خمسون ولاية في مواجهة إسرائيل المنهكة

توجه نحو 250 سياسيًا من مجالس النواب والشيوخ في الولايات الخمسين الأميركية إلى القدس المحتلة دعمًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية. الرحلة جاءت تحت عنوان "50 ولاية، إسرائيل واحدة"، وتكفلت وزارة الخارجية الإسرائيلية بكامل نفقاتها.

خلال الفعالية، التي انعقدت بين 14 و18 أيلول/سبتمبر، خاطب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر السياسيين الأميركيين، مطالبًا إياهم بالعمل على معاقبة الأصوات المناهضة لإسرائيل عبر إلصاقها بتهمة "معاداة السامية"، وبالدفاع عن الرواية الإسرائيلية بشأن غزة دون أي تحفظ.

من جهته، قال السفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكابي، مخاطبًا الحاضرين: "قد يبدو أنني لا أتحدث باسم الولايات المتحدة، بل باسم إسرائيل". وبالفعل، بدا هاكابي وكأنه سفير لإسرائيل نفسها. هذا القس المسيحي ـ الصهيوني المتشدد ذهب إلى حد القول إن "الإساءة إلى إسرائيل تعادل الإساءة إلى زوجة الرجل". بل وتجرأ على إنكار المجازر الإسرائيلية في غزة، قائلاً: "لو أرادت إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية، لفعلت ذلك في ثلاث ساعات فقط يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر، وانتهى الأمر"، زاعمًا أن إسرائيل تبذل جهدها لتجنب قتل المدنيين.

جاء هذا التحرك في وقتٍ يشهد فيه الاحتلال الإسرائيلي أزمة سياسية ودبلوماسية متفاقمة، خصوصًا بعد أن اعترفت دول غربية حليفة له، كفرنسا وبريطانيا، بدولة فلسطين، الأمر الذي شكّل ضربة معنوية قاسية لتل أبيب. خطاب نتنياهو أمام مقاعد شبه فارغة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة كان مشهدًا آخر من مشاهد عزلة إسرائيل المتزايدة.

ورغم أن الولايات المتحدة تضم 1,973 عضوًا في مجالس الشيوخ المحلية و5,413 نائبًا في المجالس التشريعية للولايات، فإن 250 فقط قبلوا المشاركة في هذه الرحلة، بينما امتنع كثيرون عن الذهاب خشية ردود فعل الناخبين الغاضبين.

المثير أن الانتقادات لم تقتصر على الشارع الأميركي أو الناخبين الشباب، بل وصلت إلى داخل عائلات السياسيين المشاركين. فقد أعاد السيناتور الجمهوري عن ولاية نيو مكسيكو، جاي بلوك، تصريحات هاكابي نفسها عبر حسابه على منصة "إكس"، مكررًا مزاعم إسرائيل بأن ما يجري في غزة لا يرقى إلى مستوى "الإبادة". لكن المفاجأة جاءت من ابنته مادي بلوك، التي خرجت في مقطع مصور عبر "تيك توك" تتهم فيه والدها بتلقي أموال من إسرائيل مقابل الترويج لدعايتها، متسائلة: "كم دفعوا لك؟ كم تساوي روحك؟ لقد بعت روحك للشيطان"، وختمت بقولها: "أتمنى أن تكون هذه نهاية مسيرته السياسية". المقطع حصد ملايين المشاهدات بين الشباب الأميركي خلال وقت قصير.

أظهرت هذه التطورات أن الدفاع عن إسرائيل بات عبئًا سياسيًا في الولايات المتحدة، بعدما كان ورقة ضغط لصالح السياسيين. كثير من النواب والساسة الذين ارتهنوا لأموال اللوبي الإسرائيلي يجدون أنفسهم الآن أمام مسار خاسر. فبينما يشكر نتنياهو أولئك الذين يبررون جرائمه، يشعر أبناؤهم بالخجل والعار منهم، ويتحولون إلى معارضين شرسين لسياساتهم.

أما الشباب الأميركي، فيرون المشهد بوضوح: مجازر جماعية، أكثر من 20 ألف طفل قُتلوا تحت القصف الإسرائيلي، وحكومة بلادهم تستمر في تزويد القتلة بالسلاح. هؤلاء الشباب، من أمثال مادي بلوك، يمثلون مستقبل أميركا، وهذا المستقبل بات كابوسًا يقضّ مضاجع إسرائيل.