محاولات اللوبي الإسرائيلي عبثية.. الشباب الأميركي يصعد المواجهة

10:0223/09/2025, الثلاثاء
تحديث: 30/09/2025, الثلاثاء
عبدالله مراد أوغلو

منذ عقود، اعتادت إسرائيل على شنّ هجماتها على غزة على فترات متكرّرة، تحت ما تسميه سياسة "جزّ العشب"، لكنها في الواقع لم تكن سوى مجازر ممنهجة بحق الفلسطينيين. أما الإعلام الأميركي التقليدي (التيار الرئيسي) فقد ظلّ يتستّر على هذه الجرائم، محاولًا تغطية إدخال الفلسطينيين في مسار إبادة جماعية ممنهجة. غير أنّ الإعلام البديل ومنصات التواصل الاجتماعي كسرت هذه المعادلة، فأفقدت الإعلام التقليدي ما تبقّى له من مصداقية، حتى بات عاجزًا عن تبرئة إسرائيل من جرائمها. في 15 تموز/يوليو 2025 نشرت صحيفة نيويورك تايمز

منذ عقود، اعتادت إسرائيل على شنّ هجماتها على غزة على فترات متكرّرة، تحت ما تسميه سياسة "جزّ العشب"، لكنها في الواقع لم تكن سوى مجازر ممنهجة بحق الفلسطينيين. أما الإعلام الأميركي التقليدي (التيار الرئيسي) فقد ظلّ يتستّر على هذه الجرائم، محاولًا تغطية إدخال الفلسطينيين في مسار إبادة جماعية ممنهجة.

غير أنّ الإعلام البديل ومنصات التواصل الاجتماعي كسرت هذه المعادلة، فأفقدت الإعلام التقليدي ما تبقّى له من مصداقية، حتى بات عاجزًا عن تبرئة إسرائيل من جرائمها.

في 15 تموز/يوليو 2025 نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا بعنوان: "أنا أكاديمي مختص في دراسات الإبادة الجماعية، وأعرفها حين أراها"، كتبه البروفيسور الإسرائيلي ـ الأميركي عمر بارتوف، وهو أحد أبرز الخبراء في هذا المجال. أن تنشر الصحيفة مثل هذا المقال الناقد لإسرائيل، كان تطورًا لافتًا ومؤشرًا على التحول القسري في خطاب الإعلام الأميركي.

بالفعل، صار تدفق الأخبار والتعليقات القادمة من المصادر الإسرائيلية أبطأ، ونبرة التبرير أضعف، ما يعكس أنّ الدفاع عن إسرائيل صار أصعب من أي وقت مضى. فمعاناة مليوني فلسطيني محاصرين في غزة تحت القصف اليومي لا تحتاج إلى خبير في الإبادة لفهم حقيقتها: ما يحدث ليس حربًا، بل إبادة جماعية.


هذا التحول القسري في خطاب الإعلام الأميركي هو بمثابة اعتراف غير مباشر بجريمة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل. ولو كان فيهم ذرة من الحياء أو الإنسانية، لكانوا نشروا يوميًا بيانات اعتذار. فكما روّج الإعلام في مطلع الألفية لكذبة "أسلحة الدمار الشامل" التي ساقها المحافظون الجدد وإسرائيل لتبرير غزو العراق، عاد اليوم ليلعب الدور ذاته بتغذية ماكينة الإبادة ضد الفلسطينيين. صحيح أن كثيرين من هؤلاء الكتّاب والمحللين قدّموا اعتذارات لاحقًا عن دورهم في تدمير العراق، لكن ماذا عن غزة اليوم؟ الإعلام الأميركي يكرر الجريمة، وهذه المرة بماء يسكب في طاحونة الإبادة الإسرائيلية.


الأمر لا يقتصر على الإعلام وحده؛ فالحكومات الغربية التي سارعت مؤخرًا للاعتراف بدولة فلسطين لا تستطيع أن تغسل أيديها بمجرد الاعتراف الشكلي. هذه الحكومات لن تُبرّأ إلا إذا اتخذت خطوات عملية بفرض عقوبات توقف إسرائيل عند حدّها. أما أن يمنع الأميركيون ممثلي دولة فلسطين، صاحبة صفة "الدولة المراقب" في الأمم المتحدة، من المشاركة في الجمعية العامة، بينما يسمحون لممثلي إسرائيل بالجلوس على مقاعد المنظمة للدفاع عن الإبادة، فذلك يعني أن الأمم المتحدة نفسها باتت تنكر جوهر وجودها.


ولنذكّر: الأمم المتحدة هي من شرّعت قيام إسرائيل. وقد وصف الشاعر التركي الراحل نجيب فاضل هذا الظلم ببيت شعر يقول: "يُعطى الواحد تسع حصص، والتسعة الآخرون حصة واحدة! حتى الذئب لا يقبل هذا التقسيم لو صار راعيًا للخراف". هكذا كان قرار تقسيم فلسطين عام 1947، الذي تخلّت فيه القوى الغربية عن الحد الأدنى من العدالة، فشجّع إسرائيل على ارتكاب المجازر والإبادة.


اليوم، الرأي العام الغربي يتخلّى تدريجيًا عن إسرائيل. فالمجازر أحدثت أثرًا "مُوقِظًا"، وانكشفت الأكاذيب التي طالما صاغتها الدعاية الإسرائيلية. حتى في الولايات المتحدة، صوّتت "المجموعة التقدمية" التي تمثل نحو نصف الديمقراطيين في مجلس النواب لصالح مشروع يطالب بوقف شحنات الأسلحة الفتاكة إلى إسرائيل. صحيح أن هذا المشروع لن يمر في ظل التوازنات الحالية، لكنه إعلان واضح أن شيئًا تغيّر جذريًا: العجينة خرجت من الأنبوب ولا عودة إلى الوراء.


إزاء هذا الانكشاف، صار "اللوبي الإسرائيلي" أكثر عدوانية من أي وقت مضى، إذ يشنّ حملة شرسة لتجريم انتقاد إسرائيل باعتباره "عداءً للسامية" و"جريمة كراهية". وما جرى بعد اغتيال الناشط اليميني الأميركي تشارلي كيرك مثال حيّ على ذلك. فرغم أنّ كيرك كان من أبرز المؤيدين لإسرائيل، فإن إشاراته الأخيرة إلى رفض انخراط الولايات المتحدة في حروب إسرائيل أثارت شكوك اللوبي. وبمجرّد اغتياله، سارعوا إلى استغلال مقتله ذريعة لتمرير قوانين تقمع أي انتقاد لإسرائيل تحت ستار "جرائم الكراهية".


لكن كيرك نفسه كان قد قال بوضوح إن اعتبار انتقاد إسرائيل جريمة كراهية يتناقض مع الدستور الأميركي الذي يكفل حرية التعبير. والمفارقة أنه اغتيل أثناء إلقائه كلمة في إحدى الجامعات. واليوم، يحاولون تحويل ذكراه إلى أداة سياسية لإخماد الأصوات المعارضة، وفتح الطريق أمام تشريع يجرّم أي نقد لإسرائيل.


الحقيقة أن هذه المحاولات لن تؤدي إلا إلى نتائج عكسية، فالشباب الأميركي سيراكم مزيدًا من الغضب وسيتجه أكثر نحو العمل السياسي لمواجهة نفوذ اللوبي. أما محاولات اللوبي الإسرائيلي، فهي محاولة عبثية لا طائل منها.

#التغطية المنحازة
#الإبادة الجماعية في غزة
#اللوبي الإسرائيلي