
السفير محمد مجاهد كوتشوك يلماز، بمقابلة مع الأناضول: - تركيا والجزائر ترتبطان بعلاقات تاريخية ومواقف سياسية متقاربة تعكس وحدة المصير - الجزائريون مثل الأتراك أحرار وصادقون، وأواصر التعاون المتزايد ترسّخ الأخوة - نحو 1600 شركة تركية تنشط بالجزائر واستثماراتنا بلغت 7.7 مليارات دولار - حجم التبادل التجاري تجاوز 6.5 مليارات دولار وهدفنا رفعه إلى 10 مليارات - قضية فلسطين تمثل أبرز أوجه التوافق، والجزائر تساند تركيا بمواجهة الإبادة بغزة
قال سفير أنقرة بالجزائر محمد مجاهد كوتشوك يلماز إن تركيا والجزائر ترتبطان بعلاقات تاريخية ومواقف سياسية متقاربة تعكس وحدة المصير بين الدولتين.
وأضاف كوتشوك يلماز، في مقابلة مع الأناضول بمناسبة إتمام عامه الثاني بالجزائر، أن هذه العلاقات تتعزز باستمرار على أسس اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، بما يمهد لمستقبل مشترك أكثر قوة.
وتابع أنه كان يمتلك معرفة واسعة بالجزائر قبل وصوله إليها، لكن التجربة الميدانية أضافت له بعدا مختلفا.
وأوضح: "كنت قد قرأت كثيرا عن التاريخ والواقع الثقافي والسياسي للجزائر، وحصلت على معلومات قيّمة من سلفي في المنصب وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية الحالية ماهينور أوزدمير غوكطاش".
"لكن عندما تطأ قدماك هذه الأرض، تدرك أن ما في الكتب لا يكفي"، كما استدرك كوتشوك يلماز.
وأردف: "نتحدث عن جغرافيا شاسعة تبلغ مساحتها 2.4 مليون كيلومتر مربع، تزخر بتنوع ثقافي ومناخي، وإمكانات اقتصادية وعمق تاريخي لا يُدرك إلا على أرض الواقع".
وأشار إلى أن معرفة الأتراك بالجزائر غالبا ما تقتصر على العاصمة والساحل، لكن "الجزائر أكبر من ذلك بكثير، ففي كل منطقة منها ثراء مختلف وحكاية خاصة".
** تشابه بين الشعبين
وعن المجتمع الجزائري، رأى كوتشوك يلماز أن هناك تشابها كبيرا بين الشعبين التركي والجزائري.
وتابع: "الجزائريون مثل الأتراك، فخورون، أحرار وصادقون، دافعوا عن وطنهم ضد الاحتلال (الفرنسي) دون كلل وانتصروا".
واستطرد: "ولهذا فإن اعتزازهم الوطني مستحق. تركيا والجزائر تمثلان في العالم الإسلامي نموذجين استثنائيين لشعوب كافحت الاستعمار وانتزعت استقلالها".
كوتشوك يلماز تطرق إلى ما تُعرف بـ"العشرية السوداء" التي شهدتها الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي، مبينا أن موجة الإرهاب آنذاك ألحقت أضرارا كبيرة بالبلاد.
واستدرك: "لكن الشعب الجزائري الذي تجاوز الكثير من المحن في تاريخه، نجح مرة أخرى بالتعاون مع دولته في تجاوز تلك المرحلة القاسية".
** تنوع ثقافي
السفير التركي قال إنه زار 25 ولاية جزائرية من أصل 58، والتنوع الثقافي يبرز في كل منطقة.
وأضاف: "في الشرق هناك قسنطينة وبسكرة وباتنة وعنابة، وفي الغرب تلمسان ووهران، أما في الصحراء فهناك أدرار وغرداية وتمنراست".
وتابع: "في كل مكان تقاليد مختلفة ومطابخ متنوعة وأزياء مميزة، لكن القاسم المشترك هو كرم الضيافة، فأي بيت تدخله هنا ترى ما يشبه ما نراه في (منطقة) الأناضول" بتركيا.
وشدد على خصوصية المطبخ الجزائري وما يربطه بالمطبخ التركي، قائلا: "للجزائر أطباقها الخاصة مثل الكسكسي والمشوي والمردوم".
وأردف: كما "تجد على الموائد أكلات تحمل نفس الأسماء التي نعرفها في تركيا، مثل البورك والبقلاوة والدولما والإريشته والشكشوكة. وهذا دليل على عمق الروابط بين البلدين".
كما لفت إلى التشابه في الأزياء والحرف التقليدية بقوله: "القفطان هنا شبيه جدا بما لدينا شكلا واسما".
وزاد: "أما في الصناعات اليدوية، فالنقوش النحاسية وأساليب الزخرفة والرسوم المستخدمة مألوفة تماما بالنسبة لنا في الأناضول".
** القصبة وسليمانية والفاتح
في حديثه عن العمارة، قال: "عندما تسير في أزقة القصبة تشعر كأنك تتجول في أحياء منطقة سليمانية أو الفاتح" بمدينة إسطنبول، مبينا أن "الفارق الوحيد أنه هنا، إلى جانب الإرث العثماني، تتنفس أيضا عبق الأندلس".
وتابع: "فبعد أن حرر خير الدين بربروس الجزائر من الإسبان، ضمّ إليها أهل الأندلس وتجربتهم الإدارية، وهو ما شكّل هذا المزيج الثقافي الفريد".
كما أن "ما بين 5 بالمئة و20 بالمئة من سكان الجزائر يُقدّر أنهم من أصول تركية"، بحسب كوتشوك يلماز.
وأردف: "يمكن التعرف على هذه العائلات من خلال ألقابها مثل صاري وقره وباروتجي وتلجي. بعضهم جاء مباشرة من الأناضول، والبعض الآخر ينحدر من عائلات قول أوغلو (الكراغلة) أحفاد الانكشارية".
ولفت إلى أن القائد أحمد باي، المعروف بدوره في مقاومة الاحتلال الفرنسي، كان أيضا من أبناء قول أوغلو.
ومضى قائلا: "حين تنزل إلى الأسواق، تجد الناس إما يذكرون لك أصولهم التركية أو يخاطبونك بكلمات تعلموها من المسلسلات التركية".
و"في إحدى المرات، أراد تاجر أن يُهدي زوجتي ستارة في متجره، وهذه مجرد لمحة صغيرة، لكنها معبّرة عن صدق المحبة"، كما زاد كوتشوك يلماز.
** "سنوات الضياع"
وعند حديثه عن مرحلة ما بعد الحكم العثماني للجزائر، وصف كوتشوك يلماز الفترة بين عامي 1830 و1962، حين كان البلد العربي تحت الاحتلال الفرنسي، بـ"سنوات ضياع".
وقال إن ظروف الدولة العثمانية حينها حالت دون استمرار الروابط الوثيقة، و"فور الاستقلال، كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بالجزائر، وفي 1963 افتتحت أنقرة سفارتها في الجزائر".
وشدد على أن أنقرة قدّمت دعما مهما لثورة الجزائر ضد الاستعمار، وزاد بأنه "أحيانا يحاول البعض الترويج لفكرة أن تركيا لم تدعم كفاح الجزائر، لكن الحقيقة مغايرة".
وتابع: "بحسب ما ذكره ألب أرسلان توركش (سياسي تركي راحل ومؤسس لحزب الحركة القومية)، جرى بوساطته إرسال 200 مدفع و20 ألف بندقية إلى المجاهدين الجزائريين عبر ليبيا".
"ورئيس الوزراء التركي الراحل عدنان مندريس نسّق هذه المساعدات مع رئيس الحكومة الليبية آنذاك"، كما أردف كوتشوك يلماز.
** فلسطين في صلب التوافق
وأكد كوتشوك يلماز أن البلدين يتبنيان مبادئ متقاربة في السياسة الخارجية، موضحا أن القضية الفلسطينية تمثل أبرز أوجه التوافق بينهما.
وأوضح: "نتفق على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومعارضة الاستعمار، وضرورة حل القضايا من داخل المنطقة لا من خارجها".
وشدد على أن "الجزائر من الدول النادرة التي تحتضن القضية الفلسطينية بقدر ما تفعل تركيا، فقد استضافت إعلان قيام دولة فلسطين عام 1988".
ومضى قائلا: "واليوم تقف إلى جانب تركيا في مواجهة الإبادة الجماعية الجارية في غزة".
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت 64 ألفا و964 قتيلا و165 ألفا و312 مصابا من الفلسطينيين، ومجاعة قتلت 428 فلسطينيا بينهم 146 طفلا.
** تعاون في النقل والتعليم
وحول أولويات العلاقات الثنائية، قال كوتشوك يلماز إن زيادة حركة التنقل بين البلدين تأتي في مقدمة مجالات التعاون الثنائي.
وأوضح أن "عدد الرحلات (الجوية) الأسبوعية بين تركيا والجزائر ارتفع من 35 إلى 80 رحلة، ومع بدء شركتي بيغاسوس وأجيت تسيير رحلاتهما، انخفضت أسعار التذاكر بشكل ملحوظ".
وفي مجال التعليم فإن "79 طالبا جزائريا حصلوا هذا العام على منح دراسية في تركيا، إضافة إلى إرسال الرئاسة الجزائرية 200 طالب متفوق إلى تركيا، وهذه البرامج تمثل أفضل استثمار في المستقبل"، وفقا لوتشوك يلماز.
وأفاد بأن نحو 1600 شركة تركية تنشط في الجزائر، والاستثمارات التركية بلغت 7.7 مليارات دولار.
وأضاف أن "حجم التبادل التجاري تجاوز 6.5 مليارات دولار، وهدفنا رفعه إلى 10 مليارات".
كذلك لفت إلى بدء نشاط مدارس "معارف" التركية ومركز "يونس إمره" الثقافي التركي بالجزائر.
وتابع: "منذ 2015 تنفذ الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) مشاريع ناجحة للغاية، حيث جرى تنفيذ 26 مشروعا في 15 ولاية العام الماضي فقط".
وأردف: "هذا العام نفتح أقسام التعليم الأساسي في مدرسة معارف، ومعهد يونس إمره بدأ نشاطه بالفعل".
كما أن "بنك الزراعة التركي افتتح فرعه مطلع 2025، وافتتحنا قنصلية عامة جديدة بوهران، وبدأنا بناء مبنى جديد للسفارة والقنصلية"، بحسب تشوك يلماز.
وشدد على أن هذه الخطوات تمنح البلدين والشعبين ثقة كبيرة بالمستقبل.
وزاد بأنه "عندما تكتمل هذه الجهود المؤسسية، لن تكون علاقاتنا أكثر متانة فحسب، بل ستقوم أواصر الصداقة بين شعبينا أيضا على أسس أكثر رسوخا".
و"نحن في الحقيقة ننقل إرث تاريخ مشترك يمتد لـ316 عاما نحو مستقبل أكثر ازدهارا"، كما ختم وتشوك يلماز.