لقد اختتمت مقالي السابق بهذه العبارة "تُثار الكثير من الأحاديث حول قدرات إسرائيل التكنولوجية العالية، والطائرات الشبح، وطائرات F-35، لكن الرادارات التركية في تلك الليلة رصدت كل شيء بدقة، حتى أرقام ذيل الطائرات." وبعد نشر المقال أطلقت بعض الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي حملة منظمة، زاعمين أن "الرادارات لا يمكنها أن ترصد أرقام ذيل الطائرات"، مشككين في مهاراتي الصحفية.
بالطبع أعلم أن الرادارات لا تلتقط الصور. لكن تلك العبارة كانت تعبيرا مجازيا، يقصد منها في سياق المقال " أعرفه حق المعرفة". ومن أطلقوا تلك الحملة يدركون تمامًا الطابع المجازي للكلام، ولكن طبيعة العقرب أن يلدغ، وطبيعة "الذباب الإلكتروني" أن يُحرّف ويشوّه. وأجد هذا أمرًا طبيعيًا، لذا لن أُطيل الوقوف عنده. فلا أرغب في النزول إلى هذا المستنقع الرقمي وتلويث قلمي في وحله.
مؤشرات التدخل تزداد وضوحًا
لنعد إلى صلب الموضوع؛ الحرب بين إيران وإسرائيل.. سبق أن أكدت أن أنقرة تشعر بالقلق من احتمال توسّع رقعة الحرب لتشمل دولًا أخرى، وأن تتحول إلى ساحة صراع بين القوى العالمية، وتزداد عمقًا وتعقيدًا. ويبدو أن ما كان يُخشى حدوثه بدأ يتحقق. فالمؤشرات على تدخّل أمريكي مباشر في التوتر الإيراني-الإسرائيلي تزداد وضوحًا، وهو ما قد يُخرج الأزمة عن نطاق السيطرة. فهل ستقدم واشنطن فعلًا على مهاجمة إيران؟ وهل هناك جدول زمني محدد لذلك؟ سأشارك هنا ما توصلت إليه من معطيات، لكن لا بد أولًا من تحليل مقتضب للوضع الراهن.
لقد كانت إسرائيل تستعد لهذا الهجوم منذ سنوات. واستغلت أحداث السابع من أكتوبر لتحوّلها إلى فرصة تنفذ بها مخططاتها. فمنذ أشهر، استهدفت إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، بما فيها منظومات S-300، وخلال الهجمات التي اندلعت يوم الجمعة وتحوّلت إلى حرب، تمكّنت إسرائيل من إحكام السيطرة على المجال الجوي الإيراني. ورغم أن إيران ردّت في الأيام الأولى بسلسلة من الهجمات الصاروخية ضد أهداف إسرائيلية، فإن حدة هذه الهجمات آخذة في التراجع لسببين، أولًا: تناقص مخزون الصواريخ الإيراني. ثانيًا: قدرة الطائرات الإسرائيلية على تحديد بطاريات الصواريخ وتدميرها.
زلة لسان تكشف النوايا.. مخطط لتقسيم إيران
وفي هذا السياق، أود أن أُسلط الضوء على ثلاث ملاحظات مهمة:
أولاً: الأمور ليست مشرقة كثيرًا لإسرائيل أيضًا. فقد شهدنا أمس إطلاق إيران حوالي عشرين صاروخًا تجاه إسرائيل،وقد تكون هذه الضربة هي الأقسى التي تتلقاها إسرائيل حتى الآن. فقد تحولت شوارع تل أبيب إلى ساحة حرب حقيقية. لماذا؟ ذكر تقرير لصحيفة وول ستريت جاء فيه: "صواريخ آرو الإسرائيلية على وشك النفاد." وهذا يعني أن قدرة إسرائيل على مواصلة هذه الحرب في تراجع مستمر.
