
سواء سميتموها "القضية الكردية" أو "مسألة الإرهاب"، فقد بُذلت جهود عديدة لحلها على مر تاريخ الجمهورية، لكنها باءت بالفشل جميعاً. وقد اتُّخذت أكثر الخطوات جرأة وحزماً وصدقاً في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، ورغم الاقتراب الكبير من الحل، لم يتم التوصل إلى نتيجة نهائية.
ولكن بفضل الخطوات الشجاعة لدولت بهجلي، أصبحنا اليوم أقرب إلى الحل أكثر من أي وقت مضى.
إن الإيديولوجيات المتطرفة والمغالية والراديكالية أشبه بحلقة مغلقة، فكلما ابتعدت عن الأفكار المعارضة، اقتربت منها أكثر. وبينما تهرب كلتا الفكرتين من الأخرى بسرعة، تتقابلان في نقطة ما ظهراً لظهر.
في السنوات الأخيرة، بدأت التيارات القومية التركية المتطرفة، والعرقية، والعنصرية، التي انتشرت بشكل خاص بين المراهقين، تخدم عداءً صريحًا تجاه الأتراك وتركيا، وذلك بزعم تمجيدها بلعرق التركي والقومية التركية وتركيا. لا شك أن قادة هذا التيار يدركون ما يفعلونه، لكن الأتباع الجهلة في الأسفل لا يدركون أنهم يُوظفون في مشروع قذر. على سبيل المثال، لا يرون أن العداء ضد اللاجئين السوريين يخدم مصالح إيران ونظام الأسد؛ وأن العداء للطلاب الأجانب يخدم مصالح فرنسا؛ وأن "كراهية العرب" تصب في مصلحة إسرائيل؛ وأن العداء للأفارقة يضعف تركيا في القارة السمراء ويفتح المجال لدول أخرى، وفي مقدمتها الصين. وهم بعيدون كذلك عن الإدراك لدرجة أنهم لا يرون أن العداء الذي يظهرونه ضد الأكراد، متذرعين بالإرهاب ذريعة، يُلحق أكبر ضرر بتركيا.
لقد رسم دولت بهجلي حداً فاصلاً وواضحا مع هؤلاء الذين يتظاهرون بأنهم "قوميون أتراك" بينما هم في الحقيقة أعداء للأتراك؛ فهو يعيد تعريف القومية التركية. ويدرك أن الحفاظ على تركيا موحدة وآمنة يتطلب فهمًا شاملًا للقومية. ويرى أن وجود الأتراك في هذه المنطقة عبر التاريخ قد تحقق بالتعايش مع الأكراد والعرب، ويفسر التاريخ بدقة، ويسعى لبناء المستقبل على أساس هذه الحقيقة. وبخبرته الواسعة، يدرك أن العداء للأكراد والعرب لن يعزز القومية التركية، بل على العكس سيعزل الأتراك في هذه المنطقة. إنه يُفسد مخططات الأطراف المعادية لتركيا، وخاصة إسرائيل.
وبينما تهدد العنصرية التركية المتطرفة تركيا بشكل مباشر وتمنح الأعداء أملاً، فإن القومية التركية الشاملة التي أعاد بهجلي تعريفها ترفع من شأن الأتراك وتركيا.
إن التصريحات والخطوات التي اتخذها بهجلي خلال العام الماضي لحل المسألة الكردية أو أزمة الإرهاب تعكس قلقًا قومياً حقيقياً: فهو يُدرك أن احتضان الأكراد سيعزز من مكانة تركيا، بينما سيؤدي احتضان الانقسام إلى دفع تركيا نحو مسار بالغ الخطورة.
إذا كان الأمر سيساهم في حل المشكلة، فمن الصواب بالتأكيد الاستفادة من عبد الله أوجلان، المعتقل لدى تركيا، وإجراء محادثات معه، وفتح المجال أمامه. وقد حدث هذا سابقًا، ويتكرر اليوم. وبالنظر إلى التطورات التي جرت في العام الماضي، فإنه يتم تحقيق نتائج بالفعل.
وحتى الآن، كل شيء يسير على ما يرام؛ وقد ازدادت الآمال المتعلقة بالتوصل إلى الحل. لكن من الواضح تمام أنه ينبغي عدم التخلي عن الحذر. فالعملية التي تعطّلت مرات عديدة في الماضي قد تتعطل اليوم أيضًا. أما التردد الموجود في المجتمع تجاه هذه العملية الأخيرة، فهو في الواقع نابع من تلك التجارب السيئة السابقة.
في الحقيقة إن ذهاب لجنة تمثل البرلمان التركي إلى إمرالي، ولقاؤها زعيم التنظيم الإرهابي، لن يشكّل أي مشكلة إذا تم التوصل إلى نتيجة، ولكن ماذا لو لم يتم الوصول إلى نتيجة؟ ماذا لو تعطلت العملية أو تعثرت مجدداً في مرحلة ما؟
وماذا لو فعل تنظيم "بي كي كي" الإرهابي كما فعل سابقًا، وقال: "أوجلان أسير لدى الدولة التركية ولا يتحدث بإرادته الحرة"، ثم أعاد تأجير نفسه لدول أخرى، وأعاد حمل السلاح؟ أو ماذا لو شنت تركيا عملية ضد تنظيم إرهابي في شمال سوريا، فقال التنظميم الإرهابي: "سنعود إلى حمل السلاح"؟ ألا تمنح زيارة البرلمان لإمرالي ورقة بيد المعارضة؟ بل ألن يترك ذلك ندبة سيئة في تاريخ البرلمان التركي؟
في مثل هذا السيناريو السلبي، من الواضح أن مشاعر الشعب، الذي يتعامل مع العملية بحذر أصلاً، ستتحول إلى انهيار نفسي يتجاوز مجرد خيبة الأمل.
يجب أن تظل قنوات الاتصال مفتوحة مع أوجلان.و يمكن للبرلمان أن يستمع إلى أوجلان، لا مشكلة في ذلك. ولكن يجب تحديد شكل وأسلوب وطريقة ذلك بعناية، ويجب أخذ المخاطر بعين الاعتبار.
على سبيل المثال، يمكن لـ لجنة فحص السجون التي تأسست تحت مظلة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان التركي -والتي كنت عضواً فيها سابقاً- أن تذهب إلى إمرالي ضمن نطاق صلاحياتها الطبيعية والرسمية. . أو يمكن لأوجلان أن يتحدث إلى اللجنة عبر نظام "سيغبيس" (نظام الاتصال المرئي والصوتي)، من خلال بثّ مرئي يُعقد في إحدى قاعات مُجمّع سجن سنجان.
نعود ونؤكد: زيارة البرلمان لإمرالي ستكون “ذكرى طيبة” إن أفضت إلى نتيجة في مسار "تركيا خالية من الإرهاب". أما إذا لم تُتوصل إلى حل، فستضع هذه الزيارة حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية في موقف محرج للغاية، وستُلحق ضرراً بالغاً بهيبة البرلمان، وتصيب الشعب باليأس، وتغلق باب الحل إلى الأبد.
بالطبع، القرار يعود إلى البرلمان، ولكن هل يستحق الأمر هذه المخاطرة في ظل وجود طرق أخرى متاحة؟
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة