إلى أين يمضي إيلون ماسك؟

08:478/07/2025, الثلاثاء
تحديث: 8/07/2025, الثلاثاء
عبدالله مراد أوغلو

بعد أن قطع إيلون ماسك علاقته بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أعلن عن تأسيس ما أسماه «حزب أمريكا». وفي منشوراته، يرى ماسك أن النظام السياسي الأمريكي في حقيقته عبارة عن «حزب واحد» فقط، وأن ذلك يُفسد العملية الديمقراطية ويؤثر عليها سلبًا. الخطاب نفسه ردّده أنصار ترامب منذ عام 2016؛ إذ كان ترامب يصف «الحزب الواحد» المكوّن من جناحين بأنه «مستنقع واشنطن»، معتبرًا أن كل ما يسير بشكل سيئ مصدره هذا المستنقع. وفي الكونغرس الأمريكي، تتصرف الأجنحة الرئيسية للحزبين الرئيسيين غالبًا كأنهما «حزب واحد» في

بعد أن قطع إيلون ماسك علاقته بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أعلن عن تأسيس ما أسماه «حزب أمريكا». وفي منشوراته، يرى ماسك أن النظام السياسي الأمريكي في حقيقته عبارة عن «حزب واحد» فقط، وأن ذلك يُفسد العملية الديمقراطية ويؤثر عليها سلبًا.

الخطاب نفسه ردّده أنصار ترامب منذ عام 2016؛ إذ كان ترامب يصف «الحزب الواحد» المكوّن من جناحين بأنه «مستنقع واشنطن»، معتبرًا أن كل ما يسير بشكل سيئ مصدره هذا المستنقع.

وفي الكونغرس الأمريكي، تتصرف الأجنحة الرئيسية للحزبين الرئيسيين غالبًا كأنهما «حزب واحد» في كثير من القضايا. وبالنسبة لكثيرين في اليمين واليسار، فإن «الحزب الواحد» أصبح رمزًا لفساد السياسة الأمريكية. حتى شخصيات مثل رالف نادر وجيل ستاين – المرشحان السابقان للرئاسة عن «الحزب الأخضر» – استخدموا مصطلح «الحزب الواحد» أثناء انتقادهم للنظام السياسي الأمريكي. أما شيلدون ريتشمان من «معهد الحرية» ذي التوجّه الليبرتاري اليميني، فكتب في مقال عام 2012 يقول: «الحزبان هما في الحقيقة جناحان لحزب واحد يمثل النظام القائم دائمًا».


وكان من أكثر الذين استخدموا مصطلح «الحزب الواحد» ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب للشؤون الإستراتيجية في ولايته الأولى. وكان كيس الحزب الواحد لدى بانون يشمل المحافظين الجدد، والنيوليبراليين، وكبار الممولين، والعولميين، وممولي وول ستريت، والمدافعين عن الشركات، والنخب عمومًا. وبالمثل كان الحزب الواحد – في رأيه – مسؤولًا عن «حروب أمريكا التي لا تنتهي».


وفي عام 2016، وعد ترامب خلال حملته الانتخابية أنه إذا انتُخب رئيسًا فسوف «يجفّف مستنقع واشنطن». لكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك الوعد. حتى أن الكاتبة اليمينية آن كولتر كتبت في مقال لها على «برايتبارت نيوز» في أغسطس 2017 تقول: «بدلًا من أن يجفّف ترامب المستنقع، يبدو أن المستنقع هو الذي جفّف ترامب. لقد ابتلع جدول أعمال ترامب ضمن جدول أعمال الحزب الواحد في واشنطن».


في عهد بايدن، كان الكونغرس الأمريكي قد صادق على مشروع قانون لدعم أوكرانيا عسكريًا بتوافق من الحزبين. وقد أغضب هذا القرار العديد من أنصار ترامب، الذين صبّوا جام غضبهم على الجمهوريين الذين صوّتوا لصالحه. في تلك الفترة، كان ج. د. فانس نائبًا في مجلس الشيوخ، وهو نائب الرئيس الحالي لترامب، وقد انتقد بشدة تخصيص تمويل إضافي لأوكرانيا، وقال: «سواء سميته حزبًا واحدًا أو أي شيء آخر، فإن هذا يدلّ على أن هناك خللًا ما في عمليتنا الديمقراطية». أما وزير الصحة الحالي لترامب، روبرت ف. كينيدي جونيور، فقد كتب حينما كان مرشحًا مستقلًا للرئاسة عام 2024، أن كثيرًا من الأمريكيين يرون أن الحزبين في الحكم ليسا إلا «حزبًا واحدًا».


وفي انتخابات 2024، لم يدلِ نحو 90 مليون ناخب بأصواتهم. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن جزءًا مهمًا من الناخبين لم يعد يرى فرقًا بين الحزبين. وهذه الأرقام تفسّر «جزئيًا» سبب امتناع هذا العدد الهائل عن التصويت. ويسعى ماسك أيضًا إلى استقطاب هذه الفئة التي فقدت الثقة في الحزبين، من خلال إصراره على توصيفهما بـ«الحزب الواحد».


ووفقًا لاستطلاع أجراه «مركز بيو للأبحاث» في سبتمبر 2023، فإن ربع الناخبين يعتقدون أن كلا الحزبين لا يمثل مصالح الناس العاديين مثلهم. ويكاد يكون هذا الشعور متساويًا بين الجمهوريين والديمقراطيين؛ إذ يرى حوالي ربع مؤيدي الحزبين أنهم غير ممثلين بشكل جيد من قِبَل أحزابهم. وقد يرى البعض أن هذه الأرقام تفتح الباب أمام حركة جديدة في السياسة الأمريكية، لكن عند التعمّق في التفاصيل يبدو أن فرص نجاح حزب ثالث ليست سهلة أبدًا.


ورغم وجود العديد من الأحزاب مثل «الحزب الليبرتاري»، و«حزب العائلات العاملة»، و«الحزب الأخضر» في الولايات المتحدة، فإن هذه الأحزاب تميل في الانتخابات المحلية والفيدرالية إلى دعم مرشحين من الحزبين الرئيسيين الأقرب إليها أيديولوجيًا. ومن جهة أخرى، فإن الحزب الثالث عادةً ما يواجه مشكلة «تشتيت الأصوات» لصالح الحزب الأقرب له، ولهذا السبب فإن تحرك ماسك يخيف الجمهوريين أكثر من غيرهم.


ويشير ماسك إلى أن «حزب أمريكا» سيُركّز في انتخابات 2026 على الفوز بعدد من مقاعد مجلس الشيوخ وما يقارب ثمانية إلى عشرة مقاعد في الكونغرس. ويخطط ماسك لإفشال قدرة الحزبين الرئيسيين على تحقيق الأغلبية داخل الكونغرس، حتى يتمكّن من التأثير في جدول الأعمال التشريعي.


وكانت أشد الانتقادات لماسك قد جاءت من ستيف بانون، الذي اعتبر أن ماسك تجرّأ على تأسيس «حزب أمريكا» رغم أنه ليس أمريكيًا بالأصل، إذ قال إن ماسك مهاجر من جنوب أفريقيا، ولذا يجب فحص وثائق جنسيته بدقة بل وإبعاده من البلاد.


أما وزير الخزانة الأسبق لترامب، سكوت بيسانت، فقد نصح ماسك بأن يعود إلى مجاله الذي يتقنه، معتبرًا أن مجالس إدارات شركات ماسك منزعجة من مشروعه الحزبي هذا. وفي إشارة ضمنية، بدا بيسانت وكأنه يلوّح بالتهديد. وبذلك يكون ماسك قد نجح – حتى قبل أن يبدأ – في إثارة قلق الكثيرين ممن يحرصون على مصالحهم في الساحة السياسية والاقتصادية الأمريكية.

#ترامب
#ماسك
#حزب أمريكا
#االحزب الواحد