتحدة، وستظل دعم أوكرانيا أولوية قصوى. لكن على المدى المتوسط والطويل، زيادة القدرة الدفاعية الأوروبية قد تقلل من اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة، ما له تأثيرات مهمة على التحالف عبر الأطلسي.


تراجع الولايات المتحدة عن الدور القيادي العالمي، وطلبها من الآخرين حماية أنفسهم، قد يقلل من فعاليتها. واشنطن، العاجزة عن إنهاء الحرب في أوكرانيا والملتزمة بالضغط على روسيا، تبدو راضية عن كون أوروبا زبونًا للأسلحة الأمريكية. لكن زيادة القدرات الأوروبية ستقلل الحاجة إلى القيادة الأمريكية، ما قد يؤدي إلى انتقال المبادرة داخل التحالف الأطلسي إلى أوروبا. ومدى جاهزية واشنطن لمواجهة هذا التوازن الجديد غير واضح.


إذا لم يتمكن ترامب، الذي بادر بوقف إطلاق النار في غزة، من السيطرة على إسرائيل وخلق بيئة سلام دائمة، فإن مصداقيته في إنهاء الحرب الأوكرانية ستتأثر. كما أن نجاح ترامب في إعادة تشكيل العلاقات مع أوروبا، وإمكانية اتخاذ أوروبا موقفًا أكثر استقلالية في الدفاع عن نفسها، يظل محل تساؤل. فشل جهود ترامب للسلام في فلسطين وأوكرانيا سيُعتبر دليلًا على استمرار تراجع القوة والنفوذ الأمريكي على الصعيد العالمي.

#ترامب
#أمريكا
#طاولة المفاوضات
#بوتين