سوريا الجديدة وقائدها.. التوقعات في مقابل النتائج

08:1410/12/2025, الأربعاء
تحديث: 10/12/2025, الأربعاء
ياسين اكتاي

إن المشاركة الحماسية للشعب في الاحتفالات التي أقيمت بمناسبة الذكرى الأولى للخلاص من النظام الدموي والمجرم في سوريا تمثل حدثاً غير مسبوق حتى في تاريخ البلاد الممتد لقرن كامل. فقد خرج الملايين في مختلف المحافظات إلى الشوارع للاحتفال بـ"يوم الحرية"، دون أي شكل من أشكال الإكراه، تعبيراً عن فرحتهم الغامرة. ومشاهد الحشود هذه ليست جديدة تماماً؛ فقد شهد العالم منذ عام 2011 خروج جماهير غفيرة إلى الميادين، في تظاهرات كانت تحتاج إلى شجاعة استثنائية للاحتجاج على بطش النظام، مطالبين بالتغيير. أي أن الشعب السوري

إن المشاركة الحماسية للشعب في الاحتفالات التي أقيمت بمناسبة الذكرى الأولى للخلاص من النظام الدموي والمجرم في سوريا تمثل حدثاً غير مسبوق حتى في تاريخ البلاد الممتد لقرن كامل. فقد خرج الملايين في مختلف المحافظات إلى الشوارع للاحتفال بـ"يوم الحرية"، دون أي شكل من أشكال الإكراه، تعبيراً عن فرحتهم الغامرة.

ومشاهد الحشود هذه ليست جديدة تماماً؛ فقد شهد العالم منذ عام 2011 خروج جماهير غفيرة إلى الميادين، في تظاهرات كانت تحتاج إلى شجاعة استثنائية للاحتجاج على بطش النظام، مطالبين بالتغيير. أي أن الشعب السوري لم يكن متردداً في التعبير عن مشاعره في ذلك الوقت أيضاً.

في الحقيقة، كانت تلك الاحتجاجات، التي اندلعت بعد حقبة طويلة من حكم الإرهاب والاستبداد، وممارسات أجهزة المخابرات اللاإنسانية، بمثابة انفجار اجتاح جدار الخوف. فمن خلال أساليب المخابرات، أقام النظام على مدى نصف قرن نظام رعب جعل الأخ يشك في أخيه ويخشاه، وخلق حالة من الكآبة جعلت الناس لا تجد متنفساً، حيث كانت أقل تهمة كافية لاقتياد المرء إلى غياهب سجن "صيدنايا" ونظائره، في مغامرة مصيرها مجهول. ورغم ذلك، أطلق الشعب في عام 2011 انتفاضة انتشرت بسرعة في جميع المدن، مطالباً بإصلاح النظام، ولما أصر النظام على رفض الإصلاح طالبوا بإسقاطه.

إن الرد المروع الذي قدمه النظام على هذه المطالب معروف للجميع. لكن الشعب السوري لم يستسلم، ولم يكتفِ بالمظاهرات، بل انضم كل من حمل سلاحاً أو وجده إلى المقاومة. إن الشعب الذي شارك طواعية في تلك الاحتجاجات اليوم، يحتضن بنفس القدر من الإرادة والحماس هذه الثورة التي صنعها أبناؤه. في الوقت الحالي لا يوجد مكان آخر في المنطقة العربية يتلاحم فيه الشعب مع الدولة بهذا القدر. وقد عاشت تركيا نفسها شعور امتلاك دولة تمثلها بصدق في 15 يوليو (2016).


الشعب السوري يستحق عيد الحرية بجدارة

إنّ هذا الشعب يحتفل اليوم بعيد الحرية الذي استحقّه بجدارة،بفرح وحماس كبيرين، دون أي تردد. فالحرية قيمة عظمى، لا يدرك قيمتها الحقيقية إلا من دفع أثماناً باهظة في سبيلها. أما من يعوّل على حرية يمنحها الآخرون، فلا يلبث أن يستسلم كالأضحية يوم تُنتزع منه. لكن الشعب السوري يدرك تمامًا معنى النصر الذي تحقق بعد ستين عامًا من العيش تحت ظلم الأسد. ويُدرك أن ما وصل إليه لم يكن إلا ثمرة صبر بُذل في سبيل الله، ومقاومة متشبّثة بالحق، وثقة ويقين وتوكل على الله.

تشكل الثورة السورية نموذجاً صارخا على قدرة الإرادة الحرة في مواجهة الأنظمة التي مُنحت شهادة حصانة من موازين القوى الدولية. فحصونهم التي تبدو منيعة تُدك، وجيوشهم التي توهم بأنها لا تُقهر تتذوق مرارة الهزائم الساحقة، أما هيبتهم التي اعتقدوا أنها تعانق السماء فقد سقطت إلى الحضيض، ويشاهد الظالمون بأعينهم كيف تُطيح بهم الثورة.

لقد استمرت روسيا، وإيران، وإسرائيل، والصين، والولايات المتحدة، ودول الخليج في دعم نظام الأسد، بعضهم بشكل مباشر والبعض الآخر عبر ألاعيب الموازنة. وجاء النصر في لحظة كان فيها الجميع يؤكدون دعمهم، ويجددون عقودهم مع هذا النظام الدموي، في وقت ساد فيه الظن بأن هذا النظام لم يترك أي بصيص أمل للمظلومين. وكما رأى الظالمون بأعينهم كيف دُحروا بهذه الثورة، لا بد أن من يليهم قد استلهموا رسالة من هذا السقوط.

لقد وصلت تلك الرسالة إلى الأسد مبكراً جداً، مدونة بخط أطفال درعا الأحرار على جدران الشوارع: "إجاك الدور يا دكتور". لكن الدكتور، بدلاً من أن يستوعب الرسالة، توهم أنه يستطيع الهروب من هذه الثورة بقتل جميع الأطفال ـ كما فعل الفراعنة ـ واجتثاث سلالة الأطفال القادرين على الإطاحة به. لكنه لم يجد مهرباً من النهاية المحتومة، وها هو اليوم يصبح عبرة ورسالة تُرسل إلى كل من هم على شاكلته.

في الذكرى الأولى لانتصار الثورة السورية، وفي احتفالات عيد الحرية، تحمل المعانقة والحوار بين أحمد الشرع وشعبه كل بشائر مستقبلٍ واعدٍ مشرقٍ لسوريا. لكننا نستمع باستمرار إلى تلك التحليلات السقيمة من أولئك الذين يحاولون تحميل لقاءاته واتصالاته الدولية بعد الثورة معاني مشوّهة وسخيفة من نسج أوهامهم. والحقيقة أنّ ما يمكن استنتاجه من تلك التحليلات لا يتجاوز أمرًا واحدًا: لو كانوا هم في مكانه، لفعلوا نفس الشيء.

لو كانوا مكانهم، لما كانوا حققوا مثل هذا النصر إلا بدعم الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو غيرهما من القوى الإمبريالية التي كانوا سيبيعون بلادهم مقابلها. إن الجبناء والمتعاونين الذين لم يتمكنوا من تحقيق أي نجاح دون إجراء تلك المساومات وبيع أوطانهم، لا يستطيعون فهم أو تفسير نصر الشرع الساطع كالشمس بطريقة أخرى. إنهم يحاولون تفسير علاقات الشرع الدولية بعد الثورة بروحية الخيانة والجبن التي تسكنهم.

بينما لا يعزو الشرع نجاحه في الثورة لأحد سوى الله تعالى. فهو وأصحابه بعيدون كل البعد عن حالة التذلل للخلق، إذ يرون أن الثورة تحققت بإيمانهم بالله واتباعهم لأوامره. في إجاباته على أسئلة أمانبور في الدوحة، سواء حول اتهامه بالإرهاب أو حول التوقعات منه، لم يُظهر أدنى موقف دفاعي أو اعتذاري. فهو ليس مضطراً للتنازل عن مبادئه أو عن برنامجه لسوريا، لمجرد مطالبتهم برفع تهمة الإرهاب عنه. إنه ببساطة يعرض الحقائق الموضوعية: فمن يصفونه بالإرهابي، هم الإرهابيون الحقيقيون، لأنهم ارتكبوا مجازر جماعية في أفغانستان والعراق وغزة.


الشرع يفاجِئ الجميع

يفاجئ الشرع (الصحفية) أمانبور ومن يشاركونها الرأي بامتناعه عن تقديم ذلك "الأداء الإسلامي الراديكالي" الذي ينتظرونه منه. فربما ما يتوقعونه هو ذلك العرض الدموي الذي قدمته داعش كمشهد قاتل لا يمتّ إلى حكمة الإسلام ولا إلى مبادئه وسياسته بصلة. بل إن بعضهم يذهب إلى حد اتهام الشرع بالانحراف عن القضية التي ناضل من أجلها طوال السنوات الماضية لمجرد أنه لم يقدم هذا النوع من الأداء. غير أن الشرع لم يتخل عن مبادئه، ولم يحد عن مساره؛ إذ يرى, وكما هو الحال في الفهم السائد لدى التيار الإسلامي عموماً, أن ما يطرحه هو الإسلام الحقيقي نفسه.

في الواقع، هذا هو بالضبط ما قاله لي في أول زيارة له بعد توليه منصبه، في الأيام الأولى من نجاح الثورة. ورغم أننا أطلقنا على هذا الفهم وصف "إسلام الشام"، إلا أنه أمر يمكن لأي شخص مطلع على تاريخ انتشار الإسلام أن يدركه على الفور.

لا حاجة ولا معنى لاختلاق حكايات مجازية كبيرة عن "التحول" أو "التغيير" على انتقاله السريع من الزي العسكري إلى ربطة العنق. فالشرع يتمتع بفهم عميقٍ للفقه الإسلامي، وكيف يمكن للإسلام أن يلتقي بالحقائق والواقع.

أولئك الذين لا يتوقوعن من الإسلاميين سوى العنف وإراقة الدماء والتعصب وعدم التسامح ، عليهم أن يراجعوا الصور النمطية في أذهانهم، وأن يواجهوا فورًا هذا السؤال البسيط والواضح: في أي مكان رأوا الأمثلة التي يتوقعونها اليوم من الإسلاميين في الدول والمجتمعات التي أقامها وحكمها المسلمون على مدى قرون؟

إن النظر فيمن زرع هذه التصورات في عقولهم سيكون بداية موفقة لصحوة فكرية.


#سوريا
#الثورة
#أحمد الشرع