
الطبيب خالد رشدي المتخصص في جراحة العظام والمفاصل : - حالات كثيرة بُترت أطرافها خلال الإبادة وتتطلب كثيرا من الاهتمام الطبي وحالات أصيبت في كل مكان بالرأس واليدين والرجلين - غزة تعاني نقصا كبيرا في الإمكانات والأدوات الطبية والكوادر والموجود منهم في حالة تعب شديد بعد عملهم ليلا ونهارا - الذهاب إلى غزة واجب ديني وإنساني ولدي رغبة في العودة إلى القطاع في أقرب فرصة ممكنة
أكثر من مرة لم يتمالك الطبيب المغربي خالد رشدي، المتخصص في جراحة العظام والمفاصل، دموعه وهو يحكي ما عاينه في قطاع غزة خلال شهر.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير التهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، 54 ألفا و510 قتلى و124 ألفا و901 مصاب، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.
وفي مقابلة مع الأناضول، قال رشدي العائد من غزة إن فكرة الذهاب إلى القطاع راودته منذ اندلاع الإبادة الإسرائيلية، "خاصة أنني كبرت في عائلة كان همها قضايا الأمة".
وأضاف أنه باشر البحث عن كيفية الوصول إلى غزة، خاصة أنه "واجب ديني وإنساني"، مضيفا: "الحمد لله تيسرت الأمور وتمكنت من ذلك".
ولا يخفي أنه راوده تخوف في البداية، ولكن تجربته السابقة في زيارة غزة عام 2008 بددت هذا التخوف، خاصة أنه "سأُحاسَب عليه (القرار) يوم القيامة".
وتابع أن أسرته "تقبلت الأمر رغم ما يكتنفه من مخاطر، بعد اقتناعها بالدوافع والأسباب.. والقرار يبقى شخصيا لأني سأحاسب عليه".
وبعدما وصل إلى غزة، ضمن وفد أشرفت عليه جمعية إغاثة أطفال فلسطين (أهلية أمريكية)، وصف الأمر بـ"الشعور الذي لا يوصف".
وقبل قضائه هذا الشهر بغزة، سافر رشدي إلى الأردن قبيل رمضان الماضي، في محاولة لدخول القطاع، لكن المنظمة التي تكفلت بذلك ألغت الأمر بسبب تصاعد القصف الإسرائيلي، ما دفعه للعودة إلى المغرب.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.
** عمل تحت القصف
وعن عمله طوال شهر في غزة، قال رشدي إنه توزع بين مستشفى ناصر في خان يونس جنوبي القطاع، ومستشفى الشفاء بمدينة غزة.
وتابع: "وصلت إلى غزة في 8 أبريل/ نيسان الماضي، وعملت بمستشفى ناصر، ثم طلبوا منا التوجه إلى مستشفى المعمداني".
واستدرك: "إلا أن مرافق الوفد أخبرنا بتأجيل الزيارة بسبب استهدافه (المستشفى) قبل التوجه إليه، ثم انتقلنا إلى مستشفى الشفاء ومكثنا فيه عدة أيام، ثم عدنا إلى ناصر".
رشدي أوضح أن الوفد الطبي كان يعمل في إطار الجمعية الأمريكية، مضيفا أن "كل شيء في غزة مستهدف بما فيها المستشفيات".
ومنذ بدء الإبادة، دمرت إسرائيل عبر قصف متعمد معظم المستشفيات والمراكز الطبية في غزة، فضلا عن استهداف الكوادر الطبية ومنع إدخال الأدوية والمستلزمات الصحية إلى القطاع، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع.
وتابع: "الخطر يتهدد كل مَن يتحرك بغزة، وكنا نتوقع أي شيء في أي وقت، وفي هذه الفترة تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، وكنا مستعدين لها".
وأردف الطبيب المغربي أن "القصف الإسرائيلي بقي مستمرا دون انقطاع، ونسمعه دائما عن قرب في كل مناطق غزة".
واستطرد: "دوي الانفجارات كل ساعة أو ساعتين، بالإضافة إلى المسيّرات التي لا تغادر سماء غزة، حيث نسمع أصواتها المزعجة، لذلك يطلق عليها الفلسطينيون الزنانة".
رشدي وصف وضع المستشفيات في غزة بـ"الصعب"، مضيفا أن حالة مستشفى الشفاء "كارثية إلى أبعد الحدود، بسبب الدمار الذي طاله عقب استهدافه".
وأضاف: "رغم إصلاح الفلسطينيين جزءا من مستشفى ناصر، حيث وفروا غرفتين للعمليات، إلا أن ذلك غير كاف".
"فضلا عن النقص الحاد في وسائل العمل، ورغم ذلك عملنا بما هو متوفر، في ظل العمل الكثير جدا بسبب كثرة الإصابات، إلا أن الظروف تبقى مأساوية بالقطاع"، حسب تأكيد رشدي.
** كوادر متعبة
أكد الطبيب المغربي وجود نقص حاد في الكوادر الطبية بغزة، فضلا عن التعب الشديد الذي تشعر به الكوادر الموجودة بعد عملهم ليلا ونهارا، سواء الأطباء أو الممرضون أو الإداريون، أو باقي العاملين في القطاع الصحي.
وتابع: "الكوادر يعملون وبالهم مشغول بأسرهم في الخيام، وتدور في بالهم أسئلة كثيرة: هل تم قصفهم أم لا؟ هل حصلوا على طعام وماء؟".
وبشأن الجرحى، قال رشدي إن "الحالات صعبة جدا (...) وأي شيء بشع في الحياة يوجد بغزة، وما شهدناه من إصابات لدى الفلسطينيين لا يخطر على بال أحد".
وبينما يبكي أضاف أن "حالات كثيرة بُترت أطرافها خلال الإبادة، وتتطلب كثيرا من الاهتمام الطبي، فضلا عن بعض الحالات التي أصيبت في كل مكان في الرأس واليدين والرجلين".
قليلا توقف رشدي عن الكلام حتى استجمع أفكاره، ثم وصف الأمر بـ"الأوضاع الصعبة جدا".
وبخصوص الفريق الذي رافقه، قال إن الوفد كان يتكون من أردني وسوري وعراقي، إضافة إلى إيرلندي وأسترالي لا علاقة لهم بالعرب أو المسلمين، جاؤوا فقط تحت الوازع الإنساني، وانطلقوا من عمّان عبر الحافلة تجاه فلسطين المحتلة.
رشدي التقى في مستشفى ناصر بغزة طبيبا مغربيا آخر، قال إنه درس معه الطب قبل عقدين في فرنسا ولم يلتقيا منذئذ.
وزار غزة خلال الإبادة أكثر من طبيب مغربي منهم رئيس قسم جراحة الأطفال بمستشفى الحسن الثاني (حكومي) يوسف أبو عبد الله، والطبيب المتخصص بجراحة الفم والوجه أحمد زروال، والطبيب زهير لهنا، والطبيب أيوب أمغار.
وأضاف رشدي أن جميع الأطباء في غزة كانوا يعملون بجد كل بحسب اختصاصه، والعمل كان مثمرا وجديا، وقدموا ما يمكن تقديمه، واصفا ذلك بـ"الأمر اليسير والضئيل مقارنة بمتطلبات فلسطين".
وأكد أن هناك حاجة كبيرة للإمكانات والأدوات الطبية والإعانات المالية دون نسيان الدعم المعنوي، فـ"وسائل العمل منعدمة.. الأمر متعب جدا ذهنيا وجسديا، وهو ليس بالأمر الهين".
** الدعم المعنوي
الطبيب المغربي رشدي شدد على أن الدعم المعنوي له وقع كبير عند الفلسطينيين.
وقال: "بقدر ما فرحوا لدى قدومنا لمساعدتهم من الناحية الطبية، بقدر ما كانت فرحتهم أكبر من الناحية المعنوية، ويشعرون بأن هناك أناسا يدعمونهم معنويا".
وعن شعوره لدى مغادرته غزة، قال: "أحسست بضرورة العودة إلى القطاع، فقد تركته في وقت لامست وشاهدت فيه أنهم بحاجة إلى الكوادر الطبية والمساعدة الطبية.. لدي رغبة في العودة في أقرب فرصة ممكنة".
وتابع الجرّاح المغربي: "أرجو الله تعالى أن يكون معينا لهم من أجل وقف المجازر والإبادة التي يتعرضون لها".
ومشيدا بصمود و"مقاومة" الفلسطينيين رغم جرائم الإبادة، قال رشدي: "اكتشفت الإيمان العميق لدى الفلسطينيين بعدالة القضية وبأن النصر آت بفضل الله".
وختم بأنه "على الرغم من المآسي والخسائر وفقدان أفراد أسرهم وعائلاتهم، يؤمن الفلسطينيون بأن هذا قضاء من الله تعالى، وهم راضون بما يقع، وهو إيمان قوي جدا".