هل تسعى روسيا إلى اختبار تركيا عبر أذربيجان؟

08:1723/07/2025, الأربعاء
تحديث: 23/07/2025, الأربعاء
نيدرت إيرسانال

في ختام قمة الناتو التي عُقدت في هولندا يومي 24-25 يونيو، عقد الرئيس أردوغان مؤتمرًا صحفيًا، وأجاب على أسئلة الصحفيين ولا سيما الأجانب. وبالإضافة إلى الأسئلة التي تمحورت عموما حول الناتو وأوكرانيا والعلاقات التركية الإسرائيلية، طرح صحفي أذربيجاني السؤال التالي: «سيادة الرئيس، قبل عامين، خلال قمة الناتو في فيلنيوس، طرحتُ عليكم سؤالاً: "متى ستغادر القوات الروسية أذربيجان؟" وقد أجبتم حينها: "القوات الروسية ستغادر أذربيجان." فمتى سيحدث ذلك فعلاً؟ ومتى ستأتي القوات التركية إلى أذربيجان؟ فغياب الجيش

في ختام قمة الناتو التي عُقدت في هولندا يومي 24-25 يونيو، عقد الرئيس أردوغان مؤتمرًا صحفيًا، وأجاب على أسئلة الصحفيين ولا سيما الأجانب.

وبالإضافة إلى الأسئلة التي تمحورت عموما حول الناتو وأوكرانيا والعلاقات التركية الإسرائيلية، طرح صحفي أذربيجاني السؤال التالي:

«سيادة الرئيس، قبل عامين، خلال قمة الناتو في فيلنيوس، طرحتُ عليكم سؤالاً: "متى ستغادر القوات الروسية أذربيجان؟" وقد أجبتم حينها: "القوات الروسية ستغادر أذربيجان." فمتى سيحدث ذلك فعلاً؟ ومتى ستأتي القوات التركية إلى أذربيجان؟ فغياب الجيش التركي يعني بقاء خطر الاحتلال الروسي قائماً دائماً. هذا ما نفهمه، وشكراً لكم.»

فكر الرئيس قليلاً قبل أن يجيب، وفي تلك اللحظات، تساءلت في نفسي: "هذا غريب، هل ما زال هناك جيش روسي في أذربيجان؟"

ثم جاء رد الرئيس أردوغان على النحو التالي: "القوات الروسية غادرت أذربيجان الآن، ولم تعد موجودة هناك. وبما أنها انسحبت، فلا مبرر لهذا السؤال بعد الآن. لقد زرتُ قره باغ مؤخراً، ولا وجود لأي شيء من هذا القبيل هناك. أذربيجان الآن تبذل جهدها لفرض سلطة الدولة في تلك المنطقة وجعلها قابلة للعيش".

غير أنّ سؤالًا ظلّ عالقًا في ذهني: كيف لمراسل أذربيجاني ألا يعلم بأن الجيش الروسي لم يعد موجوداً هناك؟

إن السبب الذي جعلني أستعيد هذا التساؤل الغريب المحير اليوم، هو البيان الذي صدر يوم الاثنين من الكرملين.

إذ صرّح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قائلاً: "العلاقات بين روسيا وأذربيجان قائمة على أسس متينة، والتعاون بين البلدين قائم على المصالح المشتركة. إلا أنه في بعض الأحيان، تمر العلاقات بين البلدين بفترات عصيبة، ونحن الآن نعيش واحدة من هذه الفترات. ونأمل أن نتجاوزها قريباً. الكرملين يولي أهمية كبيرة لاحترام الروس في أذربيجان. كما أن في روسيا جالية أذربيجانية كبيرة، وجميع أفرادها تقريبا مواطنون يحظون باحترام مستحق ويلتزمون بالقانون. أما من ينتهك القوانين فيُحاكم ضمن إطار القانون".

هذا التصريح من الكرملين يعيد إلى الأذهان الشق الثاني من سؤال الصحفي الأذربيجاني الموجَّه إلى الرئيس أردوغان..

فبمجرد أن انتفى الشق الأول من السؤال، يبرز الشق الثاني تلقائيًا: "متى ستأتي القوات التركية إلى أذربيجان؟ فغياب الجيش التركي يعني بقاء خطر الاحتلال الروسي قائماً دائماً.

وهذا بدوره يستحق التوقف عنده، أليس كذلك؟

من المعروف أنّ تركيا وقفت إلى جانب باكو في حربها ضد أرمينيا (رغم أنها لم تشارك فعلياً بقواتها المسلحة على الجبهة). كما أن الجميع على دراية بمتانة العلاقات الدفاعية بين البلدين، وهذا لهذا ليس أمرًا مخجلًا ولا مفاجئًا. بل فوق ذلك، هناك "إعلان شوشا" الشهير.

ولكن هل هناك فعلاً تطلعٌ لوجود عسكري تركي في أذربيجان؟ وهل ثمة حاجة فعلية إليه؟ ؟ وإن وُجدت، فما هي هذه الحاجة ولماذا الآن؟

يمكننا سرد الأحداث التي أدت إلى تصاعد التوتر بين روسيا وأذربيجان: إسقاط الطائرة، وسوء معاملة المواطنين الأذربيجانيين في روسيا بشكل ممنهج على ما يبدو، والاحتجاجات المتبادلة، وما إلى ذلك...

ولكن ما هو السبب وراء هذه الأحداث؟...

بحسب تصريحات ديمتري بيسكوف، فإن "الفترة العصيبة في العلاقات بين البلدين لا تزال قائمة". ونحن نعلم أن أنقرة ناقشت هذه التوترات مع موسكو، وشهدنا انخفاضًا في حدة التصعيد. ولكن يبدو أن الغليان الداخلي لا يزال مستمرًا في كل من موسكو وباكو.

هناك ثلاثة عوامل رئيسية مترابطة في الديناميكيات الإقليمية قد تؤدي إلى هذا:

أولاً: اتفاقية السلام بين أذربيجان وأرمينيا، ورغ أن التوقعات تشير إلى توقيعها قبل نهاية العام، إلا أنّ محاولة الانقلاب ضد حكومة باشينيان، والتي يُعتقد أن روسيا دعمتها سياسيًا على الأقل، إلى جانب عمليات تُنفذ من خلال الكنيسة، كلّها تعكس المخاوف الروسية من الجيوسياسات الجديدة التي قد تشجّع على تكرار نماذج مشابهة في مناطق أخرى. وتشمل هذه المناطق جورجيا، وحوض بحر قزوين، والجمهوريات التركية. ويبدو أن روسيا تشك في وجود محاولة غربية للالتفاف عليها من الشرق بينما هي مشغولة في أوكرانيا.

ثانيًا: القضية الإيرانية، إنه موضوع مستقل بحد ذاته، تتقاطع مصالح طهران وموسكو وبكين في علاقات إيران مع الغرب وأمريكا، وخاصة الملف النووي. وتعتبر القوتان العظميان أن هذا الأمر هو محاولة من الغرب، الذي تراجع نفوذه في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، لاستعادة تفوقه الاستراتيجي، وتريدان أن يقتصر هذا الأمر على إيران. ويُلاحظ أن روسيا تقابل المرونة التي أظهرها ترامب بشأن أوكرانيا بمرونة مماثلة في الملف الإيراني.

ثالثاً: الولايات المتحدة وممر زنجيزور. لا خلاف على القيمة الإستراتيجية للممر، فهو يربط البر الرئيسي الأذربيجاني بنخجوان ومنها إلى تركيا، أي "بالعالم". ولا يزال مقترح السفير باراك في منتصف يوليو حاضراً في الأذهان: "32 كيلومتراً فقط، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه منذ عشر سنوات. فلتتكفل أمريكا بذلك. امنحونا هذا الطريق لمدة 100 عام، وسيمكنكم استخدامه جميعاً". من المؤكد أن الكرملين وطهران يفهمان ما تعنيه هذه التصريحات.

لقد سبق أن عرضنا السياق الجيوسياسي والاستراتيجي العالمي لهذا الموضوع في 9 يوليو، وهو مهم، ولكن دعونا الآن نفصّله بنداً بنداً:

إيران: تعارض بشدة ومنذ البداية. ولا تزال مصرة على موقفها.

أرمينيا: تعارض تسميته بـ"ممر زنجيزور". وتزعم أنه يشكل تهديداً لسيادتها.

أذربيجان: اعتراض باكو تقني بحت؛ إذ ترى أن أرمينيا غير قادرة على ضمان مرور آمن دون عراقيل.

تركيا: تؤيد المشروع لما له من أهمية ليس فقط في إطار السلام بين أرمينيا وأذربيجان، بل في مسار التطبيع بين تركيا وأرمينيا، وفي خط آسيا الوسطى. وقد لفتت استضافة الرئيس أردوغان لرئيس وزراء أرمينيا باشينيان انتباه الجميع، فممر زنجيزور يُعد حلقة محورية في سلسلة "الممر الأوسط" الذي تعول عليه تركيا كثيرًا.

أما روسيا، فإنها تدرك أن المشروع سيُضعف المسارات التي تمر عبر أراضيها. ومع توقف "الممر الشمالي" نتيجة الحرب في أوكرانيا، فإن زنجيزور سيزيد من هشاشة هذا الخط. والأهم من ذلك، أنّ هذا المشروع سيجسّد عودة الغرب، الذي تم طرده سابقاً من المنطقة.

وباختصار فإن التوتر بين أذربيجان وروسيا هو أحد مظاهر تراجع النفوذ الروسي والإيراني في جنوب القوقاز.


#روسيا
#تركيا
#أذربيجان
#الرئيس أردوغان