بين إسرائيل وتركيا.. خيار ما يزال مطروحا

08:4220/07/2025, الأحد
تحديث: 20/07/2025, الأحد
نيدرت إيرسانال

لنبدأ بتوضيح ما يلي: لقد مضى أكثر من شهر على تصريح السفير الأمريكي باراك، الذي قال فيه: "يجب علينا إنشاء نظام حماية حول الشرع". وإذا كنا لم نأخذ هذا التصريح على محمل الجد حينها، فلنأخذ على محمل الجد الدعوة التي أطلقها وزير الأمن القومي الإسرائيلي لاغتيال الرئيس السوري، وسط الأحداث الجارية في جنوب سوريا. إن تصريح الوزير الإسرائيلي: "علينا القضاء عليه"، ليس التهديد الأول من نوعه. فقد سبقه وزير الشتات الإسرائيلي "شيكلي"، الذي دعا إلى اغتيال الشرع أيضاً، عبر تلميحات مرتبطة بحركة حماس. والجميع يعلم أنهم


لنبدأ بتوضيح ما يلي: لقد مضى أكثر من شهر على تصريح السفير الأمريكي باراك، الذي قال فيه: "يجب علينا إنشاء نظام حماية حول الشرع". وإذا كنا لم نأخذ هذا التصريح على محمل الجد حينها، فلنأخذ على محمل الجد الدعوة التي أطلقها وزير الأمن القومي الإسرائيلي لاغتيال الرئيس السوري، وسط الأحداث الجارية في جنوب سوريا.

إن تصريح الوزير الإسرائيلي: "علينا القضاء عليه"، ليس التهديد الأول من نوعه. فقد سبقه وزير الشتات الإسرائيلي "شيكلي"، الذي دعا إلى اغتيال الشرع أيضاً، عبر تلميحات مرتبطة بحركة حماس.

والجميع يعلم أنهم يبرعون في الغدر والاغتيال، كما شهدنا في طهران. ولكن في حال نجاح أي محاولة تستهدف الشرع، لن يكون من السهل تعويضه أو إيجاد بديل له. ولهذا فإن مسؤولية حماية الشرع لا تقع على عاتق المسلحين من حوله بقدر ما تقع على كاهل الأجهزة الاستخباراتية.

وترى أنقرة جميع تحركات إسرائيل في المنطقة جزءا من سياسة عامة لزعزعة الاستقرار. والسبب وراء ذلك يبدو واضحًا: إدارة تل أبيب لتوازناتها الداخلية، وقمع التطورات التي لا تخدم مصالحها في العمليات الخارجية، أو على الأقل تأجيلها.

ورغم أن نتنياهو يواصل سياساته فوق أرضية برلمانية هشة، فإنه لم يفقد دعمه الشعبي. بل ثمة من يرى أن هذا الدعم في تزايد. كما أن استمرار حالة الحرب يساهم في تغذية هذا الواقع.

أما التطورات الخارجية فهي أكثر تعقيدًا وتداخلًا.

فاستهداف إيران بالتنسيق مع الولايات المتحدة لا يعني أن إدارة ترامب تنتهج سياسة تجاه طهران قائمة على الدعم المطلق لإسرائيل. كما أن مواقف دول الخليج واضحة؛ فهي لا تخفي انزعاجها من احتمال إشعال فتيل يُخرج إيران عن مسارها، في وقتٍ لا تزال فيه غزة تحت القصف. وهذا أمر تدركه واشنطن جيدًا.

ويشكل العراق أيضاً مشكلة لإسرائيل. فموقف بغداد من الملف الإيراني، وسياستها تجاه تنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي، فضلاً عن العلاقات المتنامية مع تركيا، كلها تشكل مصادر قلق لتل أبيب.

أما اليمن، فهو أشبه بصداع نصفي دائم لإسرائيل، قد يهدأ أحياناً لكنه لا يختفي. ولكن تبقى سوريا هي المعضلة الكبرى بالنسبة لإسرائيل. فـ"دمشق الجديدة"، التي تحظى بدعم صريح من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والسعودية، تعيد تركيا إلى الواجهة وتجعلها على أعتاب الكيان الإسرائيلي.

إن التقدم السريع لتنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي نحو نهايته، وتسليمهم السلاح في العراق، وتعرّضه لضغوط أمريكية لإعلان الولاء لدمشق، إلى جانب العلاقات السورية التركية العميقة، والوجود الفعلي للقوات المسلحة التركية في البلاد، كلها تشكل كابوسًا مكتمل الأركان لإسرائيل.

كما تبرز مؤشرات تدلّ على أن الاتصالات بين دمشق وتل أبيب لا تسير على نحوٍ جيد. فالهجمات التي شنّتها إسرائيل ورفعت فيها سقف التصعيد إلى حدّ استهداف القصر الرئاسي السوري ورئاسة الأركان، بذريعة حماية الدروز، جاءت في أعقاب لقاءات إسرائيلية سورية عُقدت في أذربيجان، وشابها الكثير من "سوء الفهم"...

ويمكن إضافة ما تتعرّض له إسرائيل من ضغوط دولية بسبب الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة، بغضّ النظر عن مدى قبول ذلك أو رفضه، كعامل آخر في هذا السياق. كما يُلاحظ أن إدارة ترامب، مقارنة بإدارة بايدن، كانت أقلّ تعاطفًا في هذا الملف، ويُضاف ذلك إلى المشهد الكلّي.

حتى هذه النقطة، يمكن اعتبار ما ورد "ملخّصًا للوضع الظاهر". وعندما نُوجّه المرآة نحو تركيا، يتضح أن الوضع الإقليمي الراهن يُشكّل "فرصة جيوسياسية هائلة".

فحتى سوريا وحدها باتت تشكّل ظرفًا جديدًا ذا قيمة استراتيجية لا يمكن لأنقرة تحمّل خسارتها. إن انحراف هذا المسار، أو تعثّره بأي شكل من الأشكال، أمرٌ غير مقبول بالنسبة لتركيا. ولن تنجح أي محاولات لتعكير هذا الجو، سواء كانت استفزازات أو فخاخًا أو ألاعيب أو مغريات فلن تجد صدى لدى أنقرة، بل قد تتصدى لها بشراسة حتى وإن استلزم الأمر تفكيكها.

كما أنّ تركيا نجحت في الربط بين أطرافٍ يصعب وصلها. فعقب توديع الرئيس التركي لزعيم دولة الإمارات يوم الخميس، صرّح قائلاً: "سنواصل تعزيز علاقاتنا مع الخليج بشكل أكبر". ولم تمضِ ساعة حتى جاءت تصريحات من الرياض تقول: "عشر دول عربية وتركيا تدعم أمن سوريا وتدين إسرائيل". ورغم أن لفظة "الإدانة" قد تُثير حساسية أو تحفظًا لدى البعض، إلا أن التكتل المذكور يُعد محوريًا ويجب الحفاظ عليه وعدم السماح بتفككه.

إلا أن صبر الرأي العام التركي إزاء إسرائيل قد بلغ منتهاه. فقد استُنزف في غزة، قبل أن تصل المسألة إلى سوريا. ولذلك يترقّب الناس موقفًا ملموسًا قويًا، ويبعث برسالة واضحة.

وفي سوريا، لدى تركيا عدّة "خطوط حمراء". إلا أن أكثرها حدةً وحساسيةً هو ما يتعلق بـ"محاولة إنشاء ممر بين الشمال والجنوب". وقد تمّ التعبير صراحةً عن الهدف النهائي من هذا الممر على لسان الرئيس التركي نفسه، كما حذّر وزير الخارجية من مغبّته.

ثانيًا: في حال سقوط النظام في دمشق أو اندلاع فوضى عارمة، فإنّ تركيا ستلجأ إلى اتخاذ موقف حاسم. هذين السيناريوهين يُعدّان أصلًا من ضمن “السيناريوهات السيئة”، وقد وُضعت لها بالفعل الردود المناسبة. أما المسألة الجوهرية فتكمن في كيفية التصدي للهجمات المنهجية التي تستهدف زعزعة الاستقرار. فسوريا بحاجة ماسّة إلى فترة طويلة من الهدوء والاستقرار، في حين أنّ إسرائيل لن تتوقّف، مما يعني استمرار الفوضى، ومن ثمّ غياب أي فرصة لتشكيل نظام مناعة داخل الدولة…

فما العمل إذًا؟

يتعيّن على تركيا أن تتقدّم أكثر “ نحو المركز”. وقد يكون هذا التقدّم على هيئة “قواعد عسكرية”. فبعد تغيّر السلطة في دمشق، شاع كثيرًا الحديث عن إمكانية إنشاء قاعدة أو قواعد تركية هناك، ثم خفَتَ هذا الطرح تدريجيًّا. مثل هذا الوجود العسكري من شأنه أن يُفقد إسرائيل صوابها، لا سيّما إن تمركز في حلب أو أطرافها، حيث سيكون الأثر أشدّ. وما استشعرناه هو أن رد الفعل الأمريكي على هذا الأمر ما يزال غير واضح. ولكن لا يبدو أن أي قوة إقليمية أخرى قادرة على الاعتراض.

عندما طُرح موضوع القواعد لأول مرة، واجهته بعض وسائل الإعلام وبعض الكتّاب والمعلّقين بردود فعل حادة. ونظرًا لافتقارهم إلى الرؤية المستقلة، يمكن الافتراض بأنّهم كانوا يعبّرون عن "آراء مصادرهم". والحقيقة أن المرء يتملكه الفضول لمعرفة من هم هؤلاء "المصادر"، وما هي مبرراتهم.

وهناك خيار آخر يتمثل في تزويد النظام السوري بأسلحة تجعل إسرائيل تتردد وتفكر قبل اتخاذ أية خطوة. وتركيا هي من ستقرر مدى استعدادها لتحمُّل هذه الخطوة، ولكن بمجرد اتخاذ القرار، فإن التفاصيل تصبح غير ذات أهمية. كما يمكن الدفع بعمليات استخباراتية إلى الميدان، وأنا أرجح هذا الخيار، فهو الأقرب إلى مبدأ “المعاملة بالمثل”. ولنا في الحراك العربي داخل سوريا مؤشر واضح على ذلك.

ونؤكد مجددا: إنّ تركيا تُولي أهمية كبيرة للتوافق الإقليمي متعدد الأطراف الذي تمّ التوصل إليه، وتسعى للحفاظ عليه عبر الأدوات الدبلوماسية والصبر الاستراتيجي. لكن هذا الموقف سيوضع على المحكّ إذا استمرّت إسرائيل في تصعيدها. حينها سيصبح من الصعب جدًّا التزام الحياد.

لقد شنّت إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية هجمات على خمس دول في المنطقة. ولم تكن تركيا في أيٍّ من تلك الحالات هي الطرف المعني مباشرة بردعها. غير أن تل أبيب تسعى الآن لجرّ أنقرة إلى ساحة المواجهة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستبتلع أنقرة هذا الطُعم؟


#إسرائيل
#تركيا
#سوريا
#أحمد الشرع
#نتنياهو
#الدروز
#دول الخليج