لفتت انتباهي زيارة العقيد كيفن ليهي، قائد التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا، إلى أربيل. تواصلت مع مصدر متخصص في الشؤون الأمنية، الذي أفاد بأن الزيارة تهدف إلى استكشاف خيارات لنقل القوات الأمريكية المنسحبة من العراق إلى شمال العراق. (للاطلاع على مزيد من التفاصيل، يمكنكم قراءة مقالي بعنوان "الولايات المتحدة ترسل إشارات متضاربة: هل تعود استراتيجية القبضة الحديدية؟" سبتمبر 2024). ما ذكره مصدري أكد مدى قدرة أنقرة على متابعة التطورات الدولية بسرعة وكفاءة. فبعد فترة وجيزة من كتابتي حول هذا الموضوع،
لفتت انتباهي زيارة العقيد كيفن ليهي، قائد التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا، إلى أربيل. تواصلت مع مصدر متخصص في الشؤون الأمنية، الذي أفاد بأن الزيارة تهدف إلى استكشاف خيارات لنقل القوات الأمريكية المنسحبة من العراق إلى شمال العراق. (للاطلاع على مزيد من التفاصيل، يمكنكم قراءة مقالي بعنوان "الولايات المتحدة ترسل إشارات متضاربة: هل تعود استراتيجية القبضة الحديدية؟" سبتمبر 2024).
ما ذكره مصدري أكد مدى قدرة أنقرة على متابعة التطورات الدولية بسرعة وكفاءة. فبعد فترة وجيزة من كتابتي حول هذا الموضوع، صدر بيان مشترك بين الولايات المتحدة والعراق يعلن انتهاء مهمة التحالف الدولي في العراق بحلول سبتمبر 2025. كما أفادت وكالة رويترز بأن القوات الأمريكية من المتوقع أن تبقى في شمال العراق.
لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. تابعت الموضوع بعمق لأن هناك أسئلة كبيرة ما زالت عالقة دون إجابات. السؤال الأول: ما هو عدد القوات الأمريكية التي ستبقى في شمال العراق؟ السؤال الثاني: كيف سيؤثر هذا التطور على الوضع في سوريا، وما هو مستقبل وجود التحالف هناك؟ السؤال الثالث: في ظل استمرار العلاقة بين الولايات المتحدة وتنظيم بي كي كي الإرهابي ضمن إطار هذا التحالف، إلى أين ستتجه هذه العلاقة؟ السؤال الرابع: هل ستنتهي مهمة التحالف الدولي ضد داعش بالفعل، أم أن هناك هدفًا جديدًا يلوح في الأفق؟ من المعروف أن الولايات المتحدة تسعى للتركيز على الصين، فما هو الاتجاه الجديد؟ خلال محاولتي للحصول على إجابات لهذه الأسئلة، اكتشفت تفاصيل مثيرة حول الهدف الجديد، وسأشاركها معكم.
لنبدأ برسم إطار عام استنادًا إلى المعلومات المتوفرة في المصادر المفتوحة: في عام 2014، وبتوجيه من الولايات المتحدة، تم إنشاء التحالف الدولي لمكافحة داعش بمشاركة أكثر من ثلاثين دولة، بهدف القيام بمهام في العراق وسوريا. ومع مرور الوقت، يتغير هيكل هذا التحالف. فالولايات المتحدة تعتزم إنهاء مهمتها في العراق، ومن المقرر أن تسحب الدول المشاركة قواتها من العراق بحلول سبتمبر 2025. في المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على وجودها العسكري في شمال العراق، كما أشرت سابقاً. العمليات العسكرية التي تستهدف تنظيم داعش في سوريا، والتي تنطلق من الأراضي العراقية، ستستمر حتى سبتمبر 2026.
حتى الآن، لا توجد معلومات واضحة حول مستقبل التحالف في سوريا من خلال المصادر المفتوحة. ومع ذلك، فمنذ فترة حكم ترامب، كانت هناك نية واضحة لدى الولايات المتحدة لتقليص وجودها في سوريا أو الانسحاب منها كليًا، مع التركيز بشكل أكبر على التحديات التي تمثلها الصين.
إذا قررت الولايات المتحدة تقليص وجودها في المنطقة أو الانسحاب منها، فإنها بحاجة إلى ترك هيكل أمني يضمن حماية إسرائيل. هذا الهيكل يتضمن دمج وجود تنظيم بي كي كي الإرهابي في شمال سوريا والعراق، وتوسيع ما يمكن وصفه بمشروع "إرهابستان" من سوريا إلى العراق. كما يلعب بافل طالباني دورًا محوريًا في هذه الخطة، حيث تشمل تنظيم انتخابات محلية صورية ومنح التنظيم الإرهابي نوعًا من الحكم الذاتي، وهي الركائز الأساسية لهذه الخطة الأمنية.
