
زيارة رئيس سوريا أحمد الشرع إلى البيت الأبيض لا تكتسب أهميتها فقط من العلاقات الثنائية بين بلاده والولايات المتحدة، بل أيضًا من تأثيرها على موازين القوى في الشرق الأوسط. لقاء الشرع مع الرئيس الأمريكي ترامب خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي عزز بشكل كبير الشرعية الدبلوماسية والسياسية لكل من الشرع وسوريا على الساحة الدولية. التصريحات المتعلقة بالاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال زيارة البيت الأبيض أظهرت استعداد واشنطن للعمل مع دمشق، بينما مشاركة تركيا في المباحثات حملت رسالة واضحة بأن مصالح الجار الشمالي لسوريا ستؤخذ بعين الاعتبار في المرحلة المقبلة.
وقد أظهرت التفاهمات المعلنة إمكانية رفع العقوبات عن سوريا، وتنسيق دمشق مع التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة، وتأكيد الاتفاقيات المتعلقة بدمج قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى إمكانية التوصل إلى اتفاقيات أمنية محتملة مع إسرائيل، ما يشير إلى تسريع عملية إعادة الإعمار في البلاد.
العقوبات وعملية إعادة الإعمار
رفع العقوبات الدولية عن سوريا ورئيسها أحمد الشرع من قبل مجلس الأمن الدولي، وتعليق العقوبات الأمريكية الأخيرة من قبل إدارة ترامب، يمثل نقطة تحول مهمة لعملية إعادة إعمار سوريا. إزالة العقوبات الأمريكية بالكامل من قبل الكونغرس ستكون الخطوة التالية الحاسمة. رفع العقوبات سيتيح لكل من دول الخليج الاستثمار في سوريا، وكذلك للشركات التركية والأوروبية والأمريكية العمل دون مخاوف من القيود القانونية.
إدارة ترامب إما ألغت أو علّقت عقوباتها، بينما سيحتاج الكونغرس إلى ممارسة ضغوط لإلغاء عقوبات مثل عقوبات قيصر بشكل كامل، مع استمرار الاعتراضات الإسرائيلية التي تتعلق بـ"المخاوف الأمنية". وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز، أوضح الشرع أنه لن يتفاوض مباشرة مع إسرائيل التي ما زالت تحتل هضبة الجولان، لكنه أشار إلى إمكانية إحراز تقدم في هذا الشأن من خلال إدارة ترامب، ما يترك الباب مفتوحًا.
حتى المناطق السورية التي لم تتأثر بشكل مباشر بالحرب، مثل دمشق، بحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية، في حين ستستغرق إعادة إعمار المناطق الأكثر تضررًا سنوات طويلة. بدء هذه العملية يعزز الشرعية السياسية للشرع ويبرهن على قدرته على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والخدماتي. دعم دمشق أمر حيوي للحفاظ على وحدة سوريا ومنع تقسيمها، وهو ما يتوافق مع مصالح تركيا.
دور تركيا
خلال زيارة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في سبتمبر، أظهر ترامب تقديره للرئيس التركي أردوغان فيما يخص السياسات الإقليمية وسوريا، مع الإقرار بأن تركيا هي الدولة الأكثر قدرة على المساهمة في استقرار سوريا. مشاركة وزراء الخارجية الأتراك في اجتماعات البيت الأبيض مع الشرع تؤكد إدراك إدارة ترامب للدور المحوري لتركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، في سوريا والمنطقة. تركيا ستلعب دورًا لا غنى عنه في الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار، كما أن الشرع بحاجة لدعم تركيا في مسألة دمج قوات سوريا الديمقراطية وعلاقاتها مع إسرائيل.
واضح أن ترامب منفتح على الاستفادة من خبرات أردوغان وتوصياته فيما يخص سوريا والقضايا الإقليمية الأخرى، كما ظهر ذلك في اجتماعات الأمم المتحدة بشأن فلسطين وعمليات وقف إطلاق النار اللاحقة. إقرار ترامب بدور تركيا كأكبر رابح في سوريا، وانتقاده للتحركات الإسرائيلية التي تقوض الاستقرار، يعزز فاعلية التنسيق بين واشنطن وأنقرة.
زيارة الشرع إلى واشنطن، بعد أن كان اسمه على قائمة الإرهاب الأمريكية، تمثل رمزًا لإعادة إدماج سوريا في النظام الدولي بعد سنوات طويلة من العزلة. تعليق العقوبات وإدراج سوريا كدولة محورية في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية يمثل مرحلة حاسمة في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب. وإدراك الولايات المتحدة لدور تركيا كفاعل رئيسي يضمن أن مساهمتها في تحقيق الاستقرار ستكون أساسية، ما يجعل هذه المرحلة نقطة تحول مهمة في تاريخ سوريا والمنطقة.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة