فلسطين وأردوغان

08:1212/08/2025, الثلاثاء
تحديث: 12/08/2025, الثلاثاء
آيدن أونال

لقد بلغ الوضع في غزة حدًّا لا يُحتمل؛ السكين لم تبلغ العظم فحسب، بل حطّمته. إن أبشع مجازر الإبادة الجماعية في تاريخ البشرية تجري أمام أعيننا، ونحن عاجزون عن فعل أي شيء لإيقافها. وكل المظاهرات والاحتجاجات، وحملات المقاطعة، والإدانات، وحتى التهديد بالعقوبات لم تثنِ إسرائيل عن ممارساتها. بل إن وتيرة العنف تتصاعد يومًا بعد يوم، حتى إننا نشاهد مقاطع لكلاب شوارع هزيلة تكاد تموت جوعًا، فكيف يكون حال الناس والأطفال والرضع في بيئة تتضور فيها فيها كلاب الشوارع جوعا؟ في القرن الحادي والعشرين، وسط منطقة غارقة

لقد بلغ الوضع في غزة حدًّا لا يُحتمل؛ السكين لم تبلغ العظم فحسب، بل حطّمته. إن أبشع مجازر الإبادة الجماعية في تاريخ البشرية تجري أمام أعيننا، ونحن عاجزون عن فعل أي شيء لإيقافها. وكل المظاهرات والاحتجاجات، وحملات المقاطعة، والإدانات، وحتى التهديد بالعقوبات لم تثنِ إسرائيل عن ممارساتها. بل إن وتيرة العنف تتصاعد يومًا بعد يوم، حتى إننا نشاهد مقاطع لكلاب شوارع هزيلة تكاد تموت جوعًا، فكيف يكون حال الناس والأطفال والرضع في بيئة تتضور فيها فيها كلاب الشوارع جوعا؟ في القرن الحادي والعشرين، وسط منطقة غارقة بالترف والبذخ الفاحش، يموت 2.5 مليون إنسان جوعًا أمام أنظارنا.

ولا شك أننا لن نيأس من رحمة الله ولن نفقد الأمل طرفة عين، لكن مشاعر الغضب تشتعل في صدورنا. نكزّ على أسناننا ونقبض على أيدينا، وتغلبنا لحظات من ثورات الغضب تدفعنا لضرب رؤوسنا بالجدران. ثم ما نلبث أن نوجّه غضبنا إلى العالم الإسلامي يبلغ عدد سكانه قرابة ملياري مسلم، ولكن ماذا عساهم أن يفعلوا؟ ما الفرق بين مسلم في بنغلادش أو الهند أو إندونيسيا أو ماليزيا أو العراق أو مصر أو السودان وبيننا؟ الجميع في الوضع ذاته، محاصرون بالعجز، يتجرعون غضبًا ممزوجًا بالإحباط.

حينها يتحوّل غضبنا واستنكارنا نحو الحكومات. لماذا لا تحرّك ساكنا؟ لماذا لا تتجاوز بيانات الإدانات الخجولة؟ لماذا يجتمعون مرارًا ثم يتفرقون بلا نتيجة؟ لماذا لا يتخذون موقفًا جماعيًا حقيقيًا؟ لماذا لا يقطعون إمدادات النفط مثلا؟ ولماذا لا يطرحون حتى فكرة تشكيل جيش موحّد؟ ولماذا لا يصدرون بيانات أكثر حزماً وتأثيرًا؟

لا يستطيعون، ولن يستطيعوا. يجب أن ندرك أن هذا ليس تبريرا لهم بل هذه هي الحقيقة، لقد ذكرت سابقاً، وسأؤكد مجددا: بعد الحرب العالمية الأولى، جرى تصميم الجغرافيا الموروثة عن الدولة العثمانية وفق حسابات دقيقة. لقد استولوا أخيرًا على القدس التي حاربوا من أجلها ألف عام، وهذا مكسب لا يرغبون في التفريط به. إنهم لا يريدون انقطاع تدفق النفط إلى بلدانهم، ولا إغلاق طرق التجارة، ولا عودة المسلمين للتوحد تحت راية خليفة واحد بما قد يمكّنهم من استعادة نفوذهم حتى حدود الأندلس وفيينا. وللحفاظ على مخططاتهم، وضعوا إسرائيل هناك كقوة حارسة، وبهذا تخلصوا أيضًا من اليهود داخل بلدانهم. ولن يسمحوا بانهيار هذا المخطط الذي يعمل بدقة متناهية. ولهذا فإن أي موقف معادٍ لإسرائيل أو للغرب في هذه المنطقة، بل حتى مجرد الإشارة إلى نية اتخاذ موقف كهذا، يمكن أن يفضي إلى عواقب وخيمة. وكل قادة تلك الدول التي نوجه إليها غضبنا يدركون أنهم قد يفقدون مناصبهم بإشارة واحدة، ولهذا يعيشون في خوف وتوتر وحذر دائم.


ماذا عن تركيا وأردوغان؟ ألا يمكن فعل شيء لغزة؟ أما من خطوة أخرى يمكن الإقدام عليها؟

نحن نتفهم تمامًا الغضب، والإحباط، ورد الفعل الذي ينفجر من جرح اليأس وصرخة "كفى"، ولكن حان الوقت لمواجهة الحقيقة: إن هذا أقصى ما يمكن فعله، وهذا كل ما في اليد. نأمل أن يكون هناك ما يُنجز خلف الكواليس ولا نعلمه، لكن هذا كل ما يمكن فعله.

أما اتهام الرئيس أردوغان باللامبالاة أو التقاعس أو التقصير في فعل شيءٍ يمكن فعله في قضية فلسطين، فهو جحود ونكران للجميل وإجحاف في حقه.

أردوغان ليس معصومًا وليس بمنأى عن التساؤل أو النقد، لكن اتهامه بالتقصير في القضية الفلسطينية أشبه باتهام محارب جسده مليء بجراح السهام وضربات السيوف بأنه "لم يفعل شيئًا"، وهذا ظلم فادح وتجاوز غير مقبول.

تركيا اليوم هي الهدف المحوري في المخطط الغربي للمنطقة، بصفتها سليلة الدولة العثمانية، وكونها دولة ذات تقاليد راسخة، وخبرة تاريخية، ومجتمع ديناميكي. لقد وُضعت تحت المجهر دائمًا. وما عانته طوال قرن من الزمن من انقلابات عسكرية، واضطرابات اجتماعية، وإرهاب، وصراعات داخلية، واستقطاب، وأزمات اقتصادية، وضغوط وحظر، كان كله يُنفَّذ لحماية المخطط الغربي وضمان بقاء إسرائيل. وكما قال أردوغان، فإن انقلاب 27 مايو، و12 سبتمبر، و28 فبراير، كلها نُفذت لضمان أمن إسرائيل الإقليمي وتعزيز هيمنة الغرب في المنطقة.

بعد الحادثة الشهيرة في دافوس المعروفة بـ"ون مينت"، شهدنا جميعًا ما حلّ بالرئيس أردوغان من محاولات استهداف مكثفة: فقد حاول تنظيم "غولن" الإرهابي العميل لإسرائيل والولايات المتحدة اعتقال رئيس جهاز الاستخبارات الوطني الذي عينه أردوغان لتحييد تأثير الموساد. ثم حاولوا زعزعة الأمن وإثارة الشغب في الشوارع عبر أحداث "جيزي"، وبعدها شنوا محاولة انقلاب قضائي في 17-25 ديسمبر استهدفت نجله، وفي 15 يوليو نفذوا محاولة انقلاب دمويّة فاشلة.

لكن أردوغان نجا من كل ذلك بذكائه وحكمته وشجاعته، ورغم إصاباته بقي صامدا. لكنهم لم يتوقفوا ولن يتوقفوا؛ فتشكيل "الطاولة السداسية" ومحاولاتهم التلاعب بالسياسة عبر مليارات الليرات المنهوبة من بلدية إسطنبول، كانت امتداداً لنفس الهجمات، والمزيد قادم لا محالة.

فمن منا وقف بوجه إسرائيل والغرب بكل صدق وشجاعة كما فعل أردوغان، ومن وضحى بعائلته وحتى بنفسه وخاض هذا الكفاح دون هوادة؟

وتواصل تركيا بقيادة أردوغان هذا الكفاح، يخوضان المعركة بالحكمة، والحذر، والصبر.

نعم، لم يعد لدينا صبرٌ على مأساة غزة، ولا طاقةٌ للعقلانية والتروي، ولكن هذا ما يُميّز رجل الدولة عنّا. فبينما نعيش حالة من التوتر والقلق ونقول "فليحدث ما يحدث" يخوض رجل الدولة المعركة في الصفوف الأمامية مُحافظًا على رباطة جأشه. وبفضل ذلك، ترتفع مكانة تركيا كقوة في مواجهة إسرائيل، وتتقدم بدبلوماسية تزعزع مخططات الغرب

إننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن رياح التغيير قادمة، وأن صحوةً جديدةً ستتحقق، وأن نصر الله سيأتي في ساعته المُقدَّرة، وأن كل الخطط والمعادلات، وأن ثورة عظيمة ستتحقق. وبينما ننتظر ذلك اليوم الموعود، لا نملك سوى الصبر والدعاء، ولا نستطيع أن نُطفئ غضبنا إلا بدموع صامتة.

#فلسطين
#أردوغان
#غزة
#اليهود
#الاحتلال الإسرائيلي
#تركيا