
في مشعر "مِنَى" غربي المملكة تبدأ أعظم رحلة إيمانية لدى مسلمي العالم حيث تخوضها حشود من الحجيج بأشواق ودموع وآمال وتكبيرات وترتيبات ضخمة أعدتها المملكة
تتدفق جموع حجاج بيت الله الحرام مع إشراقة صباح غد الأربعاء؛ الثامن من شهر ذي الحجة لعام 1446هـ؛ إلى صعيد مشعر "مِنَى" غربي السعودية، لتبدأ أعظم رحلة إيمانية لدى مسلمي العالم، والتي تخوضها حشود من ضيوف الرحمن بأشواق ودموع وآمال وتكبيرات وترتيبات ضخمة أعدتها المملكة.
على صعيد "مِنَى" سيقضى ضيوف الرحمن، الأربعاء، "يوم التروية" أولى محطات مناسك الحج، التي تتواصل على مدى 6 أيام.
يأتي ذلك اقتداء بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ارتوى (تزود) بالمياه قبل أداء الحج.
ويُقال أيضا إن "يوم التروية" سمي بذلك لأن الحجاج يروون فيه أنفسهم بالإيمان والتقوى، استعدادا للوقوف بعرفة، منسك الحج الأعظم، في التاسع من ذي الحجة (الخميس).
في يوم التروية، سيقضى الحجاج وقتهم في الدعاء والذكر والتأمل، وترديد تلبية الحج: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
كما يُصلّون في "مِنَى" الصلوات الخمس قصرا من دون جمع، ويبيتون هناك قبل التوجه إلى صعيد عرفة بعد طلوع شمس يوم التاسع من ذي الحجة.
** مشعر "مِنَى"
ويقع مشعر "مِنَى" بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بُعد 7 كلم شمال شرق المسجد الحرام.
وهو عبارة عن وادٍ تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكن إلا في فترة الحج.
ويقول المؤرخون إن تسمية مشعر "مِنَى" مشتقة من الفعل "أَمنَى" بمعنى أراق الدماء؛ وذلك لكثرة ما يراق فيه من دماء الهدي.
ولمشعر "مِنَى" مكانة دينية خاصة، ففي هذا المكان رمى نبي الله إبراهيم عليه السلام إبليس بالجمار، وذبح فدي سيدنا إسماعيل عليه السلام.
ثم أكد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هذا الفعل في حجة الوداع حيث رمى جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى صبيحة يوم العاشر من ذي الحجة، وذبح الهدي بعد رمي الجمرات، وحلق شعره في اليوم ذاته، ومن بعده استنَّ المسلمون بسنته يرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون.
أيضًا، يشتهر مشعر "مِنَى" بمعالم مهمة في الحج، منها الشواخص الثلاث التي يرمي فيها الحجاج الجمرات، وهي جمرة العقبة في العاشر من ذي الحجة، وجمرات أيام التشريق الثلاثة 11 و12 و13 ذي الحجة.
كما يحتضن هذا المشعر مسجد "الخيف"، الذي ألقى فيه النبي المصطفى خطبة حجة الوداع.
كذلك، شهد مشعر "مِنَى" أحداثا تاريخية في الإسلام منها بيعتا العقبة الأولى والثانية عامي 12 و13 من الهجرة، والتي بايع فيهما مجموعة من الأنصار النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على نصرته.
** استعدادات ضخمة
وأعدت المملكة ترتيبات ضخمة لاستقبال الحج مع قرب انطلاق أولى محطات المناسك، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس".
ففي الجانب الصحي، أنشأت وزارة الصحة مستشفى طوارئ جديدا في مشعر منى بسعة 200 سرير، إلى جانب تشغيل 15 مستشفى ميدانيا، وتوفير أكثر من 900 سيارة إسعاف، و11 طائرة إخلاء، و71 نقطة طوارئ، وأكثر من 7500 مسعف.
وتعزز الوزارة استخدام التقنيات الصحية من خلال "مستشفى صحة الافتراضي"، الذي يتيح تقديم الاستشارات الطبية عن بُعد.
كما يشهد الموسم مشاركة موسعة للقطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية، من خلال تشغيل 3 مستشفيات كبرى في المشاعر، ضمن إطار الشراكة الصحية لتوسيع الطاقة الاستيعابية وتوفير خيارات علاجية إضافية.
أيضا، أنهى قطار المشاعر استعداداته لاستقبال الحجاج عبر 9 محطات موزعة على مشاعر عرفات ومزدلفة ومنى.
وتصل المحطة الأخيرة في مِنَى إلى الدور الرابع من جسر الجمرات، بما يعزز انسيابية حركة الحجاج وسلامتهم.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية للقطار 72 ألف راكب بالساعة في الاتجاه الواحد، ويسير بسرعة 80 كيلومترًا في الساعة، ما يمكنه من قطع المسافة بين منى وعرفات خلال نحو 20 دقيقة.
كما أعلن مشروع المملكة "أضاحي" للإفادة من الهدي والأضاحي عن استكمال جاهزيته التشغيلية لموسم حج 1446هـ، بتشغيل 7 مجمعات للأضاحي، تمتد على مساحة تتجاوز مليون متر مربع، بطاقة تشغيلية تفوق مليون رأس خلال 84 ساعة، وتضم نحو 25 ألف كادر بشري متخصص.
قوات الدفاع المدني بالحج كثفت من جانبها خلال الأيام الأخيرة الجولات التفتيشية في مشعر منى، لمتابعة اشتراطات السلامة في مخيمات الحجاج، والتزام مؤسسات الحج والطوافة بتعليمات الدفاع المدني.
فيما وقف رئيس هيئة الأركان العامة الفريق أول الركن فياض بن حامد الرويلي، الاثنين، على جاهزية وحدات القوات المسلحة المشاركة في مهمة الحج لعام 1446هـ، وذلك في إطار دعم جهود الأجهزة الأمنية والجهات الحكومية لضمان أمن وسلامة ضيوف الرحمن.
وتتنوع مشاركة وزارة الدفاع في موسم حج هذا العام، حيث تشارك القوات البرية ممثلة في الشرطة العسكرية الخاصة، في تنظيم الحشود وتأمين المواقع الحيوية بالمشاعر، دعما لجهود وزارة الداخلية.
كما تُسهم في التفويج وتنظيم الحركة في نقاط العبور الرئيسية.
وتقدم القوات الجوية دعما متقدما يشمل المراقبة والاستطلاع وتأمين الأجواء فوق المشاعر المقدسة.
وفي الجانب الصحي، تنفذ الخدمات الصحية بوزارة الدفاع خطة طبية متكاملة تشمل تشغيل 36 مقرا صحيا بطاقة استيعابية تفوق ألفا و40 سريرا، عبر بعثة تضم أكثر من ألف و790 كادرا صحيا وإداريا، موزعين على المستشفيات والعيادات الميدانية في المشاعر المقدسة.
ووفق الأرقام الرسمية المعلنة حتى الاثنين، تجاوز عدد الحجاج القادمين إلى المملكة من الخارج 1.47 مليون حاج.