مبدأ MTO لتصور الحضارة والعبقرية.. فهم جذور روح الحضارة العثمانية

كنت قد كتبت سابقا: "في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلينا بشدة، نحن ننتحر". وخلاصتنا من الانتحار تكمن في فكرة حضارة تُخرجنا نحن والعالم من أزمة المعنى التي نعيشها، وفي تنشئة عباقرة رواد قادرين على تحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع. إذا استطعنا تربية عباقرة قادرين على إنجاز عمل جيل كامل بمفردهم، مثل الغزالي، أو سنان، أو الشيخ غالب، سنتمكن من الخلاص من الانتحار والمضي قدمًا في رحلة تأسيس حضارة جديدة.

أخونا في أذربيجان، ممثل MTO، فيقار عزيزوف، يناقش هذه المسألة في إطار روح الدولة العثمانية.

مبدأ مدرسة "تصور الحضارة" في إطار العبقرية والحضارة (MTO-DEHA-MED)

لا يمكن تأسيس حضارة على أسس علمية فقط، بل تحتاج إلى بنية تحتية. يمكننا رؤية هذا المفهوم عند استعراض دهاليز التاريخ. فالتاريخ ليس مجرد تسلسل زمني، بل هو استخراج القاعدة العامة من مجرى الأحداث وإدخالها ضمن سياق الزمن المستمر، حينها سيبرز تصور المستقبل. ولتحقيق ذلك، يجب على الباحث الفكري التركيز على قضيتين أساسيتين:

التعرف على العصر الذي يعيش فيه، ومعرفة موقع هذا العصر ضمن السياق التاريخي العام.

تقييم القاعدة العامة المستخلصة من التاريخ بشكل صحيح وفق الزمن الحالي.

عند تتبع التاريخ، لن نتمكن أبدًا من رؤية مؤسسي الحضارات مباشرة. فهم يشبهون الرياح المسبقة، التي تنضج الغيوم وتوقفها في أماكن سقوط المطر. كل شخص يعرف الغيوم ويرى أثرها، لكن لا أحد يتحدث عن الرياح. التاريخ بُني على أكتاف هذه الرياح غير المرئية، وهي اللبنات الأساسية للحضارة، ومهندسو الفكر.

وبالتالي، فإن اللبنات الأساسية للحضارة هي العباقرة.

من هو العبقري؟

العبقري هو القوة التي تتجاوز الذكاء الفردي والإبداع، لتخدم التحول المجتمعي. ويعمل مفهوم الحضارة كدليل ومرشد للعبقري. فالعبقري بدون تصور حضاري يشبه التيار الذي لا يعرف الاتجاه الذي سيتجه نحوه في النهر. لذلك، لا يكتسب العبقري معنى إلا عندما يتحد مع تصور حضاري، ليصبح له رؤية تخدم الإنسانية.

ماذا يفعل العبقري؟

يفكر خارج القوالب التقليدية ويطور أفكارًا وأساليب وحلولًا جديدة. لا يقتصر دوره على حل مشكلات اليوم فقط، بل يتطلع للمستقبل ويضع رؤى بعيدة المدى. يساهم في ولادة الحضارات وارتقائها، وإذا اجتمعت حكمته مع جهده، يترك إرثًا ينفع الإنسان والمجتمع.

بدأنا عنواننا بـ "مدرسة تصور الحضارة". هذه المدرسة تسعى إلى إعادة اكتشاف رموز الحضارة المفقودة في روح الزمن، وإحيائها، والانطلاق منها لبناء المستقبل، تحت إشراف الأستاذ يوسف قابلان، الذي يصف المدرسة بأنها "النظام الرقمي للنظامية" (Digital Nizamiye). وهذا يتطلب التفكير الدقيق.

يشير الأستاذ يوسف قابلان إلى أن الحضارة الإسلامية واجهت أزمتين؛ الأولى تجاوزت، والثانية نعيشها الآن. ومن خلال فهم الأزمة الأولى، يمكننا أن نترك ملاحظات للمستقبل. بمعنى آخر، كما يقول هو، العودة إلى الجذور لتجاوز الأزمة الحالية ورفع الحضارة مجددًا كالشجرة العظيمة. وبذور هذه الأزمة الأولى ترتبط بالإمام الغزالي.

إذا فهمنا مفهوم العبقرية، يجب أن نلقي نظرة على الشخصيات التي لعبت دورًا في تجاوز الأزمة الحضارية الأولى.

لننظر إليها في إطار MTO، وفق خط الأستاذ يوسف قابلان: "العلم - المعرفة العميقة - الحكمة".

تم تجاوز الأزمة الحضارية الأولى من خلال ترجمة هذه المفاهيم الثلاثة إلى الواقع. وإذا عدنا إلى الجذور، كيف يمكننا تطبيق هذه المفاهيم على الأشخاص؟

العلم: الإمام الغزالي

المعرفة العميقة: محيي الدين بن عربي

الحكمة: جلال الدين الرومي (المولانا)

وبالتالي، يمثل هؤلاء الثلاثة دعائم متكاملة للنظام الفكري:

الغزالي قاد بناء المعرفة والعلم، وضمن انسجام العقل والقلب في العالم الإسلامي. (البُعد الخارجي)

ابن عربي، أحد أكبر ممثلي المعرفة العميقة، عمق حدود المعرفة الروحية. (البُعد الداخلي)

المولانا جسد الحكمة، أي انعكاس العلم والمعرفة العميقة على الحياة العملية.

بعبارة أبسط:

الغزالي وضع الأساس بالعلم.

ابن عربي أضفى العمق على هذا الأساس بالمعرفة العميقة.

المولانا نقل هذا العمق إلى التطبيق العملي بالحكمة.

ومن منظور التشبيه بالشجرة:

الغزالي هو جذر الشجرة.

ابن عربي هو جذع الشجرة، الجسر الذي يربط الجذور بالفروع.

المولانا هو الفروع والأوراق والزهور والثمار.

نعلم أن الخلافة انتقلت من العرب إلى الأتراك، وأن الحضارة الإسلامية الثانية بلغت نضجها في الدولة العثمانية، وقد أسس هذا النضج أساسه الثلاثة العظماء: الغزالي، ابن عربي، والمولانا. لفهم الدولة العثمانية وتجاوز الأزمة الحضارية الأولى، يجب دراسة هؤلاء الثلاثة تحت ثلاثة عناوين رئيسية:

"مدرسة النظامية" والثلاثة العباقرة

تصور الحضارة لدى الثلاثة العباقرة

آثار الثلاثة العباقرة على المؤسسات العثمانية