المحلل السياسي اللبناني توفيق شومان: - ما حصل يشكل انقلابًا على التفاهمات، فكل الوقائع كانت تشير إلى توجّه الكتل نحو تسمية ميقاتي - تشكيل الحكومة واختيار قائمتها سيكون المقياس لمعرفة أين ستتجه الأمور في لبنان الصحفي اللبناني مروان حيدر: - "حزب الله" يعي أن هناك إرادة دولية وعربية، وربما إيرانية، بأن يكون له دور سياسي فقط وليس أمني - لبنان سيكون حليفا لدول الخليج العربي مع انحسار الدور الإيراني الأمني
شكّل تكليف نواف سلام، تشكيل حكومة جديدة للبنان، الاثنين، مفاجأة كبيرة في البلاد، لا سيما لناحية عدد الأصوات المرتفع الذي حصل عليه في الاستشارات النيابية مقابل بعض الداعمين لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بخلاف إرادة "الثنائي الشيعي" أي "حزب الله" وحركة "أمل".
فوز سلام (71 عاما)، يأتي بعد أيام قليلة من انتخاب قائد الجيش اللبناني السابق جوزاف عون رئيسا للجمهورية، وهو ما شكّل تبدّلاً شاملاً في المشهد السياسي، لصالح قوى المعارضة على حساب "حزب الله" وحلفائه.
ومساء الاثنين، أعلنت الرئاسة اللبنانية أن "سلام حصل على 84 صوتا، بعد انتهاء الاستشارات النيابية المُلزمة في قصر بعبدا شرق بيروت، بينما لم يُسمِّ 35 نائبا أيّ أحد، فيما صوّت 9 لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي".
** "حزب الله" يتهم
عقب لقائه الرئيس عون في إطار الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية شخصية لتكليفها تشكيل حكومة، الاثنين، أعلن رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (13 نائبا) التي تمثل "حزب الله" في البرلمان النائب محمد رعد، أن كتلته لم تسمّ أحدا، معتبرا أن "البعض يكمن مجدداً من أجل التفكيك والتقسيم والإلغاء والإقصاء".
وفيما يرى بعض المحللين أن ما حصل قد ينذر بأزمة سياسية محتملة تزيد من الانقسام السياسي، يعتبر البعض الآخر أن نتائج الانتخابات الرئاسية وتسمية سلام قد تشكلان بارقة أمل للبنان يستعيد من خلالها عافيته، خاصة أن الثنائي وحلفاءه اكتفوا بعدم تسمية مرشح، ما رأى فيه مراقبون أنه "امتناع عن العرقلة".
وكان اسم نواف سلام قد جرى تداوله لرئاسة الحكومة إبّان المظاهرات الحاشدة التي شهدها لبنان في 2019 و2020، لكن "حزب الله" وحلفاءه قطعوا الطريق أمامه مبكرا.
وفي استشارات 2022 النيابية حصل سلام على دعم واسع، إلا أن الأصوات لم تكن كافية لتكليفه بتشكيل الحكومة، ورغم أنه قاضٍ مشهود له، يرجع مراقبون عدم دعم الحزب له لكونه من المنادين بحصر السلاح بيد الجيش.
** حكومة تحدٍ
المحلل السياسي اللبناني توفيق شومان قال في حديث للأناضول إن "ما حصل يشكل انقلابًا على التفاهمات، فكل الوقائع كانت تشير إلى أن توجّه الكتل كان نحو تسمية ميقاتي رئيسًا للحكومة (وهذا خيار الثنائي الشيعي)، لكن ما حصل جاء مغايرًا لكل التوقعات".
ورأى أن "الثنائي الشيعي يعتبر أن هناك قوى سياسية تستهدفه وتبني مواقفها السياسية بناء على المتغيرات في الشرق الأوسط وخصوصا الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان".
شومان لفت إلى أن "تشكيل الحكومة واختيار قائمتها سيكون المقياس لمعرفة أين ستتجه الأمور في لبنان، فإذا كانت حكومة تحدٍ لحزب الله وحركة أمل فإن البلاد ذاهبة نحو أزمة لا سابقة لها".