ثانيًا: بدأت إسرائيل هجماتها بهدف القضاء على القدرات النووية الإيرانية؛ وهو هدف قصير الأمد. أما الأهداف الأبعد فتتمثل في تغيير النظام، وتقسيم إيران، ومنح "ضمانات أمنية" للأقليات السنية والكردية والبلوشية. ولست أنا من يقول ذلك، بل جاء في افتتاحية صحيفة ذا جيروزاليم بوست (انظر: "ترامب يجب أن يساعد إسرائيل في إتمام مهمة تفكيك نظام خامنئي" – افتتاحية، 18 يونيو). ولا يمكن القضاء على القدرات النووية الإيرانية من خلال العمليات الجوية فقط. وتفتقر إسرائيل إلى القدرة على ضرب المنشآت تحت الأرض. لذلك، لا بد من إجبار إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات، أو استهداف منشآت مثل منشأة فردو، الواقعة على عمق 80 إلى 90 مترًا تحت الأرض. وهنا، تحتاج إسرائيل إلى دعم الولايات المتحدة.
ثالثًا: كلما طال أمد الحرب، زادت مخاطر تدخل دول أخرى. ففي بداية العام، أقر البرلمان الإيراني اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، الذي تم توقيعه مع موسكو قبيل بدء الهجمات الإسرائيلية. وفي لقاء صحفي لفلاديمير بوتين مع وكالة الأناضول، أجاب على سؤال المدير العام للوكالة، سردار كاراغوز، بأن الاتفاق لا يشمل المجال الدفاعي، لكنه أشار إلى وجود خبراء روس يعملون في منشأة بوشهر النووية، قائلاً: "يعمل هناك 250 شخصًا، وقد يرتفع العدد إلى 600، ولن نغادر المكان." وهذه إشارة تحذيرية واضحة. أما الصين، فلا تزال متحفظة في موقفها حتى الآن، لكن إطالة أمد الحرب قد يدفعها إلى تعديل هذا الموقف، وهو ما يشكل خطرًا على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
العبرة بتحركات السفن والطائرات لا بكلام ترامب
بسبب هذه التطورات الثلاث، تسعى إسرائيل إلى جرّ الولايات المتحدة للمشاركة في الحرب. وقد انضم ترامب إلى قارب نتنياهو (للمزيد من التفاصيل راجع: هل أحكم نتنياهو قبضته على ترامب؟ 13 يونيو). كان ترامب جزءًا من منظومة الدفاع الإسرائيلية بالفعل، والآن يستعد لأن يكون جزءًا من الهجوم. ولكن كالعادة، تصدر عنه تصريحات متناقضة. ففي البداية قال: "يجب إخلاء الجميع من طهران" (17 يونيو)، وطالب بـ"استسلام غير مشروط" (18 يونيو). ثم تراجع وقال: "لم أتخذ القرار النهائي بعد"، متجنبًا الحسم في تصريح مبهم: "قد يحدث وقد لا يحدث" (18 يونيو).
لذا لا يجب أن نولي اهتمامًا لكلام ترامب، بل نركز على تحركات الجيش الأمريكي. فالجيش الأمريكي يحشد قواته، حيث تتجه حاملات الطائرات إلى المنطقة، وتتمركز القاذفات الثقيلة في قواعدها. يبدو أن الهجوم بات وشيكًا. وهذا واضح للجميع.
سيناريو كارثي محتمل
استنادًا إلى قراءاتي من المصادر العامة، أتوقع أن تدخل الولايات المتحدة في الصراع قد يحدث نهاية الأسبوع. ونأمل ألا يحدث ذلك، لأن هذه الخطوة تعني مايلي: أولًا، إلغاء أي فرص للتفاوض مع إيران، فبدون منشآت نووية، لن يبقى شيء يتفاوضون عليه. ثانيًا: ستشجع إسرائيل على شن هجمات جديدة في سعيها لتقسيم إيران. ثالثًا: ستدرك إيران أن مرحلة "تغيير النظام" قد بدأت، مما قد يدفعها لتفعيل جهات مؤيدة لم تدخل في النزاع بعد، الأمر الذي يزيد من خطر اتساع دائرة الصراع في المنطقة. رابعًا: ستؤجل الولايات المتحدة خطتها المهمة التي تركز على "الصين". أما ما قد يحدث من تطورات أخرى، فسنعرفها حين تحدث.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة