
- إسرائيل فرضت "قيودا أمنية صارمة" على دخول البحر، وهددت بتعريض حياة المخالفين للخطر - رغم القيود الإسرائيلية يخاطر صيادون بأرواحهم من أجل صيد الأسماك وتوفير لقمة العيش لعائلاتهم - أمجد بكر بائع الأسماك يصف الوضع بـ"المأساوي"، نتيجة غياب السمك عن الأسواق بسبب القيود - الصياد فتحي المقوسي: منذ بداية الحرب لا أحد يستطيع دخول البحر، ومن يجرؤ يجازف بحياته
على شاطئ بحر غزة، يقف صيادون فلسطينيون عاجزين عن دخول البحر محرومين من حقهم في الصيد بفعل القيود المشددة التي تفرضها إسرائيل على سواحل القطاع منذ اندلاع الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وخلال أكثر من 21 شهرا خاطر عشرات الصيادين بأرواحهم بحثا عن مصدرٍ للرزق ما تسبب بمقتل وإصابة بعضهم، فيما نجا قليلون من الهجمات الإسرائيلية.
ولإنقاذ عائلاتهم من الموت جوعا بعد نفاد المواد الغذائية المخزنة لديهم، لجأ فلسطينيون منذ إغلاق إسرائيل للمعابر أمام المساعدات الإنسانية في مارس/ آذار إلى الصيد بحثا عن الطعام.
كما شكل البحر على مدار أشهر الإبادة متنفسا وحيدا لفلسطيني قطاع غزة، حيث لجأوا إليه خاصة في أوقات ارتفاع درجات الحرارة.
والسبت، توعد الجيش الإسرائيلي بالتعامل مع أي انتهاك للقيود المفروضة على المنطقة البحرية المحاذية للقطاع.
وقال متحدث الجيش أفيخاي أدرعي في بيان: "نذكركم أنه فرضت قيود أمنية صارمة في المنطقة البحرية المحاذية للقطاع حيث يحظر الدخول إلى البحر، وقوات جيش الدفاع ستتعامل مع أي انتهاك لتلك القيود".
وأضاف أن التحذير يشمل الصيادين والسباحين والغواصين، وأن أي محاولة للدخول إلى البحر "تعرض حياتكم للخطر"، وفق أدرعي.
وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2024 قالت وزارة الزراعة بغزة في إنفوغرافيك إن الجيش الإسرائيلي قتل منذ 7 أكتوبر 2023 حوالي 200 صياد من أصل 4 آلاف و500.
كما أفادت بأن الجيش دمر خلال أول 14 شهرا من الإبادة نحو 270 غرفة للصيادين و1800 مركب من أصل 2000 مركب، والميناء الرئيسي بغزة والمراسي الصغيرة بالقطاع.
وأشار إلى أن القطاع فقد نحو 4 آلاف و600 طن من كمية الإنتاج السمكي بخسارة تصل إلى 20 مليونا و129 ألف دولار، وذلك حتى تاريخ إصدار الإنفوغرافيك فيما لم يتم تحديث هذه المعطيات.
** صيد خلسة وخوف دائم
ورغم التحذيرات لا يزال بعض الصيادين يحاولون دخول البحر لمسافات قصيرة لا تتجاوز الأمتار المعدودة، في محاولات محفوفة بالخطر والموت، في سبيل البحث عن الرزق.
أمجد بكر (45 عاما)، صياد وبائع أسماك على شاطئ غزة، يقول للأناضول: "الوضع مأساوي ولا يوجد سمك في الأسواق"، منذ بدء الإبادة.
ويعرب عن مخاوفه من النزول إلى البحر للصيد، لافتا إلى أن من يمتلك الجرأة لفعل ذلك يعود "بكميات قليلة جدا وبأسماك صغيرة".
ويضيف: "الوضع صعب جدا، القرار الإسرائيلي منع الصيادين من دخول البحر جعلهم أكثر خشية من النزول للصيد خوفا من الاستهداف".
ويشير إلى أن الصيادين الذين يخاطرون بأرواحهم وينزلون البحر لا يتجاوزن مسافة تقدر بعدة أمتار، حيث يعودون بكميات قليلة جدا، وغالبا أسماك صغيرة.
ويلفت بكر إلى أن البحر شكل منذ منع إسرائيل دخول المساعدات في مارس الماضي "مصدر الغذاء الوحيد للفلسطينيين"، رغم ارتفاع الأسعار بشكل "جنوني".
وما يضاعف معاناتهم، بحسب بكر، هو نقص المعدات وقلة عدد القوارب العاملة، الأمر الذي يتسبب بمحدودية قدرتهم على صيد الأسماك إلى جانب الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لهم.
وعن أسعار السمك، يقول إن ثمن كيلو سمك "السردين الصغير" وصل إلى 130 شيكلا (الدولار يعادل 3.36 شواكل)"، مقابل 10-12 شيكل للكيلو الواحد قبل اندلاع الإبادة.
ولفت إلى أن تلك الأسعار "تفوق القدرة الشرائية للغالبية العظمى من الفلسطينيين في ظل انعدام مصادر الدخل".
** الحياة مقابل الطعام
الصياد فتحي المقوسي، يقول للأناضول، إن من ينزل للبحر بغرض الصيد فهو يجازف بحياته مقابل الحصول على لقمة العيش.
ويتابع: "كميات قليلة جدا من الأسماك يتم اصطيادها وبيعها للمستهلك تحت وطأة المنع الإسرائيلي المستمر".
ويضيف المقوسي: "منذ بداية الحرب، لا أحد يستطيع دخول البحر، ومن يجرؤ فهو يجازف بحياته بسبب خطر الموت".
وأوضح أن معاناة الصيادين متفاقمة خاصة مع النقص الحاد بالمعدات الأساسية مثل "الشباك والمراكب"، نتيجة الدمار الكبير الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بميناء الصيادين في غزة.
ووصف المقوسي الأسماك بـ"الرفاهية النادرة" لفلسطينيي القطاع بسبب الارتفاع الكبير بسعر الكيلو منه، لافتا إلى أن بعض الأنواع (لم يذكرها) كان سعرها قبل حرب الإبادة لا يتجاوز 5 شواكل، بينما وصل سعرها اليوم إلى 200 شيكل.
** تجويع وموت
الصياد نضال الجوجو، يلخص في حديثه للأناضول، ما يمر به فلسطينيو قطاع غزة، قائلا: "نعيش حالة من التجويع والموت".
ويضيف بهذا الصدد: "الاحتلال لا يريدنا أن نأكل، لا لحوم ولا أسماك".
وكبقية القطاعات العمالية بغزة، يعاني الصيادون من ظروف اقتصادية صعبة للغاية جراء انعدام قدرة غالبيتهم على النزول للبحر وتوفير قوت يومهم.
ويقول الجوجو، إن الصيادين لا يشكلون أي خطر على إسرائيل "يستخدمون مراكب صغيرة وبسيطة، من أجل تأمين الطعام لعائلاتهم".
وخلال الأشهر الماضية، قتل وأصيب عدد من الصيادين أثناء محاولاتهم الصيد، مع سياسة إسرائيلية تمنع دخول الفلسطينيين إلى البحر منذ بدء حرب الإبادة على القطاع، مع تكرار التحذيرات والتهديدات باستهداف كل من يخرق القيود.
** أطفال تحت تهديد المجاعة
والسبت، حذر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، من أن الموت جوعا يهدد 650 ألف طفل دون سن الخامسة جراء الحصار الإسرائيلي وسط "صمت دولي مخز".
وقال المكتب الحكومي في بيان: "بعد مرور 130 يوما على الإغلاق الإسرائيلي الكامل للمعابر، يتفاقم خطر المجاعة ويهدد الموت مئات الآلاف، بينهم 650 ألف طفل دون سن الخامسة، من بين 1.1 مليون طفل في القطاع، وسط صمت دولي مخز".
وأوضح أن نحو 1.25 مليون شخص يعيشون حاليا بغزة حالة جوع كارثي، بينما يعاني 96 بالمئة من الفلسطينيين بالقطاع مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، بينهم أكثر من مليون طفل، في واقع وصفه بـ"الصادم".
وترتكب إسرائيل - بدعم أمريكي مطلق - إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلّفت أكثر من 198 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلًا عن مئات آلاف النازحين.