وأضاف: "أما إذا جرى العمل على استيعاب نتائج الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة تراعي الميثاق الوطني (التوازن الطائفي) من خلال التوافق الداخلي، فاعتقد أنه بالإمكان أن يجري احتواء الأزمة، وإلا فإن البلاد ذاهبة نحو صِدام سياسي".
** انفتاح على العالم العربي
في المقابل، رأى الصحفي مروان حيدر أنه من الواضح أن المتغيرات الدولية انعكست تغيّرات على الساحة الداخلية اللبنانية، مشيرا إلى أن لبنان ذاهبٌ نحو مزيد من الانفتاح على العالم العربي، لا سيما على المستوى الاقتصادي.
واستبعد حيدر في مقابلة مع الأناضول، أن يكون هناك "مواجهة بين القوى السياسية التي انتخبت رئيس الجمهورية وسمّت نواف سلام لرئاسة الحكومة، و"حزب الله".
وأرجع ذلك إلى أن "الحزب على وعي تام بأن هناك إرادة دولية وعربية، وربما إيرانية، بأن يكون للحزب دور سياسي فقط وليس أمنيا"، وفق تقديره.
وقال حيدر إنه "لطالما كان لدى حزب الله تداخل بين الأمن والسيطرة على الحياة السياسية في لبنان".
** انفراجات مهمة
حيدر توقع أن "يجري تشكيل حكومة سياسية في لبنان تجمع كل المكونات بحيث تكون حكومة وحدة وطنية، سيتقبلها الثنائي الشيعي على مضض، وستكون الوزارات مقسمة بحسب حجم الكتل".
ورجّح الصحفي اللبناني حصول "انفراجات مهمة على المستوى الاقتصادي والتعافي النقدي، وعودة لبنان إلى دوره الريادي في المنطقة"، وأن "تشكل بيروت ومدن لبنانية أخرى، نقطة مهمة جدا لإعادة إعمار سوريا".
كما أعرب حيدر عن اعتقاده بأن "لبنان سيكون من ضمن الدول الحليفة للدول الخليجية مع انحسار الدور الإيراني الأمني، وبقاء حزب الله وحركة أمل ثنائي شيعي مؤثر لا مسيطر"، وفق تقييمه.
** توقعات بتشكيل سريع
وصول سلام للتكليف هذه المرة جاء نتيجة اتفاق المعارضة بمختلف أطيافها على دعمه، لا سيما مع موقف كتلة التغييريين والمستقلين الذين يلعبون دور "بيضة القبان" المرجحة في الاستشارات.
ويُعرف سلام بدعواته المتكررة إلى الإصلاح في لبنان، وبدفاعه عن سيادة الدولة اللبنانية، مع تأكيده على حصر السلاح بيد الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ويمتلك علاقات دولية وعربية يعول عليها كثيرون لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية والسياسية.
وعادة ما يتسبب التباين السياسي العميق بين القوى الرئيسية، مثل "حزب الله" وحركة "أمل" وخصومهما، في تأخير التشكيل الحكومي لأشهر.
غير أن توقعات تفيد بإمكانية تسريع العملية، نظرا للتغيرات الإقليمية الأخيرة، وتراجع نفوذ بعض الأطراف التقليدية (الثنائي الشيعي).
وجرت العادة في لبنان على أن يتولى رئاسة الوزراء مسلم سُني، ورئاسة الجمهورية مسيحي ماروني، ورئاسة مجلس النواب مسلم شيعي.
ومن المنتظر أن يصبح سلام رئيس أول حكومة في عهد رئيس الجمهورية الجديد جوزاف عون.
وبعد شغور دام أكثر من عامين جراء خلافات سياسية، انتخب البرلمان الخميس عون رئيسا للبلاد بأغلبية 99 نائبا من أصل 128.
وجاء انتخاب عون عقب حرب مدمرة شنتها إسرائيل بين 23 سبتمبر/ أيلول و27 نوفمبر تشرين الثاني الماضيين على لبنان، الذي يعاني من انقسامات سياسية وأوضاع اقتصادية متردية.