رسالة أردوغان حول فلسطين

07:5724/09/2025, الأربعاء
تحديث: 29/09/2025, الإثنين
قدير أوستون

تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان في الأمم المتحدة بأن "القضية الفلسطينية أصبحت الآن قضية عالمية" تشير إلى أن التصورات المرتبطة بفلسطين قد تغيّرت كليًا. فالقضية الفلسطينية، التي طالما جرى تصويرها على أنها مجرد "صراع إسرائيلي ـ عربي"، وسُعي إلى تهميشها من خلال مشاريع التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، باتت تُطرح أمام الرأي العام العالمي على حقيقتها: قضية احتلال إسرائيلي. خلال العامين الماضيين، ومع انكشاف محاولات إسرائيل للتطهير العرقي بشكل لا يقبل الإنكار، تحركت الجماهير في مختلف أنحاء العالم،

تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان في الأمم المتحدة بأن "القضية الفلسطينية أصبحت الآن قضية عالمية" تشير إلى أن التصورات المرتبطة بفلسطين قد تغيّرت كليًا. فالقضية الفلسطينية، التي طالما جرى تصويرها على أنها مجرد "صراع إسرائيلي ـ عربي"، وسُعي إلى تهميشها من خلال مشاريع التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، باتت تُطرح أمام الرأي العام العالمي على حقيقتها: قضية احتلال إسرائيلي.

خلال العامين الماضيين، ومع انكشاف محاولات إسرائيل للتطهير العرقي بشكل لا يقبل الإنكار، تحركت الجماهير في مختلف أنحاء العالم، ونُظّمت مظاهرات وضغوط شعبية حاصرت الحكومات الداعمة لإسرائيل. وهكذا غيّرت المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في غزة صورة القضية الفلسطينية في عيون العالم، وحاصرت الولايات المتحدة والدول الغربية، ودفعت الرأي العام العالمي إلى تبني رؤية جديدة تمامًا.


إفلاس "عملية السلام"


قال الرئيس أردوغان إن هدف حكومة نتنياهو هو "جعل قيام الدولة الفلسطينية أمرًا مستحيلًا"، مؤكّدًا أن العالم لا يمكنه الوقوف متفرجًا على سياسة التطهير العرقي التي تُمارَس من خلال المجازر والتهجير القسري للشعب الفلسطيني. ويمكن القول إن ما يجري في غزة اليوم هو نتيجة مباشرة لابتعاد الحكومات الإسرائيلية منذ تسعينيات القرن الماضي عن فكرة الدولة الفلسطينية.

إذ عمدت هذه الحكومات إلى اتخاذ كل ما من شأنه إضعاف سيادة السلطة الفلسطينية، ومنعت الفلسطينيين من تطوير قدراتهم على إقامة دولة، متذرعة بما لا ينتهي من جولات "عملية السلام". وبتقديم شروط مثل الاعتراف بإسرائيل كـ"دولة يهودية"، حرصت تل أبيب على تصوير الفلسطينيين كطرف رافض للتسوية، ونجحت إلى حد ما في تعريف القضية ضمن إطار "الإرهاب". غير أن المجازر وسياسات التهجير التي أشار إليها أردوغان كشفت بوضوح النوايا الحقيقية لإسرائيل.


كثير من الدول الغربية، باستثناء الولايات المتحدة، بدأت بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما يعني عمليًا الإقرار بإفلاس الصيغة التي استمرت لعقود تحت رعاية واشنطن. فـ"عملية السلام"، التي كانت تقوم على التوصل إلى اتفاق حول قضايا مثل الحدود، وضع القدس، وحق اللاجئين قبل الاعتراف بفلسطين، لم تكن سوى وسيلة لمواصلة الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع الاستيطان على حساب الأرض الفلسطينية. وكانت واشنطن ترفض الاعتراف بفلسطين وتصفه بأنه "خطوة غير بنّاءة" تُفشل مسار التسوية.

ومع أن الولايات المتحدة ما زالت تتمسك بهذا الموقف، إلا أن قرارات فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال وإسبانيا وبلجيكا بالاعتراف بفلسطين أثبتت أن تأثير واشنطن قد تلاشى. ولمّا لم يعد هناك "عملية سلام" ذات مصداقية يمكن انتظار نتائجها، فإن الاعتراف بفلسطين قبل قيام الدولة فعليًا يُظهر أن عتبة نفسية حرجة قد تم تجاوزها.


الاعتراف بفلسطين وإصلاح مجلس الأمن


الجميع يدرك أن الرئيس أردوغان هو الصوت الأقوى عالميًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. فإزاء رفض إسرائيل أي حل حقيقي وسعيها الدائم لتوسيع الاحتلال، وقف أردوغان دومًا إلى جانب الجهود الرامية إلى الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.

ومع إدراك أن "الواقع على الأرض" يتمثل في توسيع الاستيطان وتقليص الأراضي الفلسطينية، كانت أنقرة تعترض باستمرار على أي مشاريع جديدة لبناء المستوطنات. ومن المهم التذكير بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يتمكن من إقناع نتنياهو حتى بتجميد محدود للاستيطان، ودفع ثمنًا سياسيًا لذلك، في حين واصلت تركيا رفع صوتها بلا هوادة.

وفي أكثر من مناسبة، استخدم أردوغان منصة الأمم المتحدة ليعرض الخرائط التي توثّق تقلص الأراضي الفلسطينية، مُظهرًا للعالم حقيقة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.


خلال العامين الأخيرين، ساهمت المجازر وسياسات الاحتلال في إبراز ما حذّر منه أردوغان منذ سنوات، ودفع ذلك العديد من الدول إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا.

ومع انخراط دول غربية في الاعتراف بفلسطين، وجدت الولايات المتحدة نفسها في عزلة دبلوماسية خانقة. فخلال الأعوام الثلاثة الماضية، عطّلت واشنطن مجلس الأمن الدولي عبر استخدام حق النقض "الفيتو" ثلاث مرات على الأقل لحماية إسرائيل، ما كشف عجز النظام الدولي عن إيجاد حلول للنزاعات.

ويعود تركيز أردوغان المتكرر على انتقاد بنية مجلس الأمن ـ التي تحتكرها القوى الخمس الكبرى ـ إلى هذا الواقع. فالمثال الأوضح على عجز المجلس عن تجاوز الحسابات القومية لتلك القوى في معالجة الأزمات هو القضية الفلسطينية.


لقد باتت دعوات أردوغان لإصلاح مجلس الأمن تجد صدى أوسع. صحيح أن الاعتراف بفلسطين يظل خطوة رمزية إلى حد كبير، لكنه يكتسب أهمية كبرى من حيث كسره للحواجز النفسية وإظهاره خلل النظام الأممي. والرسالة التي يواصل أردوغان إيصالها بلا كلل منذ سنوات، تواصل لعب دور محوري في الدفع باتجاه الاعتراف بفلسطين، وفي إبراز الحاجة إلى إصلاح مجلس الأمن.

#رجب طيب أردوغان
#القضية الفلسطينية
#الاحتلال الإسرائيلي
#التطهير العرقي
#المجازر في غزة
#عملية السلام
#حل الدولتين