
- مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور تحاصرها "الدعم السريع" منذ أكثر من عام وتمنع عنها الغذاء والدواء - منظمات محلية ودولية أطلقت نداءات لفتح ممرات لإدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى المحاصرين - متحدث منسقية للنازحين آدم رجال: الفاشر تموت في صمت، الناس يأكلون علف الحيوانات ومتوقع إبادة جماعية - الناشط الحقوقي محمد خميس: السكان يعانون من قصف مدفعي وشظايا وأعيرة نارية ويحتاجون إلى تدخل عاجل
منذ أكثر من عام ترزح مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، تحت حصار خانق من "قوات الدعم السريع"، مع تحذيرات متزايدة من خطورة الأوضاع الإنسانية.
وتترافق التحذيرات مع نداءات لتدخل عاجل من أجل تقديم مساعدات إنسانية بسبب تفشي الأمراض والجوع ونقص الغذاء بين سكان المدينة والنازحين فيها.
والأربعاء الماضي، قالت شبكة أطباء السودان (أهلية) في بيان: "نطلق نداء استغاثة عاجل للسلطات المحلية والمنظمات الدولية لإنقاذ الفاشر بسبب وصول الجوع للمرحلة الثالثة".
وأوضحت أن "ما تتعرض له الفاشر من حصار مطبق أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية والصحية بشكل كارثي".
وتابعت: "بلغت مستويات الجوع المرحلة الثالثة (الطوارئ) بحسب التصنيفات الدولية لانعدام الأمن الغذائي، ما يعرض آلاف الأطفال والنساء إلى خطر الموت بالجوع".
و"تعاني آلاف الأسر في الفاشر من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب، مع انقطاع الإمداد نتيجة للحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية من قبل الدعم السريع"، وفق البيان.
وشددت شبكة أطباء السودان على أن هذا الوضع "يجعل حياة المدنيين، وخاصة الأطفال وكبار السن، تحت خطر المجاعة والأوبئة".
وناشدت السلطات المحلية والمنظمات الدولية والجهات الإنسانية "التدخل الفوري والعاجل لفتح ممرات آمنة".
وزادت أن الممرات تهدف إلى "إدخال المساعدات وتوفير الغذاء والدواء والمياه ورفع الحصار عن المدينة المنكوبة، فمدينة الفاشر تستغيث".
والثلاثاء، لفت برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى مرور عام على تأكيد المجاعة لأول مرة في مخيم زمزم في شمال دارفور.
وقال إنه بعد مرور عام، يُحذر من أن العائلات المحاصرة داخل الفاشر، عاصمة الولاية المحاصرة، "تواجه خطر المجاعة".
وبيَّن أن "المدينة معزولة عن وصول المساعدات الإنسانية، مما لا يترك للسكان المتبقين خيارا سوى الاعتماد على ما تبقى من إمدادات محدودة للبقاء على قيد الحياة".
وفي 3 أغسطس/ آب الجاري حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من تعرض أكثر من 640 ألف طفل دون سن الخامسة لخطر متزايد من العنف والجوع والمرض، وسط تفشي الكوليرا بشمال دارفور.
وفي الآونة الاخير كثفت "قوات الدعم السريع" هجماتها على الفاشر، دون أن تنجح في إسقاطها والسيطرة عليها.
وحتى اليوم تمكن الجيش السوداني والقوات المشتركة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام والمقاومة الشعبية (متطوعون) من الدفاع عن المدينة.
وبلغ عدد هجمات "الدعم السريع" على الفاشر نحو 226 هجوما، تمكنت قوات الجيش من صدها، بحسب الفرقة السادسة مشاه للجيش بالفاشر.
ومنذ 10 مايو/ أيار 2024 تحاصر "قوات الدعم السريع" الفاشر، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
ويعتمد جزء كبير من النازحين والسكان في المدينة على المطابخ الجماعية (التكايا)، التي تقدم الوجبات لهم عبر ناشطين، بدعم من منظمات مدنية وخيرين.
وجراء نقص الغذاء لجأ كثيرون إلى أكل علف الحيوانات، وهي مخلفات زيت الفول والسمسم، إذ يتم طبخها على النار ثم تناولها.
موت بطئ
متحدث المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بالسودان آدم رجال، قال إن "الظروف الإنسانية بالغة التعقيد في دارفور، وخاصة الفاشر".
وأوضح في حديث للأناضول أنها "عبارة عن موت بطئ وكارثة إنسانية، والموت بصمت دون أن يشعر به أحد".
وبصوت متحسر أضاف: "وصل الناس إلى مرحلة صعبة جدا، واختفت كل الاحتياجات الأساسية بالنسبة للأكل في الأسواق".
وأردف: "لن تجد شيئا تشتريه بمالك، وحتى المال الذي تريد أن تشتري به لن تجده".
"تحدٍ مرير يعيشه الناس في الفاشر، حيث الجوع والمجاعة وسوء التغذية تفتك وتقتل الأطفال بصمت"، كما زاد "رجال".
وشدد على أن "الواقع في الفاشر يحتاج لمعالجة عاجلة، وأن ينظر الناس إلى هذا الواقع المرير".
وتابع: "وصل الحال بالناس أن تأكل الأمباز فقط، وحتى الأمباز غير متوفر وغال وتضاعف سعره".
واستطرد: "وصول الأمر أن يأكل الإنسان علف الحيوان فقط كطعام هي مرحلة صعبة جدا، وتفوق حد الكارثة الإنسانية، والعالم صامت".
و"متوقع أن تكون هناك إبادة جماعية صامتة، لو لم يتحرك العالم للضغط على أطراف النزاع لفتح المسارات لوصول المساعدات في أقرب وقت"، بحسب تحذير "رجال".
تدخل عاجل
"نعاني كثيرا من عدم توفر الخدمات الإنسانية والسلع التجارية"، هكذا بدأ الناشط الحقوقي محمد خميس دودة بمخيم زمزم حديثه للأناضول.
وأرجع "دودة"، المتواجد حاليا بالفاشر، في حديث للأناضول هذا الوضع إلى "حصار قوات الدعم السريع للمدينة".
وتابع: "كما يعاني سكان الفاشر من القصف المدفعي والشظايا والأعيرة النارية الطائشة والجوع الذي يترصدهم في كل لحظة".
وأكد أن "المواطنين في الفاشر يعانون من كيفية الحصول على المواد الغذائية، ومنهم من اضطر لأكل المخلفات التي تعطي للحيوانات من زيت السمسم والفول السوداني".
"دودة" أفاد بـ"انقطاع المواد الغذائية، حيث ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية، فبلغ سعر جوال الذرة 8 ملايين جنيه سوداني (2666 دولارا) وجوال دقيق الدخن 9 ملايين جنيه (3 آلاف دولار)".
وأردف: "المواطنون في الفاشر بحاجة إلى تدخل عاجل فوري من المنظمات الدولية والإقليمية وحكومة السودان لإنقاذ مَن تبقى منهم".
ومنذ أبريل/ نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" حربا دموية ومدمرة، لم تتمكن وساطات إقليمية ودولية حتى الآن من إنهائها.
وأسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بحوالي 130 ألفا
وفي الآونة الأخيرة بدأت تتناقص مساحات سيطرة "قوات الدعم السريع" في ولايات السودان لصالح الجيش، الذي استعاد السيطرة على ولايتي الخرطوم ولاية النيل الأبيض.
وفي الولايات الـ16 الأخرى، لم تعد "قوات الدعم السريع" تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور الخمس.