مرحلة جديدة في سوريا.. تركيا تلوّح بالخيار العسكري

08:3225/07/2025, الجمعة
تحديث: 25/07/2025, الجمعة
يحيى بستان

أعلنت وزارة الدفاع التركية أن "سوريا طلبت دعما رسميا من أنقرة لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة التنظيمات الإرهابية". هذا الإعلان الهام يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقات بين أنقرة ودمشق، ويتضمن أبعاداً متعددة تستوجب التوقف عندها. فقيام سوريا بطلب الدعم -حسب ما علمت- عن طريق الأمم المتحدة أمرٌ مستقل بذاته، وأن تعلن أنقرة عن نيتها في دعم الدبلوماسية بقوة صارمة في هذه المرحلة الجديدة هو بُعد آخر، وطبيعة الدعم العسكري الذي ستقدمه تركيا، إلى جانب ملفي مكافحة الإرهاب والعلاقة مع إسرائيل، جميعها جوانب

أعلنت وزارة الدفاع التركية أن "سوريا طلبت دعما رسميا من أنقرة لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة التنظيمات الإرهابية".

هذا الإعلان الهام يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقات بين أنقرة ودمشق، ويتضمن أبعاداً متعددة تستوجب التوقف عندها. فقيام سوريا بطلب الدعم -حسب ما علمت- عن طريق الأمم المتحدة أمرٌ مستقل بذاته، وأن تعلن أنقرة عن نيتها في دعم الدبلوماسية بقوة صارمة في هذه المرحلة الجديدة هو بُعد آخر، وطبيعة الدعم العسكري الذي ستقدمه تركيا، إلى جانب ملفي مكافحة الإرهاب والعلاقة مع إسرائيل، جميعها جوانب تستحق تحليلاً مستقلاً، وسأتناولها لاحقاً، ولكن قبل كل ذلك، لا بد من رسم الإطار العام للمشهد.


المرحلة الأولى: الدبلوماسية

أولًا: بعد سقوط الأسد، انتهجت أنقرة سياسة حذرة. ونسقت نهجها مع الولايات المتحدة وأوروبا ودول المنطقة. وكان الهدف هو إرساء معادلة لا تُقصي أحدًا، وضمان استقرار سوريا ودمجها في النظام الدولي. وحتى "قسد" فُتحت لها أبواب الدبلوماسية من أجل التفاوض والاتفاق مع دمشق. ويمكن القول إن هذه المرحلة الدبلوماسية أحرزت تقدماً ملموساً. فقد رُفعت العقوبات عن دمشق، وأزيلت "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب، وقبل يومين فقط، أجرى رجال أعمال سعوديون مباحثات استثمارية في سوريا.

ثانيًا: قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريح سابق: "مفتاح سوريا بيد تركيا." وفي هذا الإطار، كانت هناك توقعات بعقد اتفاق أمني بين أنقرة ودمشق. بل إن إسرائيل، إزاء احتمال تأسيس تركيا قواعد عسكرية جنوب سوريا، شنّت هجمات على مواقع تابعة للجيش السوري هناك. وقد سبق أن اجتمع نتنياهو بترامب في واشنطن، معبّراً عن قلقه من تنامي النفوذ التركي في سوريا، إلا أن ترامب ردّ عليه بتحذير قائلاً: "كن متعقلا." ورغم وجود توقعات بعقد اتفاق أمني مع دمشق، إلا أن الموقف كان يتطلب أن يصدر الطلب من الجانب السوري. ولكن دمشق كانت ترى أنها قادرة على أن تتولى زمام الأمور بنفسها. (وعندما كانت إسرائيل تقصف دمشق قال لي أحد الأصدقاء: "من العجيب أنهم لم يطلبوا الدعم من أنقرة!")

ثالثًا: كما ذكرنا سابقاً، فإن إسرائيل تفضل وجود جيران ضعفاء. وفي هذا السياق، تسعى إلى تقسيم سوريا إلى أربع مناطق نفوذ، على أن يكون الجنوب السوري من نصيبها، فقد سعت إلى نزع سلاح المنطقة عبر التظاهر بحماية الدروز. وسبق أن قامت ببعض المحاولات، لكنها واجهت ضغوطًا أمريكية، مما دفعها للجلوس على طاولة المفاوضات مع دمشق في كل من عمان وباكو. لكنها لم تتخلّ أبدا عن هذه الإستراتيجية.


السويداء أصبحت نقطة تحول

إن الأحداث الأخيرة أحدثت شرخًا في التوازنات الدقيقة:

أولاً: بعد ثلاثة أيام فقط من إحراق 30 عنصرًا من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي أسلحتهم، اندلعت الاضطرابات في السويداء. وبسبب القصف الإسرائيلي، لم يتمكن الجيش السوري من إرسال قواته إلى الجنوب. وباتت المنطقة منزوعة السلاح. واليوم من غير الواضح كيف سيتم دمج السويداء مجدداً في منظومة الدولة، وهذا الوضع يُغري "قسد" ويثير شهيتها.

ثانيًا: تواصل قسد أجندتها الانفصالية، وتستثني نفسها من عملية "تركيا بلا إرهاب". وقد التقى الممثل الأمريكي باراك مع مظلوم عبدي، وتشير المعلومات إلى أن واشنطن منحت قسد مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق مع دمشق، وإلا ستقطع التمويل عنها. ورغم تخلي قسد ظاهرياً عن خطاب "الفيدرالية"، فإنها لا تزال تطالب بـ"هيكلية لا مركزية" (وهما وجهان لعملة واحدة). وبعد أحداث السويداء، بات خطابهم أكثر وضوحاً وتصعيداً. قسد تخرج عن المسار، ولذلك جاء تحذير الوزير فيدان: "احذروا، وانتبهوا."

ثالثاً: لا تتخذ الولايات المتحدة نفس موقف إسرائيل، لكنها لا تتخذ أي خطوة لإيقافها. وحين وقعت الضربة على دمشق، علم بها ترامب من شاشات التلفاز، فسارع بالاتصال بنتنياهو معبّرًا عن استيائه. جميل، ولكنّ الاستياء لا يحلّ المشكلة.

رابعاً: يسير الشرع على حبل مشدود. فمن ناحية هناك قاعدته الشعبية، ومن ناحية أخرى وحدة البلاد وضمان الدعم الدولي. وتحاول إسرائيل شيطنة الشرع، بل والقضاء عليه إذا أمكن. لقد هزت أزمة السويداء موقعه، ولكن لا بديل للشرع. وغيابه قد يفتح الباب أمام تطورات لا يمكن التنبؤ بها.


الموقف الجديد لأنقرة ودمشق

دفعت هذه التطورات كلاً من دمشق وأنقرة إلى إعادة تموضع استراتيجي. وقد قدّم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان المؤشر الأول على هذا التغيير، حين صرّح قائلاً: "إذا اتجهتم نحو التقسيم (موجّهاً كلامه إلى بعض الفصائل في سوريا)، فسوف نتدخّل". تلا ذلك بيانٌ من وزارة الدفاع التركية. وإليكم التحليل:

أولاً: أُشير إلى أن سوريا تقدّمت بطلبها الأمني عبر الأمم المتحدة. وهذا بدوره يعزّز أي خطوات قد تتخذها تركيا في سياق مكافحة الإرهاب وترسيخ الاستقرار داخل سوريا ضمن إطار القانوني الدولي. ومن المتوقع أن يكون الرد التركي على هذا الطلب إيجابياً.

ثانيًا: هذه الخطوة تحمل رسالة صريحة إلى قسد وكل من يسعى لتقسيم البلاد مفادها: لقد تحدّثنا طويلًا، والآن سأضع سلاحي على الطاولة، ولنكمل الحديث.

ثالثًا: فور صدور هذا البيان، لا يعني ذلك أن الجيش التركي سيتوجه فورًا إلى سوريا. ما يحدث هو مراقبة دقيقة للتطورات في سوريا. وبناءً على دعوة رسمية، سيتم تقديم الدعم الفني في مجال التدريب والاستشارات للجيش السوري. وقد حضر وفد سوري رفيع هذا الأسبوع معرض الصناعات الدفاعية "آيدف 2025"، حيث أُتيحت له فرصة الاطلاع عن كثب على المنتجات الدفاعية التركية.

رابعًا: هل ستُنشئ القوات التركية قواعد في سوريا؟ على الأرجح ستجري أنشطة التدريب والاستشارات ضمن قواعد تابعة للجيش السوري.

خامساً: هل أدّت التطورات الأخيرة في سوريا إلى تعديل في جدول انسحاب الولايات المتحدة؟ الجواب: لا، على الإطلاق. واشنطن ستقلّص عدد قواعدها من 9 إلى قاعدة واحدة فقط. وقد تحتفظ بقاعدة ثانية.


نتوقع تخفيضًا في صفقة "يوروفايتر"

تُعد مذكرة التفاهم التي وقعها وزير الدفاع التركي مع نظيره البريطاني تطورًا استراتيجيًا في ملف شراء مقاتلات "يورو فايتر"، حيث لم تعد هناك أي عقبات لإتمام الصفقة. وتتطلع أنقرة إلى خصم محتمل، وفي حال حصل ذلك، ستبادر بتقديم عرض مضاد، وهو ما من شأنه أن يسرّع مسار التفاوض. ومن المرتقب أن تسهم 40 طائرة من هذا الطراز في تعزيز القدرات الجوية التركية.


#سوريا
#تركيا
#وزارة الدفاع التركية
#قسد
#يورو فايتر
#الولايات المتحدة
#القدرات الدفاعية