تنظيم بي كي كي: الذراع الخامسة لإسرائيل
لكن الخطط الأمريكية لم تسر كما هو متوقع. أولاً: مشروع "إرهابستان" الممتد بين سوريا والعراق تم عرقلته -مؤقتاً- بفضل العمليات العسكرية التركية المكثفة في العراق، وبفضل العلاقات القوية التي أقامتها الدبلوماسية التركية مع بغداد. ثانيًا: الانتخابات المحلية المزعومة التي كان يسعى تنظيم بي كي كي الإرهابي لتنظيمها لم تتم بعد، وذلك نتيجة لضغوط أنقرة واعتبار واشنطن أن الوقت غير مناسب.
ثالثًا: تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران بعد الإبادة الجماعية في غزة، دفع الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة بدلاً من الانسحاب كما كان مخططًا. هذه التطورات الثلاثة جعلت مستقبل الخطط الأمريكية في المنطقة غامضًا.
أما التطور الرابع المحتمل، خلال استماعي لخطاب الرئيس أردوغان حول مشروع أرض الميعاد، اتضح لي وكأن المترجم في ذهني يقول: "تنظيم بي كي كي الإرهابي هو الذراع الخامسة لإسرائيل. وعندما نتمكن من إغلاق الجبهة العراقية، سنقطع هذه الذراع". دخول تركيا إلى شمال سوريا سيزيد من تعقيد الخطط الأمريكية في المنطقة، ويجعل الوضع أكثر غموضًا.
على الرغم من هذه التطورات وحالة عدم اليقين، تستمر الولايات المتحدة في المضي قدمًا في عملية "إعادة التموضع" في المنطقة من خلال المفاوضات. البيان المشترك الذي أصدرته مع العراق حول الانسحاب دليل على ذلك. ولكن، ماذا بعد؟ لا توجد إجابات واضحة في المصادر المفتوحة، لذا ينبغي النظر إلى الموضوع بعمق أكبر.
الهدف الجديد: إفريقيا
أولاً: الولايات المتحدة لا تعتزم حل التحالف الدولي ضد داعش. فوجود هذا التحالف يحميها من اتهامات التدخل الأحادي الجانب، وتخطط لاستخدامه في مناطق أخرى حول العالم.
ثانيًا: علمت أن المهمة الجديدة للتحالف ستكون في إفريقيا (وأفغانستان). إفريقيا تكتسب أهمية كبيرة لأنها تشهد توترات كبيرة على الصعيد الدولي. الولايات المتحدة وفرنسا خرجتا من بعض الدول (مثل مالي، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو)، وحلّت روسيا مكانهما. وفي هذه الفترة، ظهر إرهاب داعش في تلك المناطق. على سبيل المثال، قُتل أكثر من 400 شخص في هجوم إرهابي في بوركينا فاسو مؤخرًا، وقُتل العشرات من أفراد مجموعة فاغنر في هجمات في مالي. يتبع هذا السيناريو نمطًا معروفًا: ظهور الإرهاب أولاً، ثم التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة عبر التحالف الدولي. لقد شاهدنا هذا السيناريو من قبل (وسأناقش مسألة أفغانستان في مقال لاحق).
ثالثًا: إذا كان التحالف الدولي ضد داعش قد تم تكليفه بمهمة جديدة في قارة أخرى، فما هو مصير تنظيم بي كي كي الإرهابي في شمال سوريا؟ في هذا السياق، صرح نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، بعد اجتماع التحالف الدولي ضد داعش في الولايات المتحدة، قائلاً: "الاعتماد على تنظيم بي كي كي الإرهابي في مكافحة داعش يعد خطأً فادحًا. فلا يمكن إزالة شوكة مغروسة في القدم باستخدام إبرة العقرب.
هذا هو موقف أنقرة. إذا كان هناك وجود لتنظيم داعش في سوريا، فإن محاربته يجب أن تتم من خلال "شركاء شرعيين" وليس من خلال قوى غير موثوقة. لدى أنقرة ملفات دقيقة حول هذا الأمر، تشمل كيفية تمويل التنظيم عبر "صندوق مكافحة داعش للاستقرار." تركيا تطالب الولايات المتحدة بقطع علاقتها مع التنظيم. إذا تم ذلك، سيكون التفاهم حول باقي القضايا أسهل بكثير.