بناء هوية عالمية في الإمارات العربية المتحدة

08:4112/05/2025, الإثنين
تحديث: 12/05/2025, الإثنين
سلجوك توركيلماز

يُعد التساؤل عن الوقت الذي بدأت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة تنتهج سياسة تتماهى تماماً مع النموذج الإسرائيلي، سؤالاً بالغ الأهمية بالنسبة للعرب والعالم الإسلامي. وثمة أسئلة أخرى لا تقل أهمية في هذا السياق، وأعتقد أن كثيرين قد يستغربون من هذا السؤال، ولكن مَن يدرك طبيعة الأنشطة التي تضطلع بها الإمارات حالياً في أرجاء العالم الإسلامي لن يجد هذا السؤال غريباً أو مستنكراً. وأرى أنه لا بد من إعادة النظر في موقع هذه الدولة الخليجية الصغيرة، من حيث انتمائها العربي والإسلامي، استناداً إلى التطورات

يُعد التساؤل عن الوقت الذي بدأت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة تنتهج سياسة تتماهى تماماً مع النموذج الإسرائيلي، سؤالاً بالغ الأهمية بالنسبة للعرب والعالم الإسلامي. وثمة أسئلة أخرى لا تقل أهمية في هذا السياق، وأعتقد أن كثيرين قد يستغربون من هذا السؤال، ولكن مَن يدرك طبيعة الأنشطة التي تضطلع بها الإمارات حالياً في أرجاء العالم الإسلامي لن يجد هذا السؤال غريباً أو مستنكراً. وأرى أنه لا بد من إعادة النظر في موقع هذه الدولة الخليجية الصغيرة، من حيث انتمائها العربي والإسلامي، استناداً إلى التطورات التي باتت تقف في صلبها. ورغم حِدَّة هذا الطرح، ينبغي التوضيح أن هذا التساؤل لا يُقصد به نقاش إيماني أو عقدي، إذ إن الانخراط في ذلك قد يؤدي بنا إلى الابتعاد عن جوهر القضية المطروحة. فالجدل حول ما إذا كانت الإمارات دولة عربية ومسلمة، يجب أن يُفهم في إطار الهوية الحضارية والثقافية لا العقائدية. فهل بالإمكان تحديد هوية دولة الإمارات؟ ولمن تنتمي هذه الهوية؟ وهل يمكن حقاً اعتبارها عربية ومسلمة؟ وهذه الأسئلة تنطبق أيضا على دول شبيهة بها في المنطقة.

ينبغي فتح نقاش جاد حول ما إذا كانت الإمارات لا تزال جزءاً من الجغرافيا العربية والإسلامية. خذ مثلاً ما يجري اليوم في السودان، حيث تتجه الأمور إلى مواجهة سياسية حادة مع الإمارات. وقد مثّل قطع السودان لعلاقاته الدبلوماسية مع الإمارات تطوراً بالغ الأهمية، مدفوعاً بجملة من الأسباب الجدية التي دفعته إلى اتخاذ مثل هذا القرار. فقد تكرّر ذكر الإمارات على مدى سنوات طويلة بوصفها فاعلاً مؤثراً في تعقيد الأزمات الداخلية في السودان. كما أُثير كثير من الجدل في السنوات الأخيرة حول دور الإمارات في نقل المرتزقة السودانيين إلى ليبيا عبر الأراضي التشادية. وفي عام 2020، نقلت الإمارات جنودًا مرتزقة من السودان إلى ليبيا لقاء المال، لتمكين حفتر، المدعوم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، من فرض سيطرته على ليبيا بأكملها. أما الحقائق التي انكشفت مع إطلاق الجيش السوداني عملية جديدة لإرساء الوحدة في البلاد منذ سبتمبر الماضي، فهي تثير قدراً كبيراً من القلق. إذ إن قرار الحكومة السودانية بمقاضاة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة التواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية في غرب دارفور، لا يمكن اعتباره حدثًا عاديًا.

إن ما وُجّه إلى الإمارات من اتهامات سودانية يكشف بوضوح أن الإمارات باتت تتقاسم مع إسرائيل الموقع نفسه في الجغرافيا العربية والإسلامية. فما الذي يعنيه ذلك؟ وهل من إجابة منهجية عن هذا التساؤل؟ ما العوامل التي دفعت الإمارات إلى توقيع "اتفاقات إبراهيم" مع إسرائيل؟ وكيف نفسّر هذا التلاقي في الرؤى بين الإمارات وبعض الدول الخليجية الأخرى وبين إسرائيل والولايات المتحدة، فيما يتعلّق بتصوّراتهم المستقبلية للمنطقة؟ هل الدافع الرئيسي لهذا التلاقي هو الخوف الوجودي، أم البنية المنهجية التي ينتمون إليها؟ ويجدر الانتباه إلى أن سلوك الإمارات بات يشبه إلى حد كبير سلوك إسرائيل، ويستحيل أن تتراجع عن هذا المسار لاحقاً. ولذلك ينبغي التعامل مع هذا التساؤل بجدية بالغة.

لقد أكدنا مراراً، في معرض تحليلنا لإسرائيل بوصفها مشروعاً استعمارياً أوروبياً وأمريكياً على أهمية مفهوم "الاستعمار الاستيطاني". فهذا النمط من الاستعمار وإن تخلّت عنه أغلب الدول في أنحاء العالم، إلا أنه طُبّق بأشد صوره قسوة على الأراضي الفلسطينية التاريخية خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين. ويُعدُّ الاستعمار الاستيطاني أحد أنماط الإمبريالية، غير أن اختزاله في كونه مجرد استعمار تقليدي أوقع الكثيرين في أخطاء جسيمة. ومن سماته الفارقة إيمانه بالتفوّق العرقي. وقد طُبّق نمط آخر من هذا النظام في دولة الإمارات. ونجد لهذا النمط أيضاً أمثلة أخرى، إذ لا يمكن تفسير "النجاح المعجز" لدول مثل سنغافورة دون الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الاستعمارية. فحتى أنظمة الانتداب والحماية كانت امتداداً لذلك النظام، غير أن الإمارات تُمثل حالة فريدة. فهذا البلد الصغير، بما يحتضنه من قواعد عسكرية ومن بنية سكانية مركبة، يتجه ليصبح كياناً كوزموبوليتانياً (عالمياً) بامتياز. وأحرص على التأكيد هنا على صِغَر حجم الإمارات، لأن هذا العامل تحديداً يضطلع بدور محوري في صياغة النظام الجديد. فالبنية الكوزموبوليتانية الناشئة لا تقتصر آثارها على الأرض والسكان داخل الدولة فحسب، بل تمتد لتطال المحيط الإقليمي بأسره. فالهُوية العربية والإسلامية تتعرض لتحريف خطير وممنهج.

ونستطيع تتبّع ملامح هذا التحول السريع الذي تشهده الإمارات حتى من تركيا. فمَن زار هذه الدولة في السنوات الأخيرة، لا بد أنه لاحظ بدهشة وإعجاب، التغييرات الجذرية التي طرأت على بنيتها الاجتماعية والعمرانية والثقافية. وما يثير الدهشة أكثر، هو أن هذا الإعجاب قد تحوّل لدى بعض الفئات إلى دافع جديد محفّز. ومن اللافت أن صورة الإمارات بوصفها دولة ذات طابع أوروبي أصبحت تنتشر بوتيرة متزايدة، وهو أمر يرتبط بشكل مباشر مع ما يجري من جهود حثيثة لبناء كيان جديد منسلخ عن الهوية العربية والإسلامية.

ومن هنا، فإن التساؤل عمّا إذا كان يجري في المنطقة تشييد "إسرائيل جديدة" يستحق منا بحثاً معمّقاً متعدد الزوايا. إذ عند الوقوف على أوجه الشبه والاختلاف بين هذين الكيانين الصغيرين، يصبح هذا التساؤل وجيهاً وغير مثير للاستغراب.


#الإمارات
#العرب
#المسلمون
#اليهود
#إسرائيل
#السودان