
هل نقترب من نهاية الحرب الروسية الأوكرانية؟ ماذا يعني خطة السلام التي طرحها ترامب؟ وإذا تم تنفيذها، ما هي تداعياتها العالمية المحتملة؟ هذه هي النقاط التي أود تناولها في هذا المقال.
نعلم أن ترامب، الذي أثبت مرارًا أنه لا يشعر بالالتزام بالقانون الدولي والدبلوماسية، شخصية بعيدة كل البعد عن تصميم خطة تتطلب عملاً قانونيًا ودبلوماسيًا دقيقًا وتنفيذها. بالفعل، تظهر الصعوبات في تبني الخطة هذا الواقع. فقد صرح السيناتور روبيو في مجلس الشيوخ بأن الخطة ليست ملكًا لهم، وعندما انكشفت هذه المسألة شعروا بالحاجة لإجراء تصحيحات.
يبدو أن الخطة نتجت أساسًا عن المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة، لا سيما خلال قمة ألاسكا، وتم صياغة النسخة النهائية في الاجتماعات المغلقة بين أوشاكوف وويتكوڤ. لذلك، من الأنسب النظر إلى هذه الخطة على أنها نتاج مشترك بين روسيا والولايات المتحدة.
في مقالات سابقة، أشرت إلى أن توسع الحرب الروسية-الأوكرانية إلى صراع أوسع بين الناتو وروسيا ليس محتملًا جدًا. فقد أبدى بوتين مرارًا أن مثل هذا التوسع سيؤدي حتمًا إلى مواجهة نووية، وإذا حدث ذلك، فإن روسيا مستعدة للمخاطرة بكل شيء. من الواضح أن الولايات المتحدة، وفق منظور ترامب، لن تسمح بزيادة احتمالات الانهيار الشامل في أوروبا التي تديرها الديمقراطيون «المنحطون».
إذن، يبقى احتمال واحد فقط، وهو احتمال معقول لتوسع محدود لصراع أوروبي-روسي من دون مشاركة مباشرة للولايات المتحدة. يمكن تفسير هذا الاحتمال أيضًا على أنه نابع من خطاب أوروبا المعادي لروسيا، الذي يثير مشاعر الهستيريا ضد موسكو. يمكن القول إن نخبة أوروبا السياسية، غير القادرة والضعيفة، تسعى لتصعيد التوتر مع روسيا وإشراك الولايات المتحدة في هذا الفوضى، لكن تحقيق ذلك يحتاج وقتًا طويلًا، ربما عقدًا على الأقل. وحتى ذلك الحين، تبقى الأمور غامضة.
من الواضح أن قادة أوروبا يبذلون جهدًا كبيرًا لوضع ميزانيات جديدة من أجل هذه الاستراتيجية، لكن نجاح هذا التحول يعني أن شعوب أوروبا يجب أن تتخلى عن نموذج دولة الرفاه الاجتماعي المعتاد، أي تحويل الموارد من النفقات الاجتماعية إلى النفقات العسكرية، وهو أمر صعب جدًا. ومن هنا، من المؤكد أن مثل هذه السياسة ستؤدي إلى اضطرابات اجتماعية كبيرة. خصوصًا وأن اقتصادات الدول الأوروبية، التي تعاني بالفعل من خسائر كبيرة، ستجد صعوبة بالغة في إقناع شعوبها بتنفيذ هذا التحول.
كما أن التهويلات الداخلية حول «الخطر الروسي» لا تلقى صدى عند شعوب الرفاه الاجتماعي. هناك خطران رئيسيان يواجهان هذه المجتمعات: الأول انخفاض معدل المواليد وانكماش السكان، والثاني فقدان بعض المشاعر الوطنية التي تدعم التعبئة العسكرية. فقد أظهرت الدراسات في ألمانيا أن نسبة من يجيبون بـ «نعم» على سؤال «هل ستضحون بحياتكم من أجل الوطن؟» تبلغ 25% فقط، وهو مؤشر واضح. من المتوقع أن تظهر نسب مماثلة في دول أوروبية أخرى.
تشير هذه المعطيات إلى أن احتمال توسع الحرب الروسية-الأوكرانية على المدى المتوسط ليس كبيرًا. وهذا يوفر لنا فهمًا للأرضية الممكنة لتنفيذ خطة السلام. روسيا ترى أن الوقت يعمل لصالحها، ومن الواقع الميداني نلاحظ أن الظروف تتطور بسرعة لمصلحتها. ومن خلال استغلال هذا الوضع، ترفع روسيا مستوى مطالبها إلى الحد الأقصى. والجانب الروسي يرى أن النسخة الأولية من الخطة توفر له فرصة لإبراز مطالبه بقوة أكبر، مع دعم مبدئي متحفظ من الأطراف الأخرى.
في الواقع، إذا تم تنفيذ هذه الخطة، ستكون روسيا هي الرابح الواضح. من المرجح أن تُقسّم أوكرانيا، وأن يُضم شرقها بالكامل إلى روسيا. أما زيلينسكي والكوادر الداعمة له، فلا تنتظرهم نهاية جيدة، وسيحدث صراع داخلي كبير في أوكرانيا، ما يشير أيضًا إلى الفراغ الكبير الذي ستدخل فيه أوروبا.
لا حاجة للتفكير كثيرًا لتقدير أحد النتائج العالمية الأولى لهذه الخطة، وهو تراجع النخبة السياسية الأوروبية التي يراها ترامب امتدادًا للديمقراطيين الذين يكرههم. ومن المرجح أن يحل محلهم نخبة يمينية متطرفة ضيقة الأفق ومعادية للأجانب. وإذا كان من المقرر إعادة التقارب بين الولايات المتحدة وأوروبا، فمن المرجح أن يتم ذلك عبر صعود امتداد ترامب في أوروبا، وهو السيناريو الذي يفضله بوتين أيضًا، لأن معظم الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة كانت معارضة للحرب منذ البداية.
التجمع الذي يريده ترامب يشمل محورًا يمينيًا متطرفًا يضم الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. ويمكن أن يؤدي تبلور هذا التجمع في مواجهة مشتركة مع الصين إلى نقاش عالمي آخر كبير. ومن الواضح أن إدارة الولايات المتحدة الحالية ترى أن هذا هو الهدف المرجو.
ومع ذلك، ليس تنفيذ ذلك أمرًا سهلاً، وروسيا ستلعب دورًا رئيسيًا هنا. فهي تعرف أن الانتصار بمفردها على الصين في المنافسة مع الولايات المتحدة قد يؤدي إلى خسائر جسيمة، خصوصًا في سيبيريا. في الوقت نفسه، تعتبر العلاقات الحالية مع الصين بمثابة الضمان الوحيد أمام الغرب بعد أن واجهت تجارب مؤلمة. لذلك، لا ينبغي توقع انفصال روسيا عن الصين وانضمامها فورًا إلى الغرب كما يزعم البعض. وإذا حدث ذلك، سيكون التوازن الروسي بين الصين والولايات المتحدة حاسمًا، لكن هذا موضوع لمرحلة لاحقة.
في الوقت الحالي، نترك الأمر ونواصل متابعة الأحداث في أوكرانيا، أما تطورات هذا الملف بالنسبة لتركيا فتستحق مقالًا منفصلًا.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة