ما الذي يكشفه مسار الإغلاق الحكومي عن المشهد السياسي الأمريكي؟

08:025/11/2025, Çarşamba
تحديث: 6/11/2025, Perşembe
قدير أوستون

منذ الأول من أكتوبر، يوشك إغلاق الحكومة الفيدرالية على أن يُسجَّل في التاريخ كأطول إغلاق تشهده الولايات المتحدة، ولا يلوح في الأفق أي ضوء في نهاية النفق. إذ يتمسك الحزبان بمواقعهما المتصلبة، بينما لا يُقدم الرئيس ترامب على أي خطوة نحو التفاهم أو التسوية.وعلى العكس من ذلك، فإن اقتراح ترامب بتعديل قواعد التصويت في مجلس الشيوخ لتحويلها إلى قاعدة الأغلبية البسيطة قد يتيح للجمهوريين تمرير الموازنة التي يريدونها، غير أن أعضاء مجلس الشيوخ لا يرغبون في التخلي عن آلية “التعطيل”. الجمهوريون، الذين يضعون في

منذ الأول من أكتوبر، يوشك إغلاق الحكومة الفيدرالية على أن يُسجَّل في التاريخ كأطول إغلاق تشهده الولايات المتحدة، ولا يلوح في الأفق أي ضوء في نهاية النفق. إذ يتمسك الحزبان بمواقعهما المتصلبة، بينما لا يُقدم الرئيس ترامب على أي خطوة نحو التفاهم أو التسوية.وعلى العكس من ذلك، فإن اقتراح ترامب بتعديل قواعد التصويت في مجلس الشيوخ لتحويلها إلى قاعدة الأغلبية البسيطة قد يتيح للجمهوريين تمرير الموازنة التي يريدونها، غير أن أعضاء مجلس الشيوخ لا يرغبون في التخلي عن آلية “التعطيل”.

الجمهوريون، الذين يضعون في حساباتهم سيناريوهات قد يصبحون فيها أقلية في المستقبل، يفضلون توجيه اللوم إلى الديمقراطيين وتحقيق مكاسب سياسية، بدلاً من تغيير قواعد المجلس.

أما الديمقراطيون، فيقولون إنهم يقاتلون من أجل استمرار المساعدات الإضافية في التأمين الصحي، ويتهمون الجمهوريين بعدم الرغبة في التوصل إلى اتفاق.


ونتيجة لمواقف الطرفين، فإن إغلاق الحكومة الفيدرالية ينعكس سلبًا على ملايين الموظفين الفيدراليين وذوي الدخل المحدود، في مشهد جديد يثبت مدى الشلل الذي أصاب واشنطن، ويشكّل أحدث مثال على حالة الاستقطاب السياسي الحاد. إن أسلوب تبادل الاتهامات ومحاولة تحميل الخصم المسؤولية يعكس ذهنية سياسية تقوم على الانقسام والمكاسب قصيرة المدى وغياب الحلول الجذرية.


آلية التعطيل و"الخيار النووي"


يُعدّ أحد أهم عناصر نظام “الرقابة والتوازن” الشهير في السياسة الأمريكية، هو إلزام مجلسي الكونغرس — النواب (المجلس الأدنى) والشيوخ (المجلس الأعلى) — بالتوصل إلى تسوية مشتركة قبل تمرير أي قانون شامل.

وبعد تصويت كلا المجلسين على مشاريع القوانين، تُدمج النصوص في صيغة واحدة تُرسل إلى الرئيس لتوقيعها. لكن فشل تمرير مشروع موازنة عام 2026 في الكونغرس أدى، اعتبارًا من الأول من أكتوبر، إلى بدء إغلاق الحكومة الفيدرالية.

الديمقراطيون، الذين يتمسكون بمواصلة المساعدات الخاصة بالتأمين الصحي التي أُقرت في عهد أوباما، استخدموا آلية التعطيل لإيقاف الموازنة.

وتجاوز هذه الآلية يتطلب موافقة 60 عضوًا من مجلس الشيوخ، وهو أمر غير ممكن في ظل تماسك الديمقراطيين في صف واحد، ما يعني أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق لتأمين تمويل الدولة.

نتيجة لذلك، يقترب إغلاق الحكومة الفيدرالية من تحطيم الرقم القياسي السابق المسجّل عام 2017، والذي استمر 34 يومًا.


ورغم أن الجمهوريين يملكون الأغلبية في كلا مجلسي الكونغرس، إلا أنهم يبدون مترددين في تغيير القواعد لمواجهة التعطيل الذي يمارسه الديمقراطيون.

أما الرئيس ترامب فيطالب الجمهوريين باستخدام ما يُعرف بـ“الخيار النووي” لإنهاء هذا التعطيل، غير أن قيادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ ترفض الإقدام على هذه الخطوة.

ويخشى الجمهوريون أنه في حال أصبحوا أقلية في المستقبل، فلن يتمكنوا من استخدام آلية التعطيل بأنفسهم، لذا يحاولون تحميل الديمقراطيين المسؤولية السياسية عن الإغلاق لإجبارهم على التراجع.


لكن تجميد رواتب أكثر من مليوني موظف فيدرالي، وإجبار نحو 900 ألف منهم على إجازات قسرية، يسبّب إزعاجًا واضحًا لترامب.

ومن أجل تجاوز حالة الجمود الراهنة، يطالب ترامب باعتماد قاعدة “الأغلبية البسيطة” في التصويت، غير أنه يبدو غير مكترث بالسيناريوهات المستقبلية التي قد تجعل الجمهوريين في موقع الأقلية، إذ يسعى لتخفيف الضغط السياسي عنه على المدى القصير.


الموظفون الفيدراليون وذوو الدخل المحدود في مأزق


يُعد إغلاق الحكومة الفيدرالية أحدث مثال على شلل واشنطن السياسي، ودليلًا جديدًا على فشل الحزبين في إيجاد حلول حقيقية لمشكلات المواطنين.

فعلى الرغم من استمرار تمويل بعض الوظائف الأساسية للدولة، فإن العديد من الأنشطة الحكومية المهمة توقفت، وانقطعت المساعدات الاجتماعية.

وفيما حُرم الموظفون الفيدراليون من رواتبهم، وجد نحو 40 مليون مواطن يستفيدون من برنامج المساعدات الغذائية (SNAP) أنفسهم في وضع صعب نتيجة نفاد ميزانية البرنامج.


ويُعتبر هذا البرنامج أحد أهم أدوات دعم الأسر ذات الدخل المنخفض، وإيقافه يهدد بزيادة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي دفع بعض الولايات إلى محاولة سد العجز من مواردها الخاصة.

وأعلنت إدارة ترامب، عقب صدور حكم قضائي يُلزمها بمواصلة برنامج SNAP للمساعدات الغذائية، أنها خصصت ميزانية إضافية له، إلا أن المبلغ المعلن لا يغطي سوى نصف المساعدات الغذائية المطلوبة.


تبادل الاتهامات بين الحزبين


تتهم إدارة ترامب الديمقراطيين بأنهم تسببوا في إغلاق الدولة من أجل منح “المهاجرين غير الشرعيين” إمكانية الحصول على التأمين الصحي، مما وضع ملايين ذوي الدخل المحدود في مأزق.

بينما يردّ الديمقراطيون بأن ترامب والجمهوريين لا يبدون أي جدية في التفاوض أو الجلوس إلى طاولة الحوار.


وبينما يسعى كل طرف إلى تحميل الآخر كلفة الإغلاق سياسيًا، يعاني ملايين الموظفين الفيدراليين والمواطنين الفقراء من تبعاته.

لقد وصلت حالة الاستقطاب السياسي في السنوات الأخيرة إلى مستوى خطير، حتى باتت تقوّض ثقافة التفاهم التي يقوم عليها نظام “الرقابة والتوازن” في الديمقراطية الأمريكية.

السياسيون، الذين لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم قدّموا تنازلات، يحاولون استخدام الضغط الشعبي لإجبار خصومهم على التراجع وإعلان النصر.


وفي الوقت نفسه، يجمع الطرفان أوراقًا دعائية لاستخدامها في انتخابات نوفمبر المقبلة، بينما يترقب الجميع خطوة من ترامب نحو التفاهم.


وبحكم الطبيعة الفيدرالية للنظام الأمريكي، فإن إغلاق الحكومة الفيدرالية يدفع حكومات الولايات إلى تحمّل مزيد من المسؤوليات وسدّ الثغرات المالية، لكن محدودية موارد كثير من الولايات تجعلها تواجه أزمات بدورها.

وفي بلد يُعد من أضعف الدول المتقدمة في نظامه للضمان الاجتماعي، يؤدي تعطل برامج المساعدات الفيدرالية إلى تأثير مباشر على حياة ملايين الفقراء.


لقد أدخلت حالة الانقسام السياسي العميقة النظام الأمريكي في دوامة تهدد ركائز ثقافة التفاهم التي يقوم عليها. ويُعد الجدل الدائر حول إلغاء آلية التعطيل والانتقال إلى قاعدة الأغلبية البسيطة أوضح مثال على هذا التآكل.

أما إصرار الحزبين على فرض أجنداتهما السياسية عبر مشروع الموازنة ورفضهما التوصل إلى حلول وسط، فيعزز صورة واشنطن كعاصمة فقدت قدرتها على إنتاج الحلول وأصبحت عاجزة عن أداء وظائفها السياسية.

#الإغلاق الفيدرالي
#أمريكا
#الحكومة الفيدرالية
#الولايات المتحدة