الروس لم يقدّموا مذكرة بل إنذارا

11:1110/06/2025, الثلاثاء
تحديث: 30/06/2025, الإثنين
يحيى بستان

لا أحد يملك عصا سحرية. هذه هي أول حرب تقليدية كبرى في النظام العالمي الجديد. قُتل أكثر من مليون إنسان حتى الآن. إن تحقيق وقف إطلاق النار، ووضع شروط للسلام، وتوثيق ذلك بالتوقيع يتطلب كفاحًا شاقًا وصبرًا طويلًا. الفجوة واسعة جدًا بين مطالب الأطراف. هذا التباعد لن يُردم من دون حوار. ما تحاول الدبلوماسية التركية فعله في إسطنبول هو بالضبط هذا: جعل الأطراف تتحاور لتُتاح فرصة للسلام. وهناك مراحل لا بد من تجاوزها في هذا الطريق. المفاوضات التي عُقدت في إسطنبول في 16 مايو و2 يونيو كانت جزءًا من هذا المسار.

لا أحد يملك عصا سحرية. هذه هي أول حرب تقليدية كبرى في النظام العالمي الجديد. قُتل أكثر من مليون إنسان حتى الآن. إن تحقيق وقف إطلاق النار، ووضع شروط للسلام، وتوثيق ذلك بالتوقيع يتطلب كفاحًا شاقًا وصبرًا طويلًا. الفجوة واسعة جدًا بين مطالب الأطراف. هذا التباعد لن يُردم من دون حوار. ما تحاول الدبلوماسية التركية فعله في إسطنبول هو بالضبط هذا: جعل الأطراف تتحاور لتُتاح فرصة للسلام.

وهناك مراحل لا بد من تجاوزها في هذا الطريق. المفاوضات التي عُقدت في إسطنبول في 16 مايو و2 يونيو كانت جزءًا من هذا المسار. لكنها في الوقت نفسه كشفت مدى تعقيد الطريق. كنا قد نقلنا بعض المعلومات عن النقاشات التي شهدتها الجولة الأولى. واليوم تظهر انعكاسات جديدة تتعلق بالجولة الثانية من المفاوضات. لنستعرض بعضها…


رصد وتحليل ومعلومات:

  • رصد في 2 يونيو تبيّن أن عجلة الدراجة تدور. ويجب أن تدور، وإلا ستسقط.
  • رصد رغم الهجمات بالطائرات المسيّرة التي ألحقت أضرارًا كبيرة بالقوة الجوية الروسية في 1 يونيو… فقد جرت الجولة الثانية من الاجتماعات بشكل أكثر تحضرًا وتركيزًا على النتائج مقارنة بالأولى (الصحفيون الروس والأوكرانيون الذين قدموا إلى إسطنبول لم يظهروا الود نفسه لبعضهم بعضًا).
  • ملاحظة هل طُرحت الهجمات بالطائرات المسيّرة الكبيرة التي وقعت في 1 يونيو على طاولة المفاوضات؟ الطرف الروسي أشار إليها باختصار من دون أن يذكرها صراحة: «مثل هذه الحوادث تباعد بيننا، على الطرفين أن يتحليا بالحذر». لماذا لم يأتِ ذكرٌ مباشر لتلك الهجمات؟ التفسير: كانت ضربة من الحجم الذي لا يرغبون في مناقشته في المفاوضات.
  • تحليل.. النتائج التي خرجت بها الجولتان حتى الآن تتعلق أساسًا بملفات إنسانية (مثل تبادل الأسرى بعدد ألف لكل طرف، تبادل الجرحى، إعادة رفات الجنود). السؤال: هل الهدف هو وقف إطلاق النار أم أنها مفاوضات تُناقش فيها إجراءات بناء الثقة؟ يجب ألا ينحرف المسار.
  • معلوم… وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالين بذلا جهدًا كبيرًا لتقريب وجهات النظر وسد الفجوة بين الأطراف.

كييف لا تملك حتى ثمن استلام الجثامين:

كان هناك موضوعان تم الاتفاق عليهما في مفاوضات قصر تشِراغان: أولهما إجراء تبادل للأسرى يصل عددهم إلى 1200 أسير، وهذا يشمل الأسرى الجرحى والمرضى وأولئك الذين تقل أعمارهم عن 24 عامًا. وثانيهما إعادة جثامين الجنود الأوكرانيين الذين قُتلوا إلى كييف. الروس يقولون إن بحوزتهم جثامين ستة آلاف جندي أوكراني.

كان من المتوقع أن يتم التسليم في عطلة نهاية الأسبوع، ويقول الروس إنهم أحضروا الجثامين إلى نقاط التسليم، لكن كييف لم تستلمها. لماذا؟ لأن كييف عند استلام الجثامين تصبح ملزمة بدفع تعويض قدره 370 ألف دولار لكل أسرة، ومع العدد الكبير الذي يصل إلى ستة آلاف، تبلغ القيمة الإجمالية نحو 2.2 مليار دولار، وهو مبلغ لا تستطيع أوكرانيا تحمله في الظروف الحالية. لذا يبحثون عن حلٍّ لهذا الوضع.


خطف الأطفال ليس من طرف واحد:

كنا قد أشرنا من قبل إلى أن أوكرانيا تتهم روسيا بخطف الأطفال وتغيير هوياتهم. المنظمات الدولية تشير إلى أن عدد الأطفال المفقودين يبلغ نحو 20 ألف طفل. ومما علمته أن الروس أيضًا يتهمون أوكرانيا بخطف أطفال روس. لكن الأطراف لا تقرّ بهذا الأمر في المفاوضات ولا يريدون تحمل مسؤولية مثل هذا الاتهام. يقولون: «لم نخطفهم، بل أخرجناهم من مناطق النزاع». لذلك لا يرون أن هؤلاء الأطفال أسرى ليتم تبادلهم، لكن إذا تم التوصل إلى تبادل واسع النطاق، فمن الممكن إدراج هؤلاء الأطفال ضمن قائمة شاملة.


كييف مرنة وموسكو ثابتة:

نصل هنا إلى موضوع المذكرات… كان أحد التفاهمات في الجولة الأولى أن يقدم كل طرف شروطه لوقف إطلاق النار مكتوبة للطرف الآخر. وقد كشفت أوكرانيا عن جزء كبير من هذه الشروط قبل وصولها إلى قصر تشِراغان. بالمقارنة مع الجولة الأولى، يظهر أن كييف أبدت مرونة في نقطة ما، إذ قبلت أن تُجرى المفاوضات على الأراضي استنادًا إلى خطوط الجبهة الحالية.

أما الروس فقد قدموا شروطهم مكتوبة في يوم المفاوضات، ويُقال إن موقفهم بقي على حاله دون تغيير. فقد تضمنت الشروط المكتوبة استمرار النهج الحاد نفسه الذي كان في الجولة الأولى، مثل الاعتراف بالأراضي التي يسيطرون عليها كأراضٍ روسية (بحكم القانون) وليس فقط (أمر واقع)، وانسحاب القوات الأوكرانية من مناطق في خمس مناطق مذكورة لم تُحكِم موسكو سيطرتها الكاملة عليها بعد، وتجريد أوكرانيا من الأسلحة إلى حدٍّ كبير، وبقاء كييف على الحياد، وعدم تمركز أي قوات عسكرية أجنبية على أراضيها… لذلك يُقال إن هذا لم يكن مذكرة تفاهم بل كان بمثابة إنذار.


من سيُنهي هذه الحرب؟ بوتين!

وفقًا لما استخلصته من الأجواء… قد تُعقد جولة ثالثة من المفاوضات، وغالبًا ستُعقد في إسطنبول أيضًا، وتُجرى التحضيرات بناءً على ذلك. كييف ترى ضرورة عقد لقاء جديد بنهاية يونيو، لكنها تشدد على أمر مهم: «الفجوة كبيرة جدًا، ولردمها يجب أن يلتقي القادة».

وهم محقون إلى حد بعيد. الرئيس أردوغان يرى الأمر بالطريقة نفسها، وقال بوضوح: «أتمنى جمع بوتين وزيلينسكي (وحتى ترامب) في إسطنبول أو أنقرة». لكن هل سيشارك بوتين في المفاوضات؟

بوتين يفكر هكذا: «السلام سيكون عندما أريد أنا. ليس الآن». لماذا؟ أولًا، لأنه رغم الأضرار التي لحقت به من عمليات التخريب بالطائرات المسيّرة، لا يزال يده قوية ميدانيًا. وهو يرى أن طاولة المفاوضات ليست طريقًا للسلام بل رافعة لتعزيز موقفه على الأرض. ثانيًا، الحرب مُنهِكة لكنها قابلة للاستمرار ماليًا وبشريًا. ثالثًا، الغرب مكبّل الأيدي، والعقوبات لا تكسر ظهر روسيا.

رابعًا، التحالف الغربي القديم لم يعد موجودًا. بوتين يستطيع إبقاء ترامب خارج معسكر الخصوم. فترامب، رغم تشدده الظاهري، لا يزال يلتقي بوتين (آخر لقاء كان في 4 يونيو). وهو يقول للأوروبيين: «هذه ليست حربتي». والولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالاجتماعات التي تُنظم فيها مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

والأهم من ذلك… الصحافة الأمريكية تقول إن أمريكا أعطت إشارات بأنها ستسحب قواتها من أوروبا أيضًا. بكلمات أخرى، إذا كانت أمريكا تستهدف خفض عدد قواعدها في سوريا من 9 إلى قاعدة واحدة، فلا يُستبعد أن تُعلن قريبًا قرارًا مشابهًا بالنسبة لأوروبا أيضًا. في مثل هذا الظرف الجيوسياسي تتعاظم أهمية تركيا. نحن ندرك ذلك، لكن هل يدركه الأوروبيون أيضًا؟

#الحرب الروسية-الأوكرانية
#بوتين
#زيلينسكي
#روسيا
#أوكرانيا