يوميات أسطول الصمود.. التضحية بالمسيرة المهنية وإحرق تذكرة السفر

08:1410/09/2025, الأربعاء
تحديث: 11/09/2025, الخميس
أرسين جليك

كنت قد انتهيت من تدوين ملاحظاتي اليومية واستعد للنوم، عندما وصلني خبر قصف السفينة الرئيسية للأسطول، "فاميلي بوت" التي ترفع العلم البرتغالي بينما كانت راسية في ميناء تونسي. صعدت على الفور إلى الطابق العلوي من المنزل الذي نقيم فيه، وأبلغت زملائي في الوفد. والحمد لله، لم تقع أي خسائر في الأرواح أو إصابات. في تلك الأثناء تواصلت مع الوفود التركية والأوروبية للحصول على تفاصيل إضافية، فيما استمر بثنا الإخباري المباشر من تونس حتى الرابعة فجرا. وتواصلتُ مع شعيب أوردو، الذي كان ضمن الوفد القادم من إسبانيا،

كنت قد انتهيت من تدوين ملاحظاتي اليومية واستعد للنوم، عندما وصلني خبر قصف السفينة الرئيسية للأسطول، "فاميلي بوت" التي ترفع العلم البرتغالي بينما كانت راسية في ميناء تونسي. صعدت على الفور إلى الطابق العلوي من المنزل الذي نقيم فيه، وأبلغت زملائي في الوفد. والحمد لله، لم تقع أي خسائر في الأرواح أو إصابات. في تلك الأثناء تواصلت مع الوفود التركية والأوروبية للحصول على تفاصيل إضافية، فيما استمر بثنا الإخباري المباشر من تونس حتى الرابعة فجرا. وتواصلتُ مع شعيب أوردو، الذي كان ضمن الوفد القادم من إسبانيا، وأكد لي أنهم بخير وأن السفينة لم تتضرر بشدة. وأضاف شعيب: "ستتضح جدية الأسطول أكثر بعد هذا الهجوم."

وكان هذا أيضًا تقييمنا الأولي مع الأخ ياشار يافوز. فجميع الدلائل تشير إلى أن الهجوم كان عملية تخريب إسرائيلية تهدف إلى عرقلة تقدم الأسطول. كان هدفهم هو بث الذعر بين النشطاء، وإجبارهم على التراجع عن مهمتهم قبيل التقاء القوارب في المياه الأوروبية.


"لن نحيد عن مسارنا"

أود أن أؤكد باسم الوفد التركي أننا لم نسمح لمثل هذا التفكير بأن يتسلل إلى أذهاننا ولو للحظة واحدة. وسأعرض بعد قليل الموقف العميق الذي عبّرنا عنه جميعًا. لكن قبل ذلك، أود أن أشارككم ردود الفعل الأولى للمتطوعين الأوروبيين المشاركين في الأسطول. لدينا منصة للتواصل الفوري، وكان رد فعل الجميع فور تلقي الخبر هو: «لن نتراجع عن طريقنا إلى غزة، ونريد الصعود إلى سفننا في أقرب وقت». لقد اتفقنا جميعًا على أن إسرائيل تحاول إثارة الذعر بيننا، وأنها تعتقد أننا سنتراجع خوفًا. أما الناشطون في تونس، فقد اتخذوا موقفًا أكثر حزمًا، إذ خرج الأفراد الذين كانوا على متن السفينة المستهدفة واحدًا تلو الآخر أمام الكاميرا ليجسدوا المعنى الحقيقي لاسم الأسطول: "الصمود".


مطعم إيطالي يعد الطعام للمتطوعين

وفي الصباح، كانت هناك حركة نشطة في ميناء صقلية، حيث كان من المقرر إجراء التحميلات الأخيرة على السفن. وعندما استيقظنا، انعكست هذه العزيمة مجددا على أرض الواقع؛ حيث أُنجزت التدريبات المتبقية، وجرت عمليات التحميل بروح عالية من التضامن. واللافت أن الهجوم الذي استهدف إحدى السفن في تونس لم يكن محور النقاش بين النشطاء. ورغم وجود قائمة مسبقة بأسماء المتطوعين الذين سيشاركون في أعمال المساعدة، إلا أن عددًا كبيرًا من الناشطين حضروا مباشرة إلى الميناء دون تسجيل مسبق، كان الجميع متحمسين ومعنوياتهم مرتفعة. وكالنمل في عملهم الدؤوب. وقد كان لموقف أحد أبناء المنطقة أثر رمزي بارز؛ إذ قام صاحب مطعم قريب بفتح مطعمه رغم أنه كان مغلقًا في ذلك اليوم، وأعد وجبات خصيصًا للناشطين وأرسلها لهم، فتناول الجميع وجباتهم معًا.


"حزن على فقدان أحد الأصدقاء"

لقد أظهر الطبيب إرغون أكبينار، أحد الأطباء في مجموعتنا، موقفًا أكثر حزمًا إثر الهجوم على القارب في تونس. وقد أثّر موقفه فينا جميعًا وأشعرنا بالفخر. لقد أمضينا عشرة أيام كاملة في إيطاليا، تاركين أعمالنا خلفنا؛ بعضنا خرج في إجازة رسمية، وآخرون حصلوا على إجازة بلا راتب. أما أنا فكنت الأكثر ارتياحًا، إذ أواصل ممارسة مهنتي وفي الوقت نفسه أنال شرف المشاركة في هذه المهمة التاريخية نحو غزة. وكان معنا أطباء آخرون ضمن الطاقم الطبي للأسطول، مثل البروفيسور حشمت يازجي، اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة، وجراح العظام خليل رفعت جاناقجي، وكانت إجازاتهم كافية لهذه الرحلة. أما الدكتور إرغون فقد خرج في إجازته السنوية، لكنها كانت قصيرة المدة. فلو أبحر الأسطول في موعده المحدد، لكان بمقدوره العودة بسهولة ضمن حساباته، ولكن مع هذه التأجيلات كان لزامًا عليه أن يأخذ إجازة بدون أجر لمواصلة الرحلة، وهو ما يعني إلغاء عقده في طب الأسرة.

ونظرًا لأن هذا القرار سيكون له عواقب كثيرة على حياته، فقد كان الأطباء الآخرون يضغطون عليه للعودة منذ ثلاثة أيام. وبعد أن علمنا أن موعد العودة قد يتأجل إلى منتصف أكتوبر، زادوا الضغط على الدكتور أرغون وأصروا عليه بشدة كي لا يشارك في الرحلة. وبموافقة الجميع، ومراعاة وجود طاقم طبي كافٍ على متن السفينة، نجحنا في إقناع الدكتور إرغون بعدم الاستمرار. أما مهمة حجز تذكرته للعودة فقد أوكلت إليّ. وبينما كنت أنهي كتابة هذه السطور، كان من المفترض أن يكون الدكتور في المطار يستعد للعودة من كاتانيا إلى إسطنبول. ضغطنا عليه حفاظاً على مصلحته، لكن قلوبنا كانت مثقلة بالحزن. في الليلة الأخيرة، أصرّ على أن يطهو لنا العشاء بنفسه؛ فقام بتحضير البطاطس. لقد انسجمنا نحن التسعة معًا في وقت قصير جدًا، وكأننا أصدقاء منذ 40 عامًا. لكن ها نحن اليوم نفقد واحداً من رفاقنا.


"وتلك التذكرة تُحرق"

في هذه الأثناء، قمنا بتغيير مكان إقامتنا مرة أخرى وعدنا إلى الشقة الأولى. وضعنا خططنا على أساس أن الدكتور أرغون لن يكون معنا. وفي الصباح، بينما كنا نتحدث عن الهجوم الذي وقع ليلًا، جاء الدكتور أرغون إلي وقال: "لقد تراجعت عن قراري. لا يمكنني العودة الآن. هذا الهجوم يجب ألا يثني أحدًا عن طريقه. أريدك أن تلغي حجزي".

كانت هذه من أقوى اللحظات التي أثرت فيَّ ومنحتني القوة، وافق الدكتور حشمت والدكتور خليل على إلغاء التذكرة وعيونهما تملؤها الدموع. ألغيت الرحلة بشعور كبير بالفخر ثم التفت إليه وسألته: "وماذا بعد العودة؟" فأجاب دون تردد: "أنا مستعد لتحمل كل المخاطر. لقد منّ الله عليّ بأن أكون جزءًا من الأسطول الذي سيبحر إلى غزة. وسنحل بقية الأمور لاحقًا. الله هو الكفيل برزقنا. ليس لدينا أي قلق، ولا يمكن أن يكون."


لقد أحرقنا تلك السفن منذ زمن

إن التذكرة التي أحرقها طبيب الأسرة إرغون أقپينار، والمخاطرة التي تحملها في مسيرته المهنية، تحولت في الواقع إلى شعلة أحرقت آخر ما تبقى من تردد فينا. وأولئك الذين يظنون أن بإمكانهم إخافتنا بقنبلة وإجبارنا على التراجع، لا يدركون كيف أشعلوا نار العزيمة والإرادة فينا. سيواصل الأسطول الآن مسيرته بإرادة لا تتزعزع. وعندما نبحر غدًا، لن نترك وراءنا سواحل صقلية فقط، بل كل مخاوفنا وتردداتنا وأعذارنا الدنيوية. لقد أحرقنا تلك السفن بالفعل.

إلى اللقاء مجددا في يوميات الأسطول.. ولنتذكر دائمًا الدعم البري.


#أسطول الصمود
#قصف
#المسيرة المهنية
#تذكرة
#صقلية
#غزة
#الاحتلال الإسرائيلي
#أرسين جليك