
الباحث والأستاذ الجامعي محمد مظهر شاهين يسلط الضوء في مقاله على الدور الذي لعبته تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان في مواجهة الطغيان والاضطهاد الذي تعرض له المسلمون في عدة مناطق
ليس في الشرق الأوسط وحده، بل من آسيا إلى أفريقيا، يتعرض المسلمون خلال القرن الماضي لما يبدو وكأنه اضطهادٌ منظّم. فمن أراكان إلى تركستان الشرقية، ومن السودان إلى العراق، ومن سوريا إلى أفغانستان، ومن فلسطين إلى ليبيا، شهدت هذه الرقعة في أزمنة مختلفة اعتداءات على الإسلام والمسلمين. وكثير من هذه البلدان كانت يومًا ما جزءًا من جغرافيا الدولة العثمانية. إن النظر إلى هذه المناطق بوصفها امتدادًا لإرثٍ تاريخي، لا مجرد دول متفرقة، يساعد على تقييم المسألة بصورة أدق
ومنذ أفول الدولة العثمانية حتى السنوات التي بدأ فيها نفوذُ رجب طيب أردوغان يتعزّز، أدرنا ظهورنا عن هذه الجغرافيا لأسباب متعددة، وغُضّ الطرف عمَّا جرى فيها من مظالم. وقد شكّل تصريح أردوغان الشهير في دافوس عام 2009، المعروف بـ«وان مينيت»، نقطة تحوّل؛ إذ بثّ الأمل لدى مسلمين كُثر كانوا قد فقدوا الثقة بتركيا، ورأوا فيه إشارةً إلى عودة تركيا إلى رسالتها التاريخية
وفي فلسطين، كان أردوغان من أوائل القادة الذين واجهوا بوضوح سياسات إسرائيل المستمرة منذ عقود. ومع اندلاع الحرب الداخلية في سوريا عام 2011، وقفت تركيا إلى جانب الشعب السوري المظلوم، واحتضنت ملايين الكبار والنساء والأطفال الفارين من الحرب. وقدّمت من جنودها شهداء، وتأثّر اقتصادها، ودخلت في توتّرات مع دول عدة؛ غير أنّ النظرة الاستعادية اليوم تُظهر أنّ تركيا بقيادة أردوغان وقفت في الجانب الصحيح من التاريخ
وفي عام 2012، حين بلغ القمع في سوريا ذروته، قال أردوغان: «إن شاء الله سنصلي صلاة الشكر في الجامع الأموي، وسنعانق إخواننا هناك بمودة، وسنضع حدًّا لظلم الأسد». وقد شكّلت هذه الكلمات بريق أملٍ للسوريين بينما كانت الطائرات الحربية في السماء. ولم يجد السوريون كثيرًا من الدول والقيادات العربية ما كانوا يتوقعونه من دعم، بينما وقفت كل من قطر وتركيا إلى جانب الشعب السوري منذ اللحظة الأولى، وقدّمتا دعمًا عسكريًا واقتصاديًا للجيش السوري الحر وللهياكل السياسية المعارضة آنذاك
على امتداد هذه الحقبة، تعزّزت ثقةُ المسلمين بتركيا، وامتدّت يدُها مجددًا إلى أراضٍ اضطُرت للانسحاب منها قبل قرن. واليوم، وبموجب الاتفاق العسكري الموقّع بين تركيا وسوريا، ستدعم تركيا عملية تعتزم الحكومة السورية إطلاقها ضد قسد. بالإضافة إلى ذلك، ستقف تركيا إلى جانب سوريا في مواجهة أي اعتداءات قد تصدر عن إسرائيل، مما يجعل إسرائيل أقل قدرة على التحرّك بحرية في غزة أو على حدود الدول المجاورة
نعم، لقد انتهى ظلمُ الأسد في سوريا، غير أنّه استمرّ أربع عشرة سنةً دامية. والمشهد في غزة ليس بعيدًا عن ذلك؛ إذ تطبّق إسرائيل على غزة ما يشبه ما تعرّض له السوريون طويلًا. وما بين ما فعله الأسد وما يفعله بنيامين نتنياهو لا يبدو فرقٌ جوهري؛ فكلاهما أفضى إلى إراقة دماء المسلمين في المنطقة
وفي غزة، حيث بلغ الاضطهاد ذروته، يُقتل كل يومٍ مئاتٌ تحت القصف أو يموتون جوعًا، حتى غدا أهل غزة بين خيارين لا يقلّ أحدهما مرارةً عن الآخر. وفي خضم هذه اللحظات، وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نداء إلى أهل غزة والمقاومين هناك، على غرار ندائه السابق للسوريين عام 2012، فقال: «إن شاء الله سنصلي صلاة الشكر في غزة، وسنعانق إخواننا هناك بمودة، وسنضع حدًّا لظلم نتنياهو». وقد بعث هذا النداءُ الطمأنينة في قلوب المسلمين، وفي مقدّمتهم أهل غزة
ذلك أنّ أردوغان، إذا وعد أن يفعل شيئًا، أوفى به
ـ حين قال إنه سيعيد آيا صوفيا إلى صفتها كمسجد، أنجز ذلك
ـ وحين أكّد أنه لن يسمح بالتدخّل في قطر، قدّم لها الدعم
ـ وحين تعهّد بمساندة أذربيجان في استعادة قره باغ، أسهم بدعمٍ عسكري معتبر في تحقيق هذا الهدف
ـ وحين أعلن أنه لن يفسح المجال لقوات حفتر والمرتزقة الروس في ليبيا، حال دون تقدّمها في مناطق واسعة
ـ وحين قال إنه سينهي قمع الأسد في سوريا، قدّم الدعم في هذا الاتجاه مستهدفًا إسقاطه
ـ وحين تعهّد بدعم أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة، كان من أقوى الداعمين لمسار نهوضها من جديد
ـ وحين وعد بمساندة باكستان في صراعها مع الهند، اتخذ خطوات أثّرت في مسار الصراع لصالح باكستان
ـ وحين أعلن عزمه القضاء على حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وفي جوارها، دفعه إلى التراجع وإلى القبول بترك السلاح
ـ وحين أكّد أنه لن يسمح بقيام دولة كردية على الحدود الجنوبية لتركيا، التزم ذلك حتى اليوم، ولن يسمح به مستقبلًا، وسيتحرك بالتنسيق مع الحكومة السورية ضدّ قسد
وأخيرًا، بشّر أردوغان أهلَ غزة بقرب الفرج، وأعلن أن ظلم نتنياهو إلى زوال. وليس المسلمون في تركيا وحدهم من يدرك ذلك؛ بل المسلمون في أرجاء العالم، وحتى نتنياهو نفسه، يعلمون أن أردوغان إذا عاهد صدق. وسيؤول الظلم في غزة، عاجلًا أو آجلًا، إلى نهاية
نسأل الله أن يكتب إنهاء هذا الظلم، وأن يجعل النصر على يد الأمة التركية التي حملت راية الإسلام لقرون طويلة
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لـ"يني شفق العربية"