تتزايد التقديرات التي تشير إلى أن تنظيم"بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي يقترب من نهايته.
ما يميز هذه التقييمات أنها ليست مجرد تصريحات دورية صادرة بين الحين والآخر لإبراز إصرار تركيا على مكافحة الإرهاب، بل تعكس التحولات الجارية في سوريا.
فقد أكد الرئيس أردوغان في تصريحاته يوم الإثنين قائلاً: "إما أن يقوم تنظيم "بي كي كي" وامتداداته بتصفية أنفسهم، أو سيتم القضاء عليهم. سنضع حدًا لهذه العصابات القاتلة التي تمثل تهديدًا لمنطقتنا. الوقت يضيق عليهم، والدائرة تضيق، ونهاية الطريق باتت واضحة."
وهناك آخرون أيضاً يتحدثون عن "النهاية". فقد صرّح وزير الخارجية هاكان فيدان في دمشق قائلاً: "أؤكد مجدداً أنه لا مكان لتنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" في سوريا. وفي اجتماعنا اليوم (مع الجولاني)، رأينا مجدداً مدى تصميم الشعب السوري على محاربة "بي كي كي/ واي بي جي" . يجب على "بي كي كي/ واي بي جي" أن يحلّ نفسه في أسرع وقت ممكن".
أما تصريحات الجولاني فهي مشابهة لهذا النهج، إذ يركز على عدم السماح لأي كيان خارج الجيش بحمل السلاح، مع تأكيده على وحدة سوريا.
ويتجلى هنا التلاقي بين التشديد على "الجيش فقط" والدعوة المتكررة إلى "التصفية"، مما يفتح المجال ل فكرة القضاء على جزء كبير من أعضاء التنظيم الإرهابي من خلال هذا المسار. كما أن تركيا أوضحت بالفعل كيف ستتم تصفية قيادات التنظيم والعناصر الإرهابية القادمة من دول أخرى.
ولكن هل هذا المسار عملي وقابل للتنفيذ؟
لطالما أكدت التصريحات الرسمية التركية أن مبرر وجود التنظيم الإرهابي في سوريا يقتصر على وظيفته كـ"حارس سجون". ويعود هذا التأكيد القوي إلى أن الولايات المتحدة تستخدم السيطرة على سجون داعش ومن فيها كحجة لتبرير استمرار وجود التنظيم.
ومن الواضح أن أنقرة تستهدف هذا التبرير، إذ يتم إيصال رسالة إلى واشنطن مفادها أن الإدارة السورية الجديدة مستعدة لتولي هذه المسؤولية، وأن تركيا على استعداد لدعمها إذا لزم الأمر.
ولكن يبرز تساؤل محوري: هل تتمثل فعلاً وظيفة التنظيم الإرهابي في مجرد "الحراسة"؟ هل يمكن تجاهل هدفه الأقدم المتمثل في إنشاء ممر إرهابي ودولة على امتداد خط العراق وسوريا، وهو مشروع مستمر منذ عقود ويحظى بدعم واضح؟
يضاف إلى ذلك مسألة أمن إسرائيل، التي تضفي تعقيداً على المشهد، خصوصاً في ظل التوتر الذي وصل إلى حد العداء في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ويتجلى ذلك في التصريحات العدائية المتكررة الصادرة عن وسائل الإعلام الإسرائيلية والساسة هناك، بالإضافة إلى داعميهم في الولايات المتحدة، الذين يصرون على ضرورة بقاء التنظيم الإرهابي.
إذن، ما الحل؟
ربما تكمن الخطوة الأولى في إعادة ترتيب التصورات الراسخة في أذهاننا تجاه هذه القضية.
لطالما أكدت في مقالاتي خلال العقد الماضي أن "العالم متعدد الأقطاب والمنافسة بينهما يقدمان لتركيا سلسلة من الفرص والمخاطر". ثم استمر العديد من الكتاب والمعلقين في تطوير هذه الفكرة وتوسيعها.
وهذا بالضبط ما يحدث في سوريا الآن. إنها إحدى تلك الفرص، كذلك كان تحديث العلاقات مع العراق. نحن نسعى جاهدين لتقليص المخاطر قدر الإمكان، والاستفادة من الفرص المتاحة، ويجب أن نرى هذا بوضوح عند النظر إلى ما يحدث في سوريا، قبل أن نغرق في تحليلات التفاصيل المحلية.
الوضع الجديد الذي نشأ في سوريا إما يغير الفرضيات والشروط والظروف الحالية أو يجعلها غير قابل للاستمرار.
والشيء الثابت الوحيد حاليًا هو نظرة الإدارة الأمريكية الحالية إلى التنظيم الإرهابي ودعمه.
وقد صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قائلاً: "عندما رحل الأسد، استغل داعش الفرصة على الفور واتخذ خطوات لتوسيع نفوذه في الميدان. يجب الحفاظ على القدرة العسكرية لمكافحة داعش و"بي كي كي/ واي بي جي". يجب على الولايات المتحدة أن تقف إلى جانب أفضل وأقرب شركائها في الحرب ضد داعش. يجب أن نكون إلى جانبهم ونضمن سلامتهم. وهذا ما يهدف الرئيس بايدن إلى فعله".
بالطبع، أيام بايدن بات معدودة.
فماذا يقول مايك والتز، الذي رشحه ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي "المنتخب" دونالد ترامب؟ يقول: "كانت سياسات ترامب في الشرق الأوسط خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة صحيحة. وتمثّلت سياسته الحازمة في عدم زجّنا في حروب الشرق الأوسط. لا نحتاج إلى أي وجود للقوات الأمريكية في سوريا بأي شكل من الأشكال."
ورغم أن تصريحات والتز تبدو معتدلة في ظاهرها، إلا أن ما جاء بعدها يستدعي يقظة وتركيزًا حيث يقول: " ولكننا سنواصل مراقبة داعش، والحدود الإسرائيلية، والديناميكيات الأوسع نطاقًا مع حلفائنا في الخليج."
لا داعٍ لمناقشات طويلة ومعقدة. باختصار، قضية تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي في سوريا لها سياق جديد وشروط جديدة، ولكن في النهاية، الأمر يتوقف على الخطوات التي ستتخذها إدارة ترامب. هذه هي العقدة الوحيدة.
لهذا السبب، كما ذكرنا سابقًا علينا أن نناقش بشكل أكثر عمقًا ديناميكيات العلاقات التركية الإسرائيلية خلال فترة ترامب، وأن نولي اهتمامًا خاصًا لكيفية تأثير سوريا الجديدة ونفوذ تركيا المتزايد في هذه الدولة على علاقاتنا مع أصدقائنا في دول الخليج. فالمسألة ليست في تغيير الجولاني اسمه أو ربطة عنقه، فهذه أمور شكلية لا علاقة لها بالجوهر والمضمون.
وأخيرًا يجب أن نولي اهتمامًا لمحتوى زيارة الوفد الأمريكي إلى دمشق. فهناك احتمال أن تترك إدارة بايدن إرثًا ملغومًا لتسليمه إلى ترامب، وهذه الفخاخ ستؤثر علينا أيضًا.
من غير المرجح أن تكون مسألة مصير تنظيم بي كي كي/ واي بي جي/ الإرهابي قد غابت عن جدول أعمال مباحثات الوفد الأمريكي مع الجولاني. ونأمل أن تكون قيادة دمشق قد قدمت الإجابة المتوقعة على هذا السؤال مؤكدة ضرورة عدم وجود أي قوات مسلحة خارج إطار الجيش السوري، وأن هذا الشرط ضروري لوحدة البلاد. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد ألغت المكافأة المالية على رأس زعيم التنظيم بعد هذه المباحثات مباشرة.
وفي اليوم التالي مباشرة، تزامنت زيارة السيد فيدان إلى دمشق مع التصريحات الحاسمة والصارمة بشأن تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي.
نعود إلى نفس النقطة؛ الخيط الوحيد الذي يربط نهاية التنظيم الإرهابي في سوريا هو الخطوة العملية التي ستتخذها إدارة ترامب. لكن هذه هي "العقدة الأخيرة".
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة