ربطة عنق مظلوم عبدي وعبد الله أوجلان

08:2323/11/2025, الأحد
تحديث: 23/11/2025, الأحد
نيدرت إيرسانال

لكل تفصيل طبيعته الخاصة فإقدام مظلوم عبدي، قائد قسد الإرهابية على اعتماد مظهرٍ رسمي من خلال ارتداء ربطة عنق، لا يقتصر على مجرد الإشارة إلى ربطة العنق التي ارتداها الرئيس السوري الشرع، بل هي محاولة لتقليده. إنه مظهر بائس لعبارة "أنا أيضاً أريد هذا". فليس من السهل الانتقال من الدعاية المبتذلة إلى رؤية العلاقات العامة. أذكر أن زعيم التنظيم الإرهابي عبد الله أوجلان جرّب أيضاً ارتداء ربطة عنق في منتصف التسعينيات، ولم تلائمه هو الآخر. إن الخطاب والموقف الذي تبناه عبدي في المنتدى الذي عُقد في دهوك يظهر

لكل تفصيل طبيعته الخاصة فإقدام مظلوم عبدي، قائد قسد الإرهابية على اعتماد مظهرٍ رسمي من خلال ارتداء ربطة عنق، لا يقتصر على مجرد الإشارة إلى ربطة العنق التي ارتداها الرئيس السوري الشرع، بل هي محاولة لتقليده. إنه مظهر بائس لعبارة "أنا أيضاً أريد هذا". فليس من السهل الانتقال من الدعاية المبتذلة إلى رؤية العلاقات العامة. أذكر أن زعيم التنظيم الإرهابي عبد الله أوجلان جرّب أيضاً ارتداء ربطة عنق في منتصف التسعينيات، ولم تلائمه هو الآخر.

إن الخطاب والموقف الذي تبناه عبدي في المنتدى الذي عُقد في دهوك يظهر أنه لم يطرأ أي تغيير على الخطاب والمواقف الاستفزازية التي تثير غضب تركيا؛ حيث قال: "على المجتمع الدولي أن يمنحنا نفس الفرصة التي منحها لدمشق".

ويدفعنا خطاب عبدي إلى استحضار سلسلة الاجتماعات التي عقدت مؤخراً في واشنطن، والتي جمعت جميع المسؤولين الأمريكيين المعنيين والرسميين مع الرئيس الشرع وهاكان فيدان. ألم يتم إبلاغ مظلوم عبدي والتنظيم الإرهابي بعزم أمريكا اتخاذ خطوات أسرع وأكثر فاعلية لدمج قسد في دمشق؟

أم أنه أُبلغ بذلك، ولكنه أصر على عناده وارتدى ربطة العنق وأطلق عبارات التحدي؟ على سبيل المثال، هل كان ظهوره المفاجئ في ذلك الاجتماع — دون علم مسبق للمشاركين — خطوة جرت بعلم الولايات المتحدة وتنظيمها؟

إنّ جميع هذه الأسئلة مشروعة وضرورية. وتتطلب سلامة عملية "تركيا بلا إرهاب" تقديم إجابات صريحة وواقعية عليها.

أما المحور الآخر، فيتعلق بالأجندة التركية الراهنة..

هناك ثلاثة ملفات: قضية فساد بلدية إسطنبول، وتحقيقات كرة القدم والرهانات، والجدل حول الذهاب إلى إيمرالي. (في يوم الجمعة الذي كُتبت فيه هذه السطور، كان من المتوقع صدور قرارات أكثر وضوحاً من الأحزاب السياسية بشأن إمرالي. جميعها مواضيع بالغة الأهمية وتستدعي الاهتمام والمتابعة.

وفي الوقت نفسه، يجب ألا تحصرنا هذه القضايا بالشأن الداخلي فحسب، فالمنطقة مشتعلة. صحيح أن هذه الأعمال تتطلب جهداً كبيراً، لكن متابعة قضايا المنطقة والعالم يجب ألا تبطئ من عملية التحرك الفعلي. يجب علينا أن نقوم بكل هذه المهام في وقت واحد، بنفس القوة ونفس الاهتمام.

لأننا حين نتحدث عن إمرالي، نعلم أن القضية ليست بمعزل عن سوريا، وقسد، وإسرائيل، والعراق، والولايات المتحدة، وخاصةً عمليات إعادة تشكيل المنطقة، كما أن هذا الأمر مرتبط بمبادرات "تركيا خالية من الإرهاب".

وعندما طُرحت سياسة “تركيا خالية من الإرهاب”، فُسِّرت بأنها مرتبطة أكثر بما يحدث جنوب تركيا، لا بالإرهاب الداخلي - لأنه لم يعد له وجود فعلي - وبفكرة أن خطط مظلمة قد تُدبَّر كرد فعل على فضائح إسرائيل وخوف تل أبيب من تركيا.

وكانت التوقعات تفيد بأن إسرائيل وبعض الجهات داخل الولايات المتحدة قد يشجعون هذه التنظيمات الإرهابية في المنطقة، بهدف خلق اضطرابات في سوريا والعراق، ثم في تركيا لاحقًا، مما استدعى الاستعداد لهذه الاحتمالات. ولهذا جرى استثمار اللحظة المناسبة التي نشأت عقب تغيّر الإدارة في دمشق وتسلّم إدارة ترامب السلطة، لوضع حدّ نهائي للقضية.

هل ما زال هذا الأمر سارياً اليوم؟ نعم، يبدو كذلك، ولا توجد قراءة بديلة مطروحة. ولكن يبقى النقاش قائمًا حول كيفية تصور أمريكا لشكل سوريا، وما نوع نموذج العيش الذي تتخيله لقسد داخل هذا التصور. هل تتوافق تصريحات عبدي وأمثاله التي تقول إن "الإدارة المركزية لن تعمل في سوريا" مع وصف السفير الأمريكي باراك بأنه "أقل من الفيدرالية بمرتبة"؟ وما هو موقع هذا الوصف من أمن إسرائيل والوجه الجديد للمنطقة؟

وفوق كل ذلك، هناك ضرورة لفهم طبيعة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى المنطلقة بمَدخلها بحر قزوين، التي ترغب بها الولايات المتحدة.

وفي الواقع، لا تقدم اتفاقيات إبراهيم صيغة تتعلق بأمن إسرائيل فحسب، بل تقدم أيضاً تصورًا للكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الدول المعنية.

حتى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مرتكب الإبادة الجماعية، حول طائرات F-35 التي من المحتمل بيعها للمملكة العربية السعودية وتركيا يعد بمثابة دليل على ذلك.

وفي زيارة ولي العهد سلمان الباهرة إلى البيت الأبيض، تم تأكيد بيع هذه الطائرات. ولكن يبدو أن الصفقة لن تشمل جميع قدرات طائرات F-35، وهذا يعني أنها لا يمكن استخدامها ضد إسرائيل. أما بالنسبة لتركيا، فالوضع أكثر تعقيدًا، إذ صرّح نتنياهو: "(الأمريكيون) لم يسألونا قبل بيع طائرات F-35. وعندما تمت الصفقة تحدثت مع وزير الخارجية روبيو وتأكدت من الأمر. لم يحصل سلمان على كل ما أراده. ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستُسلّم طائرات F-35 لتركيا، فهذا احتمال بعيد جداً."

يمكن تعميم هذا المنظور على جميع الدول والقضايا التي تدعو إليها اتفاقيات إبراهيم، سواء صراحة أو ضمنا، إذ يمكن اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية والدبلوماسية، لكن دون المساس بـ "المزايا النوعية" لتل أبيب.

الاستثناء الوحيد هو أن تصبح تركيا حليفًا بالشكل الذي ترغب به تل أبيب. وهذا لا يبدو ممكنًا. كما أن الخلاف يعرقل أيضًا منظور الولايات المتحدة الذي أشرنا إليه أعلاه كأساس، والمتعلق بـ«أي شرق أوسط وأي آسيا وسطى تريد أمريكا؟»…

وتواجه الولايات المتحدة مأزقاً استراتيجياً قد يُشكّل استثناءً للاستثناء. فخطة الشرق الأوسط تعتمد على منطق جذري يجعل الوجود الأمريكي اقتصادياً؛ وهو أن يتم السيطرة على المنطقة ومراقبتها من قبل دول ذات إمكانيات وقدرات عالية.

أكتب هذا دون الحكم عليه بأنه جيد أو سيء؛ لطالما كان لأمريكا خطة للشرق الأوسط، ونحن نميل ا إلى التعميم عند تحليلها، وهذا أمر مُطمئن، لكن الفرق هذه المرة يكمن في لمسة ترامب؛ وهذا يعني معالجة المشاكل الأساسية في المنطقة، ومن ثم تسليم ما تبقى إلى حلفائها، مع تقليل الوجود من جهة، وجني المكاسب المادية من جهة أخرى، والتركيز على الطرف الشرقي من العالم وإعادة هيكلة النظام العالمي برمته.

وهنا يتجلى استثناء الاستثناء؛ وهو تركيا. فلا يمكن إنجاز أي شيء بدونها.


#مظلوم عبدي
#عبد الله أوجلان
#قسد
#سوريا
#تركيا
#الرئيس الشرع
#اتفاقيات إبراهيم
#الشرق الأوسط
#أمريكا