إن الإشارة التي أطلقها الرئيس أردوغان حول "تحالف تركي كردي عربي" مستقبلي، موجه بطبيعة الحال نحو المنطقة، وله طبقات متعددة. أولى هذه الطبقات تتمثل في المثلث التركي السوري العراقي، حيث يُلاحظ أن العلاقة "الخاصة" التي بنتها تركيا مع كلٍّ من سوريا والعراق تُشكّل نواة لهذا التوجّه.
وهناك مثلثات أخرى متداخلة، مثل مثلث تركيا وأذربيجان وسوريا، ومثلث تركيا والعراق وأذربيجان.
ويُعدّ الاتفاق الذي تم بعد مرور أربع وعشرين ساعة فقط على إحراق الأسلحة، والذي يقضي بتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر تركيا من باكو، تطورًا لافتًا. فهو يتجاوز النقاشات التقليدية من قبيل "كيف سيتم نزع سلاح التنظيم الإرهابي؟" أو "ما مصير قادته؟".
ومن المعلوم أن مشروع "طريق التنمية" الذي يجري العمل عليه بين تركيا والعراق يندرج ضمن السياق ذاته.
وهناك طبقة أخرى من التحالف التركي الكردي العربي، ألا وهي الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية التي بدأت بالظهور كقوة محورية إلى جانب تركيا. وهو ما أصبح أكثر وضوحاً مع تولي ترامب الإدارة الأمريكية.
وإذا ما سألنا عن الدول التي تندرج ضمن توصيف "العرب" في رؤية الرئيس أردوغان، فإن سوريا والعراق والسعودية تأتي في مقدمتها، بينما يمكن لقطر ومصر وليبيا والإمارات أن تنضم لهذا التصنيف لاحقًا.
كما يمكن إضافة خماسي إقليمي آخر تشكّل في مارس الماضي، جمع تركيا والأردن ولبنان والعراق وسوريا لمحاربة داعش، والذي يحمل في جوهره شعار "دعونا نتولّى أمرنا بأنفسنا".
وإذا وسعنا "الشبكة" لتمتد إلى خريطة أوسع للشرق الأوسط وغرب آسيا، فإن تحالف تركيا وأذربيجان وباكستان يشكل مجال نفوذ جيوسياسي فريد. سواء من حيث المنطقة التي يحيطون بها، أو الممرات التي يسيطرون عليها، أو القيمة المضافة التي يقدمونها في مجالات الطاقة والأسلحة النووية والجيش، فإن هذا التحالف لا مثيل له.
ويمكننا أيضًا رسم خريطة منفصلة لشبكة تجمع كلًا من سوريا والعراق وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. بطبيعة الحال جميع هذه الأطراف كما في نموذج أذربيجان وسوريا، تحتاج إلى روابط ملموسة تربط بينها. وهي موجودة بالفعل؛ مثل الاتفاقية الشاملة التي وُقّعت مؤخرًا بين أذربيجان والإمارات. أما تمويل سوريا، فهو مدعوم أصلاً من قِبل الرياض.
ولكي لا نعقّد المسألة أكثر، فلنربطها بنقطة "الثغرة" في هذه الشبكة ووجهتها. الثغرة هي: إسرائيل، فالمشكلة تكمن فيها. ومن هذه النقطة، علينا أن ندرج الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي الملف السوري تحديدًا، للأسف فرنسا أيضًا ضمن المعادلة. فالمثلث التركي الكردي العربي يُضيّق الخناق على إسرائيل، لكنه قد لا يكون كافيًا وحده للوصول إلى حل شامل. أما بالنسبة إلى الاتجاه، فالجواب المباشر هو: إنها جيوسياسية ذات توجه غربي. حتى التعاون الروسي مع الولايات المتحدة في ملف إيران يمكن إدراجه ضمن هذا الإطار.
وأثناء النقاش حول محور "الأتراك والأكراد والعرب"، طُرح السؤال: "أين إيران؟ ولماذا هي غير موجودة؟"
إيران ليست حاضرة. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هناك بنية موجهة ضد إيران أو تستهدفها. وفي هذه المرحلة، من المبالغة القول إنها ستُدرج ضمن هذا الإطار. ومن جهة أخرى، هناك تقييمات ترى أن الهدف الأساسي لهذا الهيكل هو استهداف إيران فقط. أعتقد أن لهذا التكوين هدف، وإيران حدها ليست هدفًا كافيًا. فإيران ليست مجرد دولة قائمة بذاتها؛ بل إنها تمثل في الوقت نفسه امتدادًا لكل من روسيا والصين. والممر الاستراتيجي الذي تتحكم به يجعلها ذات أهمية كبرى. أضف إلى ذلك أن إدارة ترامب لا تزال تُعلق آمالًا على إيران، وتتوقع منها شيئًا. ولا يمكننا القول إن طهران لم تُبدِ أية استجابة.
يبدو أن سياق أذربيجان وأرمينيا وإيران يثير حساسيات عالمية. فطلب الولايات المتحدة بمنح شركاتها تشغيل زانجيزور لعقود يُعدُّ مؤشرًا واضحًا حتى في نطاق ضيق.
إذن، ما هو "الهدف الأكبر"؟ لتحديد ذلك، علينا أن نفهم ما إذا كانت المنطقة التي تُشكل مستطيلًا جغرافيًا ابتداء من أوكرانيا والبحر الأسود وبحر قزوين وباكستان، نزولًا إلى البصرة والخليج والجزيرة العربية وشمال أفريقيا، ومن ثَّم البحر الأبيض المتوسط، هو "منصة انطلاق" أم "منطقة خلفية آمنة". بالطبع إذا اتفقنا على أن "الجهة الأمامية" هي الصين، وهو أمر مقبول بشكل عام.
دعونا نختصر الحديث عن الصين: في الوقت الراهن، يبدو أن علاقات موسكو وبكين، وموقف الصين من الحرب في أوكرانيا، ـ ربما يبدو هذا غريبًا ـ وعلاقات الصين بالهند، بل وحتى مع أستراليا، لا تدعم كثيرًا استعداد واشنطن لتلقين الصين درسًا.
فالعلاقات الحالية بين واشنطن وبكين تركز أكثر على الجانب الاقتصادي، وبالنظر إلى التصريحات المتبادلة بين الجانبين، هناك العديد من المواد القابلة للاشتعال، لكن الشرارة لم تندلع بعد. ويبقى السؤال المطروح: هل الوقت المحدود المتاح لإدارة ترامب سيكون كافيًا للبدء والانتهاء من جولة حاسمة ضد الصين؟ لا يزال هذا الأمر محل جدل واسع.
إنّ الحرب في أوكرانيا تُبطئ إيقاع ترامب بلا شك. وهذا جليّ. وإحدى الركيزتين الرئيسيتين لهذا التقييد هي استمرار وجود الدوائر التي توصف بأنها "تابعة لبايدن" داخل الإدارات الأوروبية والأمريكية. والغريب أن كثيرين يتعاملون مع هذه المسألة باعتبارها منطقة ضبابية أو غير واضحة، لكنها ليست كذلك على الإطلاق. فقبل أقل من أسبوع، أقالت وزارة الخارجية الأميركية 1300 موظف. ولا مشكلة في أن يكون ذلك ضمن سياسة تقشف أومسألة التوفير المالي، لكن السؤال المهم هو: كيف يتم اختيار من يُقالون؟ وعلى أي أساس؟
إليكم دليلا آخر: صرح السفير الأمريكي باراك مؤخرا قائلاً: "قسد" هي "واي بي جي"، وتنظيم "واي بي جي" هو فرع من تنظيم "بي كي كي" وبذلك، فقد أعلن بوضوح أن "قسد فرع من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي" وهذا سيسبب صداعًا للولايات المتحدة. لم تمضِ 24 ساعة حتى شعر السفير "باراك" بالحاجة إلى التراجع عن تصريحه، لكنه لم يتمكن من ذلك، فاختار التخفيف من حدّته بقوله: "لم أقل أبدا إن "قسد" فرع من تنظيم بي كي كي". وأضاف "واي بي جي" انبثق من فروع مختلفة لتنظيم "بي كي كي".
هذا التراجع المتسرّع في التصريحات يعكس الضغوط القادمة من تلك "الدوائر السامة" في واشنطن التي لا تزال في صراع مع الرئيس ترامب. فقد تم تخفيف حدة هذه التصريحات لأنهم أبدوا ردود فعل عنيفة.
أما الدليل الثاني، فهو ما تطرحه روسيا منذ بداية الحرب وحتى الآن، حيث ترى أن التصعيد الغربي تجاهها بسبب "نية سيئة" مبيتة تهدف إلى إسقاط روسيا من موقع "اللاعب العالمي"، وتحويلها إلى مجرد "فاعل مُذعن" في الصراعات الجيوسياسية العالمية.
لكن هذه الحسابات لم تنجح، والوقائع على الأرض لا تدعمها. وترامب يدرك ذلك. ورغم تصريحاته بأنه "غير منزعج" وحتى إرساله صواريخ باتريوت، إلا أن ذلك لا يعدو كونه صفقة بيع أسلحة لأوروبا، ولا يتدخل في كيفية استخدامهم للأسلحة التي يشترونها. السؤال الوحيد الذي ينبغي طرحه لاختبار جدية إنذار ترامب لروسيا الذي حدده بخمسين يومًا، هو: هل سيتحمّل ترامب مسؤولية حرب بايدن؟"
تركيا من جهتها، تمسك بمفتاح الباب في قلب العالم. وكل يوم تضيف إلى هذا الباب مفصلات جديدة وأقفالاً إضافية. والظرف السياسي الراهن يخدمها في ذلك. غير أن السؤال الأهم الذي لا يزال قائمًا هو: لمن ستُفتح هذه الأبواب؟ وبوجه من ستوصد؟
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة