
أسطول الصمود بلغ هدفه في رحلة تخطف الأنفاس: انشق الحصار في الأذهان، وانطلقت سفن جديدة في الطريق…
يبدو أنه حين تُضفى صفة دولية وبُعد عالمي على القضية، تُهدم جميع الجدران… تحوّل أسطول الصمود إلى انتفاضة عالمية، وأثبت للعالم أن ما تعجز الدول عن فعله يمكن أن تنجزه الشعوب المدنية.
قد تستعبد الدول الشعوب، لكن لا يمكن تقييد عقول كل فرد في هذه الشعوب؛ شعوب العالم، والإنسانية، لا يمكن استعبادها.
أشارك معكم اليوم الجزء الثاني من قراءة رائعة لأسطول الصمود من قِبل أخينا من أذربيجان، فوجار عزيزوف. وسأشارك الجزء الأخير غدًا…
قبل عامين، كتبت في مقالتي بتاريخ 7 أكتوبر أن غزة أصبحت نقطة ميلاد جديدة. وقد تحقق ذلك بالفعل. هناك ما قبل غزة، وما بعد غزة. بعد غزة سيُعاد كتابة التاريخ. وفي هذا المقال تكمن إشارات وشيفرات ذلك…
في نهاية المقال الأول قلنا: «صرخة غزة ستفضي إلى ولادة “نحن”». أي “نحن”؟ وكيف سيحدث ذلك؟ هذا هو السؤال الأساسي. فهذه اللحظة تمثل فرصة وفي الوقت ذاته اختبارًا صعبًا. نعم، إنه زمن مليء بالخداع والفِتن. إنه عصر، إذا لم نكن واعين له، قد نجد أنفسنا نظن أننا ولدنا “نحن” بينما نكون أسرى مفاهيم أخرى.
ذروة الحداثة، بطبيعتها، مُهيأة للانفجار. الصلابة والضغط والتوحيد الفكري القسري تُجهد الروح؛ كل شعور فطري، كل رد فعل إنساني، مستعد للانفجار داخل هذا الضغط. كما يقول رينيه غينون، صلابة الحداثة تمهّد الأرضية للانفجارات الروحية؛ والانكسار أمر محتوم.
لقد لاحظ العقل الإنجليزي هذا الانكسار المبكر في الحداثة. في البداية تحرك مع العقل اليهودي، لكن مع ظهور الانكسار في ذروة الحداثة، انفصل العقل الإنجليزي. هنا لا أتحدث عن السياسة بقدر ما أشرح التحول المفاهيمي الكامن وراء ذلك. فالانقسام داخل الكفر ظهر هنا؛ والانقسام بين القوى الكافرة أصبح، كسنة إلهية، آلية قائمة. فقد أبلغنا القرآن أن هذا الانقسام والصراع سيستمران. ولماذا؟ لأن هذا الصراع يمثل فرصة ونعمة إلهية لنا نحن المسلمين… كيف ذلك؟
أدرك العقل الإنجليزي الانكسار داخل الحداثة واختار توجيهه، بينما بقي العقل اليهودي على مساره، لكن من الآن فصاعدًا أصبح العقل الإنجليزي هو المتحكم في الانقسامات والانفجارات. هذا الانقسام يمثل نهاية الحداثة وبروز إسرائيل كذروة ناضجة، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى صراع بين الأطراف.
غزة رمز لانكسار الحداثة، وانقسام الكفر، وقيام الروح. العالم تحت ضغط الحداثة واجه الصرخة التي انطلقت من غزة؛ هذه الصرخة تدل على أن الروح الفطرية على وشك الانفجار. في عالم متصلب، يتردّد صدى الرحمة الحقيقية وصوت الحقيقة في غزة. القوى التي تريد أن يتردد هذا الصوت في أوروبا تأتي نتيجة الصراع نفسه، لأنها تمثل إعلانًا عن انهيار العالم الغربي بأيديهم، مع توجيه الإنسانية نحو إسرائيل لتأسيس عالم مفاهيمي جديد. بمعنى آخر، إنهم يوقظون الرحمة في الناس بأيديهم. إنها نعمة من الله بيد الكافر، ولكن للمدركين فقط…
هذا الصوت في غزة هو دعوة لنا ولولادة “نحن” الحقيقي.
التاريخ يظهر أن الصراعات الداخلية للكفر خلقت لنا فرصًا إلهية. صراع بيزنطة والساسانيين أتاح أبوابًا للخلافة الإسلامية. العثمانيون استغلوا صراع الكاثوليك والأرثوذكس لفتح البلقان واسطنبول. الانقسام بين الكاثوليك والبروتستانت عزز تأثير العثمانيين في أوروبا. في كل مرة، أصبح الصراع الداخلي للكفر فرصة إلهية كسنة من سنن الله. واليوم، الانكسار في الحداثة وإدراك العقل الإنجليزي له يمثل لنا فرصة مماثلة، لأنهم هم من يدمرون عالمهم الذي بنوه.
نداء غزة يسلط الضوء على ولادة “نحن” الحقيقي. أسطول الصمود المدني المتجه نحو غزة هو تجسيد رمزي لهذا النداء. السفن تمضي طريقها إن أمسكنا بالماء تحت أقدامنا؛ وإلا غرقت إذا انغمست فيه. إذا استسلمنا لإغراءات السرعة واللذة والمادية الرأسمالية، يتسلل العالم إلى داخلنا ويخنقنا. غزة هي ميناء الخلود؛ والمهم أن نتمكن من الانطلاق دون أن نتشابك في شباك العصر. الصمود هو رمز التحرر من شباك العصر، والعودة إلى جذورنا، وولادة “نحن” الحقيقي.
الحداثة قد انتهت. إسرائيل، كذروة ناضجة للحداثة، استنفدت عمرها.
ما بعد الحداثة هو الانفجار المفاهيمي الناتج عن هذا الانكسار. هذا هو المكان الذي قد تقع فيه الإنسانية في الفخ. قد تبدو ما بعد الحداثة فرصة، لكنها أرض بلا جذور. والخطأ هو محاولة بناء عالم على هذا الخواء.
لأن ما بعد الحداثة تتحرك على أساس الأرضية الفكرية للحداثة؛ إنها ليست إبداعًا أصيلًا. الانكسار قد يتحول إلى انفجارات روحية زائفة. لكن هنا يوجد توجيه، رؤية محددة لهذا الانفجار.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة