
يعلم الجميع أن تنفيذ الخطط يواجه صعوبات محتملة، حتى تلك التي تبدو مثالية على الورق. لم تُطبق أي فكرة أو إنتاج ذهني على أرض الواقع كما وُضعت في ذهن صانعها تمامًا. وما أُشير إليه هنا لا يقتصر على الأحلام غير المحسوبة، بل يشمل أيضًا الأهداف التي كُبرت في الخيال منذ البداية، والتي من الواضح أنها قد لا تجد انعكاسًا عمليًا.
حتى الشاعر هولدرلين أدرك هذا، وخاطب روحه قائلاً: "لا تطلب مني المستحيل، بل استنفد مجال الممكن." فالأحلام ليست سهلة التخطيط، وما أقصده هنا هو الأهداف الواقعية، الخاضعة لانضباط التخطيط، والتي لا تطير في فضاءات الخيال اللامحدود، والتي تلامس أرض الواقع ولو بشكل جزئي.
ومع ذلك، حتى هذه الأهداف الواقعية، مهما كانت مدروسة بعناية ومُحسوبة لكل المتغيرات، ستصطدم بصعوبات كبيرة بسبب مقاومات العالم العملي وعوامل غير متوقعة. إن أخذ ذلك في الحسبان منذ البداية يزيد من فرص نجاح أي خطة جزئيًا على الأقل. ولهذا السبب، من المهم الانتباه إلى حجم الخطط نفسها، فكلما كانت الخطة كبيرة وشاملة، كلما تطلب الأمر تقسيمها إلى أجزاء أصغر والعمل تدريجيًا للوصول إلى الهدف الرئيسي. أي أن منهجية الاستقراء أفضل هنا من الاستنباط، مع ضرورة عدم المبالغة في التفاصيل.
الخلاصة: يجب التفكير بشكل كبير مع مراعاة التفاصيل، والانتباه إليها دون الانغماس فيها، مع الحفاظ على الالتزام بالأهداف الرئيسة.
أما فيما يتعلق بأداء ترامب، فهو يظهر أداءً متقلبًا للغاية، وغير متسق، حيث تتناقض أقواله أحيانًا مع أفعاله. وإذا حاول قادة العالم الانطلاق من هذا التقلب اليومي كأساس للتعاون معهم، فسيكون ذلك خطأً جسيمًا. وربما يكون من الأفضل محاولة فهم الخطط الكبرى لترامب أولًا، ثم دراسة انعكاساتها على المستوى المحلي لكل دولة، وحساب ما يمكن أن تواجهه كل دولة ضمن نطاقها.
أحد أبرز الخطط الكبرى التي ينفذها ترامب بثبات نسبي، هو عدم الانخراط المباشر في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك الصراع بين روسيا وأوروبا في هذا السياق. أولئك الذين اعتبروا ذلك بداية للتقارب الأمريكي-الروسي أو نافذة للتعاون، أخطأوا في تقديرهم مع مرور الوقت. في رأيي، هذا المسار يهدف إلى خلق مسافة بين ترامب وفلاديمير بوتين وروسيا، خاصة بعد أن أدرك أنه لن يحقق ما يريده في ألاسكا، فحدد هذه المسافة بطريقة متسقة وبدأ بتطبيقها.
ما هو مؤكد: ترامب لا يريد مواجهة روسيا مباشرة. وربما يشعر بالارتياح نسبيًا من تصاعد التوتر بين أوروبا وروسيا، إذ يمكن أن يحقق أرباحًا لصناعات السلاح الأمريكية، ويضعف منافسيه السياسيين الأوروبيين الديمقراطيين الذين يكرههم، مستثمرًا بعد ذلك في دعم قيادات يمينية متطرفة على غرار أوربان. يرى أن الحرب أضرت بأوروبا وروسيا معًا، لكن هدفه الأكبر هو تعطيل تجارة الطاقة الروسية بالكامل، وإجبار أوروبا على الاعتماد على الغاز الصخري الأمريكي، بالإضافة إلى السيطرة على مصادر الطاقة في بحر قزوين والخليج والبحر المتوسط الشرقي، لتحقيق هيمنة عالمية.
ثالثًا، يعتبر الصين خصمًا رئيسيًا، ويريد السيطرة على سلاسل التوريد في طريق الحرير الجديد وطريق التوابل الجديد، دون الدخول في صراعات مباشرة مع روسيا أو الصين، أي إضعافهما اقتصاديًا وعسكريًا من دون حرب.
في طريق الحرير الشمالي، الرابط بين الصين وروسيا، العلاقة مع روسيا معطلة بالفعل، بينما منطقة تركستان تكتسب أهمية حيوية لكل من روسيا والصين. ومن الواضح أن الدور القادم سيتركز على تركستان. جمع الدول الخمس هناك مؤخرًا في واشنطن يعكس نية ترامب لإنشاء طريق حرير موازٍ يخالف المشروع الصيني.
خارج تركستان، هناك منطقتان مهمتان بالنسبة لترامب: باكستان والهند. يسعى لفصل باكستان عن الصين، والهند عن روسيا. النزاعات الأخيرة بين إيران-باكستان، والهند-باكستان، وأفغانستان-باكستان كانت وسيلة لإظهار القوة وتخويف هذه الدول. كما أن الرسوم الجمركية الثقيلة على الهند جزء من سياسة الضغط هذه. وفي الوقت نفسه، يستخدم القوة الناعمة، محاولًا استمالة باكستان بطريقة استراتيجية.
يجب التنويه إلى أن هناك عوامل قد تعرقل هذه السياسات، أهمها قدرة باكستان والهند على تقبل الابتعاد عن الصين وروسيا. كما لا يمكن توقع أن تتجاهل روسيا والصين هذه التطورات. حتى الآن لم تصدر أي ردود فعل قوية، لكن هذا لا يعني قبولها بالواقع، بل يجب متابعة الأحداث عن كثب.
نقطة أخرى مهمة: صعوبة إنشاء هيكل يشمل باكستان والهند معًا، نظرًا لتناقض مصالحهما وعداءاتهما المتعددة، يجعل هذا التحدي كبيرًا جدًا بالنسبة لأي خطة أمريكية شاملة.
يتبع...
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة