زوال التوتر والخلافات

08:3511/01/2025, السبت
تحديث: 11/01/2025, السبت
طه كلينتش

توفي العالم والمجاهد السوري الشيخ سارية الرفاعي في إسطنبول يوم الاثنين الموافق 6 يناير 2025، وشيع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في مقبرة الباب الصغير التاريخية في دمشق بعد الصلاة عليه في جامع الفاتح بإسطنبول أولا، ثم جامع الأموي في دمشق. وقد دلّ الاهتمام الصادق والحضور المكثف الذي حظيت بها جنازته على بركة حياة امتدت 77 عامًا قضاها في قلب الصراع. لم تقتصر مراسم جنازة الشيخ سارية في دمشق على جذب اهتمام الجماهير فحسب، بل أصبحت أيضًا مناسبة للقاء عفوي ودافئ بين العلماء والإدارة الجديدة في سوريا. كما

توفي العالم والمجاهد السوري الشيخ سارية الرفاعي في إسطنبول يوم الاثنين الموافق 6 يناير 2025، وشيع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في مقبرة الباب الصغير التاريخية في دمشق بعد الصلاة عليه في جامع الفاتح بإسطنبول أولا، ثم جامع الأموي في دمشق. وقد دلّ الاهتمام الصادق والحضور المكثف الذي حظيت بها جنازته على بركة حياة امتدت 77 عامًا قضاها في قلب الصراع.

لم تقتصر مراسم جنازة الشيخ سارية في دمشق على جذب اهتمام الجماهير فحسب، بل أصبحت أيضًا مناسبة للقاء عفوي ودافئ بين العلماء والإدارة الجديدة في سوريا. كما عبر عن ذلك أهل دمشق بأجمل الكلمات قائلين: "حتى بعد وفاته، لم يتوقف الشيخ سارية عن خدمة المسلمين: فقد وحد الصفوف وقرب القلوب من بعضها". وقد حضر رئيس الوزراء السوري محمد البشير صلاة الجنازة في جامع الأمويين إلى جانب شقيق المرحوم، الشيخ أسامة الرفاعي، وألقى خطابًا مؤثرًا. وفي مساء نفس اليوم، حضر رئيس الحكومة السورية الجديدة أحمد الشرع شخصيًا برفقة وزرائه إلى جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي وقدم تعازيه للشيخ أسامة، وكان مشهد الاحترام والتقدير الذي أظهره الشرع للشيخ أسامة مشهدًا جديرًا بالملاحظة والاهتمام. وعندما نتذكر الهجوم الوحشي الذي شنته شبيحة البعث في رمضان 2011 على المصلين في نفس الجامع، والذي أصيب فيه الشيخ أسامة أيضاً، فإن معنى المشهد يصبح أعمق وأكبر.

ولا يخفى على أحد وجود اختلاف في المنهج والأسلوب والطريقة بين القيادة الجديدة التي أطاحت بنظام بشار الأسد في سوريا وبين التيار الإسلامي التقليدي الذي يمثله الشيخ أسامة الرفاعي وأمثاله. فمنذ بداية الانتفاضة الشعبية عام 2011، وجه الشيخ أسامة انتقادات شديدة تجاه أحمد الشرع (الذي كان يُعرف حينها باسم أبو محمد الجولاني) وأصدقائه، وصل بعضها إلى مستوى الفتوى. وقد جاء من جانب الشرع ردود دفاعية وهجمات مضادة. وتعمق هذا التوتر بين أنصار الجانبين، مما أدى إلى استمرار الصراع ضد النظام من جهة، وفي الوقت نفسه بروز انقسامات مدمرة بين صفوف المعارضة.

وفي ظل الأجواء الجديدة التي بدأت تتشكل في سوريا بعد الإطاحة بنظام البعث، كان السؤال الأكثر إلحاحًا هو كيف ستستقبل دمشق الشيخ أسامة الرفاعي الذي أطلق عليه لقب "مفتي سوريا" خلال إقامته في المنفى، والذي يتمتع بدعم كبير من علماء الدين. بل إن البعض سارَع في كتابة سيناريوهات كارثية. ولكن على عكس تلك المخاوف حدث تلاقٍ وحفاوة استقبال تجاوزت كل التوقعات والآمال.

إن المشاهد التي وصلتنا من دمشق تؤكد ما يلي بخصوص القيادة الجديدة في سوريا:

لقد قاموا بتطوير فكرهم بشكل ملحوظ منذ عام 2011 وحتى اليوم. ورغم تمسكهم بمنهجهم الأساسي، إلا أنهم اكتسبوا خبرة كبيرة في إدارة العلاقات الإنسانية والحوار مع المسلمين على اختلاف وجهات نظرهم. فقد تمكنوا من التخلص من الفهم الضيق الذي يرفض التصوف بشكل مطلق ويدفعه إلى خارج حدود الإسلام، وأدركوا أن تقاليد الإيمان التي تقوم على القرآن والسنة هي العنصر الأهم الذي يجمع المسلمين السوريين معًا. وهم يعرفون أن حكم مدينة مثل دمشق، عاصمة إمبراطورية قديمة، يتطلب حكمة بالغة وأن إدارة شؤون مدينة مثل إدلب تختلف تمامًا عن إدارة التوازنات في دمشق.

وفي المقابل، شهد الشيخ أسامة الرفاعي وغيره أن الانتصار في سوريا تحقق بفضل الأجيال الشابة التي انتقدوها في الماضي. وفي هذه المرحلة، لم يترددوا في التعبير عن مشاعر الوفاء والامتنان تجاه هؤلاء الشباب. وهم مدركون تمامًا للدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه العلماء في سد الفجوة التي نشأت بين الدولة والشعب في فترة حكم البعث؛ وهم على استعداد تام لتبادل خبراتهم مع الكوادر الجديدة التي تدير الدولة بكل سخاء وتصميم.

إن النضج الذي أظهره الطرفان يحمل في طياته إشارات واعدة، خصوصًا في ما يتعلق بإعادة الدين إلى أصالته وإحياء المؤسسات الدينية وفقًا لهويتها الأصلية في المستقبل القريب لسوريا.







#سوريا
#الإدارة الجديدة
#الشيخ أسامة الرفاعي
#دمشق
#أحمد الشرع
#الإسلام
#الدين
#نظام البعث