صورة مُقلقة خلف كواليس قمة الدوحة

08:3719/09/2025, الجمعة
تحديث: 19/09/2025, الجمعة
يحيى بستان

كان الجميع يترقب نتائج القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، التي انعقدت بعد استهداف إسرائيل لوفد مفاوضات حماس في الدوحة، إذ كانت هذه النتائج مؤشرًا على مستقبل المنطقة. هل كانت دول المنطقة سترفع الراية ضد إسرائيل، التي تسعى إلى فرض هيمنتها مدعومة بقوة عسكرية؟ وكيف سيكون موقف الولايات المتحدة التي تدعم الهجمات الإسرائيلية؟ هل ستتحول مبادرة مصر التي أُطلق عليها "الناتو العربي" إلى واقع ملموس في هذه القمة؟ وما موقع تركيا في هذه المعادلة؟ عندما ننظر خلف الكواليس، نرى صورةً

كان الجميع يترقب نتائج القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، التي انعقدت بعد استهداف إسرائيل لوفد مفاوضات حماس في الدوحة، إذ كانت هذه النتائج مؤشرًا على مستقبل المنطقة.

هل كانت دول المنطقة سترفع الراية ضد إسرائيل، التي تسعى إلى فرض هيمنتها مدعومة بقوة عسكرية؟ وكيف سيكون موقف الولايات المتحدة التي تدعم الهجمات الإسرائيلية؟ هل ستتحول مبادرة مصر التي أُطلق عليها "الناتو العربي" إلى واقع ملموس في هذه القمة؟ وما موقع تركيا في هذه المعادلة؟

عندما ننظر خلف الكواليس، نرى صورةً مُقلقة بعض الشيء، لكنها تُبشر بتغييرات مستقبلية. دعوني أعرض لكم أولاً المعلومات التي حصلت عليها من كواليس القمة، ثم أشرح ما تعنيه بالتفصيل.


أبرز ثلاث نقاط في القمة

لقد قرأت بيان القمة بالكامل ودوّنت ملاحظاتي.وكان اهتمامي الأساسي منصبًا على معرفة ما إذا كانت الدول الإسلامية والعربية ستتخذ خطوات ملموسة ضد إسرائيل. وقد سجلت ثلاث نقاط ملموسة في البيان:

ـ المادة 15: دعوة إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على إسرائيل.

ـ المادة 16: دعوة إلى تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.

ـ المادة 24: توجيه تعليمات لاتخاذ إجراءات لتطبيق أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق المسؤولين الإسرائيليين.

كما تطرّق البيان إلى "الرؤية الأمنية الإقليمية المشتركة" التي سبق أن شدّد عليها مجلس جامعة الدول العربية في الأسبوع الماضي، (انظر: الخريطة التي أشعلت الخليج قبل القصف الإسرائيلي، ١٢ سبتمبر)، وتكمن أهمية هذه البنود الثلاثة في أنها تدعو إلى خطوات عملية ملموسة.

ولكن لم تُتخذ أي خطوة عملية بشأن ما طرحته مصر من مبادرة «الناتو العربي» المتعلقة بآلية الأمن المشترك، رغم أن وسائل الإعلام الإقليمية ذكرت أنه كان مقرّرًا عقد اجتماع بهذا الشأن خلال القمة. وحتى الآن، لكن لم يصدر أي خبر يؤكد انعقاد هذا الاجتماع.


تدخل أنقرة في صياغة البيان

بعد اطلاعي على هذا البيان ومحاولتي فهم كيفية سير القمة، سمعت قبل أن أبدأ في تحليل نص البيان عبارات قمت بتسجيلها في دفتر ملاحظاتي، مفادها: «لقد بذلت تركيا جهودًا كبيرة لضمان صدور نص فعّال في البيان الختامي للقمة. ودافعت تركيا وبعض الدول أخرى عن ضرورة اتخاذ مواقف عملية وحاسمة. فهناك زخم متزايد في الغرب أيضًا، ونحن في مرحلة سيدعم فيها الرأي العام الغربي جميع القرارات. كما أن هناك أزمة ثقة بين دول المنطقة والولايات المتحدة. وقد أضافت تركيا بعض المواد إلى ذلك النص."

