في الأيام الماضية، كتبت عن انسحاب الولايات المتحدة من التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش في العراق، مع الإبقاء على التحالف دون حله بالكامل. الخطة كانت تهدف إلى نقل مهام التحالف إلى مناطق أخرى، مثل أفغانستان وإفريقيا. وقد حول التحالف تركيزه من مكافحة داعش إلى المناطق التي تشهد توترات متزايدة بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا. (بإمكانكم الاطلاع على المقال الذي نشرته في 8 أكتوبر تحت عنوان: الهدف الجديد للولايات المتحدة ) تحولت تنظيمات مثل داعش والقاعدة وتنظيم بي كي كي الإرهابي إلى أدوات تستخدمها
تحولت تنظيمات مثل داعش والقاعدة وتنظيم بي كي كي الإرهابي إلى أدوات تستخدمها الدول المعادية لتحقيق أهدافها الإقليمية. في الواقع، تأسيس بعض هذه التنظيمات جاء خصيصًا لهذا الغرض. وقد ادعى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أن كلينتون وأوباما كانا وراء إنشاء داعش. وفي الواقع، شاهدنا كيف تم تسليم المناطق التي سيطر عليها داعش في سوريا لاحقًا، وكأنها تُقدَّم على طبق من ذهب لتنظيم بي كي كي الإرهابي.
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار هذه التنظيمات الإرهابية بمثابة "قوات طليعية" تمهد الطريق نحو بؤر التوتر العالمية. حيث يظهر الإرهاب أولاً في المناطق التي تسعى الولايات المتحدة للتدخل فيها، مستغلة حالة عدم الاستقرار والظروف الاقتصادية والاجتماعية والصراعات القائمة. وبعد ذلك، تتدخل القوات الأمريكية وقوات الدول المتحالفة لتأكيد حضورها.
أولاً: بعد نشر مقالي "الهدف الجديد للولايات المتحدة" المذكور أعلاه، تلقيت مكالمة هاتفية من صديق مطلع على الشؤون الإفريقية. أبلغني قائلاً: "اكتشفنا أن بعض مقاتلي داعش في سوريا قد نُقلوا إلى إفريقيا. وذكر أيضًا أن داعش تحاول تأسيس وجود في دول مثل موزمبيق، الصومال، النيجر، وبوركينا فاسو.
ثانيًا: صرح رئيس جهاز المخابرات الداخلية البريطاني، كين ماكولوم، قائلاً: "داعش ليست بالقوة التي كانت عليها قبل عشر سنوات، ولكنهم تمكنوا من إعادة تنظيم صفوفهم وبدأوا في تصدير الإرهاب مرة أخرى"
ثالثًا: نشرت صحيفة "التلغراف" تقريرًا لافتًا بقلم أدريان بلومفيلد بعنوان "عودة داعش والقاعدة"، حيث أشار التقرير إلى أن "انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان أتاح الفرصة لإعادة تنظيم كل من القاعدة وداعش". وخلال هذه الفترة، أنشأت القاعدة تسعة معسكرات تدريب ومستودعات ذخيرة شمال كابول.
كما تناول التقرير إفريقيا وقدم معلومات مهمة، حيث أفاد بأن "انسحاب الولايات المتحدة وفرنسا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر ساهم في تعزيز قدرة هذه التنظيمات على تجنيد المزيد من الأفراد في تلك البلدان". وأضاف التقرير: "أطلقت الولايات المتحدة برنامج دعم في دول مثل غانا ونيجيريا وساحل العاج بهدف منع انتشار التطرف الإسلامي حسب قوله.
رابعًا، بالتزامن مع هذه التطورات، تداولت وسائل الإعلام خبرًا لافتًا يفيد بأن جهاز الاستخبارات التركية اعتقل أحمد بايكارا، عضوًا في تنظيم القاعدة، خلال عملية نفذها في إحدى الدول الإفريقية. وأضافت التقارير أن الإرهابي بايكارا كان ينشط في العراق وسوريا تحت راية تنظيم القاعدة، وعندما أدرك أن تركيا تتعقبه، هرب إلى إفريقيا. ومع ذلك، تمكنت أجهزة من القبض عليه بفضل تحليلات استخباراتية دقيقة.
عملية جهاز الاستخبارات التركية في إفريقيا تقدم دلائل هامة في إطار ما ذكرناه سابقًا. لماذا؟ لأن فرار الإرهابي بايكارا من سوريا إلى إحدى الدول الإفريقية يشير إلى وجود ممر أو خط يربط بين سوريا وإفريقيا لنقل الإرهابيين. وأيضا تظهر هذه العملية أن جهاز الاستخبارات التركي قد عزز علاقاته المؤسسية مع الدول الإفريقية. الإرهابيون الذين يستهدفون تركيا يتم ملاحقتهم حتى في تلك المناطق. وبفضل العلاقات المتطورة مع المسؤولين المحليين، يتم القبض على الأشخاص المستهدفين وتسليمهم إلى تركيا.
إضافةً إلى ذلك، هناك نقطة مهمة يجب التطرق إليها: من المعروف أن تركيا تُعد من أكثر الدول خبرة في مكافحة الإرهاب على مستوى المنطقة وربما العالم. فهي الدولة الوحيدة التي تكافح في الوقت ذاته ثلاث تنظيمات إرهابية: تنظيم بي كي كي الإرهابي، تنظيم داعش الإرهابي، وتنظيم غولن الإرهابي. والمعلومة الجديدة التي وردت هي أن المؤسسات الاستخباراتية والأمنية التركية بدأت في نقل خبراتها في مكافحة داعش إلى الدول الإفريقية. بمعنى آخر، في الوقت الذي تنتقل فيه التنظيمات الإرهابية إلى إفريقيا، تعمل تركيا على تعزيز قدرات هذه الدول في مكافحة الإرهاب والمساهمة في استقرارها.
حتى الآن، ركزنا على الجانب المتعلق بإفريقيا، لكن هناك تطورات مهمة تحدث في آسيا تتجاوز أفغانستان. فالولايات المتحدة لا تسعى فقط إلى إعادة نشر التحالف الدولي ضد داعش في إفريقيا وأفغانستان، بل تعمل على خطوة إضافية تتمثل في جمع الدول المحيطة بالصين مع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو). بمعنى آخر، تهدف الولايات المتحدة إلى جعل الناتو لاعبًا مؤثرًا في التوترات الآسيوية.
بالأمس، عُقد اجتماع لوزراء دفاع دول الناتو في بروكسل، حيث برزت قضيتان رئيسيتان: الأولى تتعلق بالوضع الراهن للتحالف ضد داعش، والثانية هي الاجتماع غير المسبوق بين وزراء دفاع دول الناتو ونظرائهم من الدول المحيطة بالصين، مثل أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية. هذه الخطوة الجديدة تقدم إشارات مهمة حول الدور المستقبلي لحلف الناتو.