
هل نتيجة انتخابات بلدية نيويورك تشير إلى تحول جذري في التاريخ السياسي للولايات المتحدة؟ في هذا المقال سأحاول تقديم إجابة على هذا السؤال.
للمرة الأولى، أصبح لنيويورك عمدة مسلم، زهران ممداني. ونرى أن هذا الخبر أثار حماسة كبيرة في العالم الإسلامي. ومن اللافت أن الولاية المعنية هي نيويورك، المدينة الرمزية التي تمثل القيم الأمريكية الشاملة التي يُسوَّق لها عالميًا، تمامًا كما يعرف العالم أن المسلمين هم من أكثر الثقافات والأشخاص تعرضًا للإقصاء والتمييز عالميًا. إضافة إلى ذلك، بينما تقود الولايات المتحدة هذا المشهد، فإن انتخاب مسلم كعمدة لهذه المدينة يعكس حدثًا دراماتيكيًا لا يحتاج الكثير من التحليل لفهم حجمه. للتشبيه، يمكن القول إن الأمر يشبه فوز مرشح يساري في انتخابات بلدية برلين أثناء صعود النازية ووصول هتلر إلى السلطة؛ فالأمر يحمل غرابة كبيرة، وخطورة انتخاب ممداني تأتي في سياق الولايات المتحدة التي تتجه بسرعة نحو الفاشية.
في النظام السياسي الأمريكي، يبرز بشكل أساسي حزبان يمثلان القطبين الرئيسيين: الحزب الجمهوري الذي يمثل اليمين الأمريكي، والحزب الديمقراطي الذي يمثل اليسار الأمريكي. لم يكن هناك مكان لحزب ثالث في هذا النظام، ولا يُتوقع أن يظهر في المستقبل. إذًا، المصير السياسي للولايات المتحدة بيد هذين الحزبين. لذلك، لفهم موقع ترامب كجمهوري وممداني كديمقراطي، يجب النظر إلى ثقافة الحزبين السياسيّة.
تشير التجارب إلى أنه طالما سارت الأمور الاقتصادية في المسار الصحيح، فإن الاختلافات بين الحزبين كانت ضئيلة جدًا. كلا الحزبين كانا يرشحان مرشحين ملتزمين بمبادئ النظام الأمريكي الأساسية. وإذا قورنت مفاهيم اليمين واليسار في أمريكا بأوروبا، نجدها أكثر ليونة وأقل تشددًا أيديولوجيًا. لفهم الفروق الدقيقة بين اليمين واليسار الأمريكي، كان من الضروري أن يعيش المرء داخل النظام الأمريكي لفترات طويلة.
ابتداءً من السبعينيات، حدث تحول كبير: فقد أصبح الجمهوريون أكثر تطرفًا واتجهوا نحو الخط النيكوني. كان رونالد ريغان المثال الأول لهذا التحول. هذا التيار حول الحزب الجمهوري الرئيسي إلى قوة هجومية عالمية، وتولى "اليمين الجديد" بقيادة جورج بوش الأب والابن زمام الأمور، حيث ازدادت قوة الجمهوريين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
من جهة أخرى، غذّت الليبرالية الاقتصادية هذا التحول، حيث كان يُعتقد أن القوى الاقتصادية يجب أن تتحرك بحرية دون أي تدخل سياسي أو مؤسسي، بغض النظر عن نتائجها الإنسانية أو مدى خلقها لعدم المساواة الهائل. ومع ذلك، لم تخلُ هذه الحركة من بعض الانقسامات داخل اليمين التقليدي، حيث استمر البعض بالاعتماد على القيم الأبوية التقليدية، بينما سعى آخرون إلى توافق الليبرالية الاقتصادية مع القيم الليبرالية عبر اتباع مفكرين مثل ميز وهَيِك.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت تحولات في الحزب الديمقراطي الذي يمثل اليسار الأمريكي، حيث تأثرت أفكاره بالتيار اليساري الجديد الأوروبي. مع تحرر اليمين الأوروبي (تاتشر، كول)، بدأ اليسار يتحول نحو الليبرالية، وبدأ التركيز يتغير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التقليدية إلى الدولة باعتبارها أصل كل الشرور والثقافة تحت وطأة القمع، مع التركيز على قضايا بيئية، تمييز جنسي، وعنصري وديني.
وهنا يأتي دور ممداني الذي يخرج عن خط الديمقراطيين التقليدي، لكنه يكرر بعض أفكار اليسار الجديد. مع ذلك، لديه برنامج يركز لأول مرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على الأرض. ويحظى بدعم شخصيات مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، بينما يظل جورج سوروس وباراك أوباما على الجانب الآخر. السؤال الآن: إلى أي جانب ستميل الموازين؟
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة