
نحن في مرحلة حاسمة في ملف "تركيا/منطقة خالية من الإرهاب"، وتشهد الساحة تطورات ساخنة. إنه ملف يلامس أطرافًا تمتد إلى قنديل، وعائلة بارزاني، وقسد، ودمشق، وحتى إسرائيل. ويتطلب العمل فيه دقة جراحية وتوازناً حساساً. دعونا نحلل آخر المستجدات بالاستفادة من التطورات التي تجري خلف الكواليس:
أولاً: زيارة إمرالي، زار ثلاثة نواب من لجنة البرلمان التركي إمرالي. وهناك تكتم شديد بخصوص محتوى الاجتماع. ويحتوي البيان الرسمي الحذر الصادر عن رئاسة البرلمان على رسائل إيجابية بخصوص المحتوى. وقد أكدت سابقاً أن هذه الزيارة تحمل معنى رمزياً، وأن أهميتها ليست في محتواها، بل في كونها عتبة يجب تجاوزها لاستمرار العملية. وقد تم تجاوز هذه العتبة. وستقوم اللجنة الآن بإعداد تقريرها. (ملاحظة: الاقتراب من النتيجة يعني الخوض في "القضايا الأساسية"، ومناقشة كيفية عودة من سيسلمون أسلحتهم. ستظهر الكثير من الآراء المختلفة حول هذه القضايا. والواجب على الجميع هو التصرف بمسؤولية وعقلانية وهدوء).
ثانياً: انسحاب تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، انسحب التنظيم في 26 أكتوبر من تركيا، ثم انسحب لاحقاً من الكهوف في زاب (20-25 شخصاً). وقد نزلوا إلى غارا. الكهوف تُخلى لكن هناك تواجد كثيف في غارا. ويتابع جهاز الاستخبارات الوطنية والقوات المسلحة التركية التطورات عن كثب.
ملاحظة مهمّة حول المفاهيم
ثالثاً: هدف العملية، الهدف هو نزع سلاح التنظيم. وممارسة نزع السلاح لا تقتصر على قنديل فقط، بل تشمل جميع أذرع "بي كي كي" الإرهابي (وسنتناول مسألة قسد لاحقا). والأمر الذي لا يقل أهمية عن نزع السلاح هو تحقيق "نزع السلاح الذهني". وهذا يتطلب أيضاً استخدام لغة مدنية جديدة. من المهم معرفة مجموعة المفاهيم المستخدمة عند تناول المسألة. ويُلاحظ محاولة تداول بعض المفاهيم الجديدة المتعلقة بالعملية. وللتذكير بالإطار العام: أ) هذه ليست عملية "سلام". فالدول هي من تعقد السلام. والعملية تتعلق بنزع سلاح التنظيم الإرهابي. ب) هذه ليست عملية "اندماج" أيضاً. فالاندماج يعني الانضمام إلى كيان أكبر مع الحفاظ على الكيان الأصلي. أما ما يزول وجوده فلا يمكن أن يندمج. ج) الخطابات والتأكيدات مثل "القضية الكردية" و "العفو" تحرّف عملية "تركيا خالية من الإرهاب" عن مسارها وتشتتها. وأي تحول في التركيز سيؤثر سلباً على هذه المبادرة التي يحرص الجميع على نجاحها.
تناقض جذري مع أطروحات تركيا
رابعاً: إقليم شمال العراق، تدعم إدارة الإقليم عملية تركيا خالية من الإرهاب. وتقدم مساهمات عملية. ويعود ذلك إلى علاقاتها الوثيقة مع أنقرة من جهة، والمشاكل التي تواجهها مع "بي كي كي" الإرهابي في منطقتها من جهة أخرى. ولكنهم لا يظهرون الدعم نفسه بخصوص قسد (انظر انطباعاتي من أربيل: "هل يعقل أن يسلم الجميع أسلحته وتحتفظ بها "قسد"؟ 7 أكتوبر). وأما رؤية نيجيرفان بارزاني تجاه قسد فهي كالتالي: أ. يجب أن تندمج مع دمشق لأن الوقت ليس في صالحهم. ب. يجب أن تدافع عن اللامركزية أثناء قيامها بذلك. ج. يجب أن تحافظ على قوتها العسكرية أيضاً.
وهذا يتعارض تمامًا مع أطروحات تركيا. إن دعوة مظلوم عبدي، قائد قسد، إلى المنتدى الذي عُقد في دهوك الأسبوع الماضي (للتفاصيل، انظر: "تباين المشهد.. مظلوم عبدي يرتدي بدلة رسمية والألغام المزروعة على الطريق" 21 نوفمبر) والاحتفاء به أمر مؤسف. من اللافت القيام بذلك في الوقت الذي التقى فيه الرئيس السوري الشرع بالرئيس ترامب في البيت الأبيض، وأصبحت دمشق جزءاً من التحالف ضد داعش، أي في وقت ازدادت فيه قوّتها. أعتقد أن أنقرة ستناقش هذا الأمر مع الإدارة الإقليمية.
قسد تُحافظ على موقفها
خامسًا: فيما يتعلق بمسألة قسد… إن تنفيذ قسد لمتطلبات اتفاق 10 مارس يُعدّ أمرا ضروريا لنجاح عملية “تركيا خالية من الإرهاب”. ويقال إنه بعد لقاء الشرع وترامب الذي شارك فيه وزير الخارجية فيدان، ستزداد الحركة الدبلوماسية بشأن هذا الموضوع. وتنتهي مهلة اتفاق 10 مارس بحلول نهاية العام، وبالتالي أمام قسد فترة قصيرة للاندماج في دمشق. ومن خلال النظر إلى تصريحات القيادة العليا في قسد، لا يمكن القول إنهم خفّضوا مطالبهم. فهم يصرّون على بنية لامركزية. ويقولون: "دعونا ننضم إلى الجيش ليس ككتلة، بل على مستوى الفرق"، لكنهم عند نقطة "لن نتخلى عن قيادة وحداتنا". وما زالوا يسيطرون على المناطق والمعابر الحدودية التي يجب أن ينسحبوا منها. فماذا سيحدث عندما تنتهي هذه المدة؟ هل ستشن دمشق عملية عسكرية؟ قد لا يصل الأمر إلى ذلك.
لقاء مهم مع الشرع ومحاولات استفزاز
تناولتُ سابقاً قضية العشائر العربية، وقلت: "قد تتحرك إدارة دمشق والعشائر" (انظر مقال: "حركة دبلوماسية مكثفة في أنقرة.. كشف الأيادي الإسرائيلية" 15 أغسطس). والقضية الأساسية هنا كما ورد في التقارير الدولية هي: إن 70% من التركيبة السكانية للمناطق التي تسيطر عليها قسد هم من العرب. وتتكون غالبية سكان مناطق مثل دير الزور والرقة من أكثر من 90% من السكان العرب. كما تشكل العشائر العربية جزءاً مهماً من هيكل قسد في هذه المناطق. ولكن القيادة بيد "واي بي جي"، ولا يُسمح للعشائر العربية بالدخول إلى هرم القيادة. (تطالب "واي بي جي" دمشق بالعدالة والمساواة، لكنها لا تظهر ذلك للعرب في المنطقة التي تسيطر عليها). و تسعى العشائر العربية إلى الاندماج مع دمشق، لكنهم ينتظرون انتهاء المدة المتفق عليها في اتفاق 10 مارس، أي نهاية العام.
وكان من المقرر أن يجتمع الشرع بقادة العشائر العربية في يوليو. ولكن قبل هذا الاجتماع مباشرة، اندلعت أحداث السويداء الموقوتة. ولهذا السبب، يجري الشرع لقاءاته بشكل فردي. وقد التقى مؤخراً بشيخ قبيلة شمر، الشيخ مناع حميدي الجربا. وقد جاء رد الجهات التي تسعى للفوضى والانقسام في سوريا على هذا الاجتماع عبر استفزاز طائفي في حمص.
لكن دمشق مستمرة في هذا المسار ومصممة عليه. وأعتقد أنه إذا لم تلتزم قسد بالمهلة المحددة التي تنتهي في نهاية العام، فإن القبائل العربية ستسحب دعمها لقسد. وإذا نجحت دمشق إدارة في ذلك، فستنحصر "واي بي جي" في منطقة الحسكة والقامشلي، أي إلى منطقة يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة. وسنرى جميعا ما الذي سيحدث حينها.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة