دارث فيدر.. الحروب اللامتناهية

07:0611/11/2025, Salı
تحديث: 24/11/2025, Pazartesi
عبدالله مراد أوغلو

توفّي ديك تشيني، مهندس غزو العراق عام 2003 وصاحب الإرث الدموي الذي أودى بحياة ملايين البشر، في 3 تشرين الثاني عن عمر يناهز 84 عامًا. وبالرغم من أن البيت الأبيض أنزل الأعلام إلى نصف السارية بموجب القوانين، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يعلّق بكلمة واحدة على وفاة تشيني. كما فضّل نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس – على غرار ترامب – التزام الصمت. وهناك من رأى أن تشيني كان "محظوظًا" لأنه لم يشهد فوز زهران ممداني، الذي ينحدر من عائلة مسلمة من أصول هندية-أوغندية، بمنصب رئيس بلدية نيويورك في قلب أمريكا

توفّي ديك تشيني، مهندس غزو العراق عام 2003 وصاحب الإرث الدموي الذي أودى بحياة ملايين البشر، في 3 تشرين الثاني عن عمر يناهز 84 عامًا. وبالرغم من أن البيت الأبيض أنزل الأعلام إلى نصف السارية بموجب القوانين، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يعلّق بكلمة واحدة على وفاة تشيني. كما فضّل نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس – على غرار ترامب – التزام الصمت.

وهناك من رأى أن تشيني كان "محظوظًا" لأنه لم يشهد فوز زهران ممداني، الذي ينحدر من عائلة مسلمة من أصول هندية-أوغندية، بمنصب رئيس بلدية نيويورك في قلب أمريكا يوم 4 تشرين الثاني. حتى إن البعض قال إن تشيني "ربما كان سيقلب في قبره" لو رأى ذلك.


كان المعزّون الحقيقيون بديك تشيني هم المحافظين الجدد والإسرائيليين. فقد أشادت مراكز الفكر التابعة لتيار المحافظين الجدد، وعلى رأسها "معهد المشاريع الأمريكية"، بالرجل على لسان مايكل روبين الذي قال: "أمريكا فقدت أحد أبطالها". أما وزارة الخارجية الإسرائيلية، فنعت تشيني بوصفه "صديقًا وفيًا لإسرائيل ومدافعًا حقيقيًا عن التحالف الأمريكي–الإسرائيلي".

في مجلس الشيوخ الأمريكي، سارع الجمهوريون الصقور، وعلى رأسهم ليندسي غراهام وتيد كروز وتوم كوتون، إلى الإشادة بتشيني، على عكس ترامب الذي التزم الصمت. وكانت تلك الإشادات وحدها كافية لإظهار حجم الشرخ العميق داخل الحزب الجمهوري.


كان تشيني التجسيد الحيّ لكل ما ارتبط بتيار المحافظين الجدد من شرور. فمنذ تولّيه منصب الأمين العام للبيت الأبيض عام 1975، مرورًا بعضوية الكونغرس ووزارة الدفاع، وصولًا إلى منصب نائب الرئيس، أنهى تشيني مسيرته كواحد من أكثر السياسيين مكروهين في الذاكرة الأمريكية. وكثيرًا ما شُبّه بشخصية "دارث فيدر" الشريرة في سلسلة أفلام "حرب النجوم"، التي تقول جملتها الشهيرة: "ما يحيط بي فقط هو الخوف والرجال الأموات". وهي جملة تنسجم تمامًا مع إرث تشيني. وقد اعتُبر خلال فترة جورج دبليو بوش نائب الرئيس الأقوى في تاريخ الولايات المتحدة، حتى إن البعض وصفه بـ"الرئيس المشارك".


وخلال حقبة "بوش الأب"، كان تشيني وزير الدفاع. وعندما نوقش خلال حرب الخليج الأولى موضوع دخول بغداد وإسقاط صدام حسين، قال تشيني: "إذا دخلنا بغداد سنعلق في مستنقع. كم يستحق صدام من أرواح الأمريكيين؟ قررنا أن الأمر لا يستحق، وأعتقد أننا كنا على حق".


أما شخصية دارث فيدر، فهي في الأصل "أنكين سكاي ووكر"، أحد فرسان الجيداي الذين قاتلوا في "حروب المستنسخين". لكنه انقلب إلى "الجانب المظلم" وتحول إلى دارث فيدر، قائلاً: "سكاي ووكر كان ضعيفًا. قضيتُ عليه". وبالمثل، فإن تشيني تحوّل بسرعة خلال عهد "بوش الابن" إلى شخصية دارث فيدر السياسية. بل إن تشيني قال يومًا: "معظمكم عرفني قبل أن يبدأ الناس بمناداتي دارث فيدر. سُئلت إن كان اللقب يزعجني، فأجبت: لا. في الواقع، هو من ألطف الألقاب التي وُصِفْتُ بها مؤخرًا".


ورغم صمت ترامب تجاه وفاته، يُعتبر تشيني المؤسس الحقيقي لـ"الحركة الترامبية". فترامب فاز بانتخابات 2016 بسبب وعده بإنهاء "الحروب اللانهائية" التي أطلقها تشيني ومن على شاكلته. وكان أحد شعارات حركة "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA) هو إنهاء تلك الحروب التي جرّت البلاد إلى الفوضى.


ابنة تشيني، ليز تشيني، كانت ثالث أهم قيادية جمهورية في مجلس النواب خلال الولاية الأولى لترامب. وبعد خلافها مع ترامب، فقدت موقعها القيادي ثم خسرت مقعدها النيابي. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل وقفت ليز ووالدها إلى جانب المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات 2024. وبالنسبة لترامب، فإن ديك تشيني هو "ملك الحروب اللانهائية"، الرجل الذي أهدر الأرواح والتريليونات بلا جدوى. أما تشيني فكان يرى في ترامب "أخطر شخص ظهر في تاريخ الجمهورية الأمريكية الممتد 246 عامًا". وهذا يكشف حجم الهوّة بينهما.


كان تشيني يعتقد بضرورة إظهار القوة الأمريكية بأقسى شكل ممكن، سواء وُجدت مبررات أم لا. فبالنسبة له، "النتائج" أهم من "الأسباب". ولذلك ينتقده بعض المحللين الأمريكيين بالقول إنه رغم اختلافه الخطابي عن ترامب، إلا أن ترامب كان مستعدًا – لو تُرك دون قيود – لأن يسير على خطى تشيني في كثير من الملفات. كما يوجد في الكونغرس وإدارة ترامب العديد ممن ينتظرون فرصة للتحول إلى نسخة جديدة من "تشيني – دارث فيدر". ويبقى مصير حركة MAGA مرتبطًا بالخيارات التي سيتخذها ترامب.

#الحروب اللانهائية
#– دارث فيدر
#– ديك تشيني
#غزو العراق
#ترامب