بعد ذلك، بحثت عن المواد التي أضيفت، ووجدت أنها المواد 15 و16 و24. أي المواد التي دوّنتها أنا بنفسي تحت عنوان "خطوات ملموسة". بل علمت أيضًا أن المادة 15 التي اقترحتها أنقرة كانت أكثر صرامة، ولكنهم قاموا بتخفيفها.


هل ستُتخذ الخطوات رغم الولايات المتحدة؟

تشير هذه المعلومات إلى ما يلي:

أولًا: إن عدد الدول التي تقترح اتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة العدوان الإسرائيلي، والتي تدعم ذلك أو تتحرك لتولي زمام المبادرة، ما يزال قليلًا. ورغم الإبادة الجماعية المستمرة، واتساع دائرة الصراع، واستهداف إحدى دول الخليج، يظل الوضع على ما هو عليه… وهذا ما يجعل الأمر "مقلقًا".

ثانيًا: تسعى الدبلوماسية التركية جاهدةً في كل فرصة للحد من نفوذ إسرائيل وتُظهر تصريحات نتنياهو التي استهدف فيها الرئيس أردوغان أن تل أبيب تُدرك ذلك.

ثالثًا: رغم ذلك، فإن دول الخليج والعالم العربي يبحثان عن حل. إن موقف إسرائيل العدواني يعزز هذا البحث. والسؤال هو: هل سيتم هذا البحث دون موافقة الولايات المتحدة (وبالتالي إسرائيل)؟ إن القضايا التي نوقشت والتي لم تناقش في القمة، واللغة التي اختارها البيان، تشير إلى أن هذا البحث لن يتحقق دون موافقة أمريكية.

رابعًا: بناءً على ما سبق، ستواصل دول الخليج والعالم العربي إبقاء التوتر في فلسطين ضمن معادلة "حماس وإسرائيل". في حين أن هذه الأزمة كانت قابلة للتحول إلى توتر عربي إسرائيلي بعد استهداف قطر، وهو سيناريو يصعب على إسرائيل إدارته. لكن الدول المعنية لم ترغب في تحمل هذه المسؤولية.


نحو بنية أمنية جديدة

خامسًا: هناك جانب إيجابي أيضًا. إن زيارة الإمارات العربية المتحدة لقطر مباشرة بعد الهجوم، والتصريحات الحادة التي صدرت، تشير إلى بداية تغييرات ملموسة. وفي مقال سابق، أشرنا إلى أن دول الخليج والعالم العربي ستسعى لتعميق علاقاتها مع دول مثل تركيا وباكستان، وليس مع الصين أو روسيا، لتجنب إثارة قلق الولايات المتحدة. وقد اتُخذت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، حيث أعلن الرئيس أردوغان أن قدرات تركيا في الصناعات الدفاعية متاحة لهذه الدول. كما وقعت السعودية وباكستان اتفاقية أمنية مشتركة، أكدت أن أي اعتداء على أحد الطرفين يُعتبر اعتداءً على كلا البلدين.

سادسًا: الوقت بالنسبة للدول يسير ببطء مقارنة بالأفراد. فبعض التطورات لا تحدث بسرعة، بل تحتاج إلى وقت. وينطبق هذا على بحث دول الخليج والعالم العربي عن مسار جديد؛ فلا يمكن توقع خطوات سريعة وملموسة على الفور. فالأمر أشبه بمأساة سفينة تيتانيك، فحين تغيّر الدفة درجة واحدة، فإن الأمر يحتاج وقتًا للانحراف عن المسار. ومع ذلك، أعتقد أن الدفة قد تم تحريكها بالفعل، ومن المتوقع أن نشهد خلال السنوات القادمة هندسة أمنية مثيرة للاهتمام في المنطقة.


#قمة الدوحة
#قطر
#دول الخليج
#الاحتلال الإسرائيلي
#أمريكا
#الدول العربية
#البيان الختامي
#الناتو العربي