الجرائم الاستعمارية تثقل كاهل الرجل الأبيض

08:389/10/2025, الخميس
تحديث: 9/10/2025, الخميس
سلجوك توركيلماز

إننا نشهد أحداثاً لافتة. فليس من المعتاد أن تملأ حشود ضخمة من مؤيدي فلسطين الشوارع والساحات بأعداد تصل إلى مئات الآلاف في دولة مثل هولندا. وكالعديد من الناس، أتابع باهتمام التأييد الفلسطيني في المدن الأوروبية والجامعات الأمريكية، حيث لا تلتزم الجماهير الصمت إزاء جرائم الحرب الإسرائيلية، على عكس النخب. ولا شك أن أفعالهم ترسل رسائل إيجابية للغاية إلى العالم. هؤلاء الناس العاديون هم أحد أهم العناصر القادرة على ردع النخب البريطانية والأمريكية والألمانية. ولكن يجب ألا نغفل عن إبداء تحفظ على هذا الاستنتاج.

إننا نشهد أحداثاً لافتة. فليس من المعتاد أن تملأ حشود ضخمة من مؤيدي فلسطين الشوارع والساحات بأعداد تصل إلى مئات الآلاف في دولة مثل هولندا. وكالعديد من الناس، أتابع باهتمام التأييد الفلسطيني في المدن الأوروبية والجامعات الأمريكية، حيث لا تلتزم الجماهير الصمت إزاء جرائم الحرب الإسرائيلية، على عكس النخب. ولا شك أن أفعالهم ترسل رسائل إيجابية للغاية إلى العالم. هؤلاء الناس العاديون هم أحد أهم العناصر القادرة على ردع النخب البريطانية والأمريكية والألمانية.

ولكن يجب ألا نغفل عن إبداء تحفظ على هذا الاستنتاج. فالاحتجاجات المنتشرة في العديد من المدن الأوروبية كان يجب أن تُفضي إلى نتيجة حتى الآن. لم تتشكل أغلبية فاعلة بما يكفي لإثارة خوف النخب في الشوارع والساحات، ولم نشهد انفجار غضب واسع وقوي قادر على إيقاف النخب. على الرغم من ذلك، قارن العديد من الأشخاص رد فعل عامة الناس في الدول الغربية بـ ضعف الاحتجاجات الجماهيرية ضد إسرائيل في العالم الإسلامي. وأعرب هؤلاء عن إعجابهم بالفيضان الغاضب الذي ظهر في الدول الأوروبية.

ويجب التنويه أيضًا إلى أن غضب الناس العاديين في أوروبا وأمريكا جاء متأخرًا نسبيًا، وأن جرائم إسرائيل الاستعمارية تُرتكب تحت أنظار هذه المجتمعات الغربية. لذلك، فإن مقارنة حجم الردود بين العالم الإسلامي والغرب ستقود حتماً إلى نتائج مضللة، إذ ستقودنا إلى حلقة مفرغة من مقارنات الديمقراطية والحرية والاستبداد. ومن دون إجراء أي مقارنة، يمكن بالطبع التساؤل عن مدى دعم العالم الإسلامي للقضية الفلسطينية. ولست ضد وضع مقارنة بين العالم الإسلامي والدول الغربية في سياقات مختلفة، لكن يجب الإشارة إلى أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة شاركت مباشرة في الجرائم الاستعمارية، وكانت من بين مرتكبي جرائم الإبادة. وهذا يدعونا إلى مساءلة شعوب هذه الدول، التي اكتفت حتى اليوم بمراقبة الجرائم التي ارتكبتها بلدانها تحت رقابتها. ولو كانت الدول الإسلامية، التي هي موضع الانتقاد، متورطة في هذه الجرائم لختلف الوضع. فحتى اليوم، لا تزال المجتمعات الأوروبية تعاني على المستوى الجماهيري في مواجهة الجرائم الاستعمارية التي استمرت لقرون ولن تُمحى من الذاكرة لمئات السنين. وإلى جانب ذلك، تنتشر أفكار عنصرية مثل كراهية الأجانب بسرعة أكبر.

لا شك أن ظهور أجندة جديدة تتناول الجرائم الاستعمارية المرتكبة تحت إشراف المجتمعات الغربية هو أمر باعث على الأمل. ولكن لم تجد هذه الأجندة الجديدة بعد صدى عميقاً وكبيراً. إن الملاحظات التي تشير إلى أن الجرائم الاستعمارية الإسرائيلية تُرتكب تحت أنظار المجتمعات الغربية، تأتي من أصوات معارضة "داخلية" وشرعية مثل فرانشيسكا ألبانيز. ولا حاجة للحديث عن قيمتها التمثيلية؛ من الواضح أنها خبيرة قانونية بارعة. ففي الوقت الذي يسارع فيه أمثال هابرماس للوقوف إلى جانب إسرائيل مؤدّين دور "الرجل الأبيض"، فإن ظهور شخصيات مثل ألبانيز يشير إلى ظهور وعي جديد. وهو في الحقيقة، مكسب للعالم الغربي، لكن من الواضح أن أمثال ألبانيز يتعرضون أيضاً للضغوط. وهم بدورهم يُعلقون أهمية على الجماهير التي بدأت تتشكل حديثاً. ومع ذلك، فإن هذا الوضع لا يلغي للأسف إشراف المجتمعات الغربية على ارتكاب الجرائم.

وفيما يتعلق بالاتهامات الموجهة للعالم الإسلامي، فإننا لسنا في موقف يسمح لنا بالاستياء. بل يجب أن نوضح فرقا هاماً: ثمة حديثٌ اليوم عن تصاعد العنصرية في أوروبا. ففي الآونة الأخيرة، قامت مجموعة من العنصريين الأمريكيين المؤمنين بتفوق العرق الأبيض بجمع حشد كبير من المعادين للأجانب في بريطانيا. وكان من الواضح أنهم يتحدّون العالم. ولم تُطرَح في احتجاجاتهم أي انتقادات تتعلق بالجرائم الاستعمارية التي ارتُكبت بمشاركة فعلية من بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، كانت الشعارات المعادية للأجانب هي السائدة.

وهذا يقودنا إلى السؤال عن الاتجاهات التي يجب أن تُقارَن بها حقاً مثل هذه الاحتجاجات الجماهيرية في تركيا والعالم الإسلامي. لا شك أن هناك من لا يبالون بالقضية الفلسطينية في تركيا والعالم الإسلامي. بل ويمكن أيضاً التطرق إلى اللامبالاة والتحفظ الذي تبديه الدول تجاه هذه القضية. لكن هذه مسألة أخرى ويجب مناقشتها في سياقات مختلفة. فالمقارنات التي لا معنى لها كما أشير، ستؤدي حتماً إلى نتيجة مفادها: "يجب أن نبحث عن الخطأ في أنفسنا".

في الواقع، إن الأوروبيين والأمريكيين في الواقع يخوضون مواجهة مع أنفسهم، لأن الصهيونية تُحمّلهم مسؤولية جميع هذه الجرائم، وتضع أعباءها على أكتافهم.


#الجرائم الاستعمارية
#الرجل الأبيض
#الدول الأوروبية
#الغرب
#فلسطين
#غزة
#الاحتلال الإسرائيلي
#الاحتجاجات