
- الطبيب إليياز بيلاف: كنا نكافح بالبوسنة من أجل البقاء في أيام كان الموت يتجول في كل مكان - الأكاديمي مدحت تشاوسيفيتش: نشهد اليوم إبادة في مكان آخر من العالم، إذ يُقتل الناس في غزة
في شهادات مؤثرة، يتحدث طبيب وأكاديمي بوسنيان عن المجزرة التي ارتكبها الجيش الصربي في سربرنيتسا بالعام 1995، ويشبهان ذلك بما تقترفه إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 21 شهرا.
الطبيب إليياز بيلاف، أحد شهود الإبادة الجماعية في البوسنة، قال إن ما عاشه من معاناة لم ينتهِ بعد، مشبّهًا ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة اليوم بما حدث في سربرنيتسا.
الطبيب الأكاديمي بجامعة سراييفو، تحدث لوكالة الأناضول بمناسبة الذكرى الثلاثين لمجزرة سربرنيتسا، مستذكرًا ما لا يمكن نسيانه من أيام سوداء بتاريخ البشرية.
يقول بيلاف الذي عمل بمدينة سربرنيتسا شرق البوسنة والهرسك أثناء الإبادة الجماعية عام 1995، إنه كان يكافح يوميًا لإنقاذ حياة أشخاص جدد طوال حرب استمرت أكثر من ثلاث سنوات.
يشير إلى أن الموت كان "يتجول في كل مكان"، معتبرًا أن العالم يكرر صمته المروّع أمام إبادة جديدة تُرتكب بحق الأبرياء الفلسطينيين في قطاع غزة.
بيلاف يذكر أنه قرر البقاء طوعًا في سربرنيتسا عام 1992 عندما بدأت الحرب في البوسنة والهرسك، وكان آنذاك طبيبًا شابًا يفتقر للخبرة.
يقول: "روحي وعقلي لا يزالان يحملان آثار القتل الجماعي والجراح والمعاناة التي بدأت ضد البوشناق (مسلمو البوسنة) عام 1992، كنت طبيبًا بلا خبرة ولا معدات، أواجه إصابات بين الأطفال والشباب وكبار السن".
ويشير إلى أنه أجرى جميع عملياته الجراحية في سربرنيتسا دون أن يتمتع بالخبرة الكافية ورغم قلة الإمكانات.
ويضيف: "كنا نفتقر للأدوية، ورغم كل الظروف نجحت مع فريقي بإنقاذ العديد من الأرواح في مستشفى ميداني بالمنطقة. كل روح أنقذناها كانت ذات قيمة بالنسبة لنا، وكل حياة فقدناها كانت ألمًا لا يوصف".
وأكد بيلاف أنهم كانوا يناضلون من أجل البقاء في أيام كان الموت "يتجول في كل مكان"، مشيرًا إلى أن سربرنيتسا التي كانت تحت حماية الأمم المتحدة عام 1995، تُركت بيد المجرمين.
6 أيام و6 ليالٍ من الجحيم
ويلفت بيلاف إلى أن الجيش الصربي ارتكب الإبادة الجماعية في سربرنيتسا على مرأى المجتمع الدولي، مبينا أنه أجرى عمليات جراحية لأصدقائه وأقربائه.
ويردف: "بعد هجوم بقذائف الهاون وصل أكثر من 30 جريحًا إلى المستشفى، واجهت الحقيقة المُرّة بأني لا أستطيع مساعدة الجميع في الوقت نفسه. طلبت المساعدة فورًا. وبمساعدة الفرق المتطوعة، نجحنا في إنقاذ معظم الجرحى ذلك اليوم".
ويذكر بيلاف أنه بعد سقوط سربرنيتسا بيد الصرب في 11 يوليو/ تموز 1995، سلك الطريق المعروف بـ"طريق الموت" الذي يمر عبر الغابات.
ويتابع: "نتحدث عن 100 كيلومتر مليئة بالصعوبات للوصول إلى المنطقة الآمنة، قرر 15 ألف شخص فقدوا الثقة بالأمم المتحدة سلوك هذا الطريق، عشت 6 أيام و6 ليالٍ من الجحيم الذي تعجز الكلمات عن وصفه، ونجوت في النهاية بمعجزة".
ويؤكد بيلاف أنه واصل أداء مهامه كطبيب في طريق الغابة، مضيفًا: "في كل متر كان هناك أفخاخ وقنابل وغازات سامة وهجمات، كانوا يريدون ألا ينجو أحد، ناضلنا حتى اللحظة الأخيرة لإنقاذ الجرحى".
ويقول إن سربرنيتسا لا تزال مكانًا موحشًا رغم مرور 30 عامًا على الإبادة، مشيراً إلى أن ما شهدته المدينة يُذكَر فقط في 11 يوليو من كل عام، ويُنسى بقية أيام السنة.
الإبادة تتكرر في غزة
ويتطرق بيلاف إلى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ويصف المجتمع الدولي بأنه "منافق"، لأنه تبنى بعد الحرب العالمية الثانية شعار "لن يتكرر ذلك أبدًا"، في إشارة إلى الإبادة.
ويردف قائلا: "ثم تكرر هذا النوع من المجازر في سربرنيتسا، والحالة تتكرر اليوم مجددًا في غزة، حيث يفقد آلاف الناس (الفلسطينيين) أرواحهم".
ويذكر أن من يرتكبون الإبادة بغزة هم أنفسهم من تعرضوا للاضطهاد في الماضي، وقال: "ضحايا الهولوكوست يقتلون اليوم الأبرياء في غزة. ضحايا الهولوكوست وأقرباؤهم لا يترددون في تبني هوية الجاني اليوم".
** وصمة عار على جبين الإنسانية
من جهته، يقول الأكاديمي بجامعة طوزلا في البوسنة والهرسك، مدحت تشاوسيفيتش، إن سربرنيتسا شهدت إبادة جماعية قبل 30 عامًا، وإنها حدثت أمام أعين الأمم المتحدة.
ويشير تشاوسيفيتش إلى أن المدنيين البوشناق قُتلوا بشكل ممنهج لمجرد اختلاف أسمائهم وديانتهم، معتبرا أن "هذه وصمة عار على جبين الحضارة الإنسانية، للأسف، لن يتم التعرف على هويات جميع من قُتلوا في سربرنيتسا، ولن يكون لجميع الضحايا قبور".
ويوضح أن سربرنيتسا لا تزال مكانًا يعاني من الألم، مؤكدًا أن النساء اللواتي قُتل أطفالهن وأزواجهن سيرحلن عن هذا العالم دون أن يحصلن على حقوقهن.
ويتابع: "بعد سربرنيتسا، نشهد اليوم إبادة جماعية في مكان آخر من العالم، في غزة، إذ يُقتل الناس في غزة لمجرد اختلاف أسمائهم وديانتهم، تمامًا كما حدث للبوشناق. وهذا أيضًا وصمة عار ستقض مضجع الحضارة الإنسانية".
مذبحة سربرنيتسا جريمة تأبى النسيان
وتعد مجزرة سربرنيتسا الأسوأ في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث لجأ مدنيون بوسنيون من سربرنيتسا في 11 يوليو 1995 إلى جنود هولنديين لحمايتهم، بعدما احتلت القوات الصربية بقيادة راتكو ملاديتش المدينة.
غير أنّ القوات الهولندية التي كانت مشاركة ضمن قوات أممية، أعادت تسليمهم للقوات الصربية، لتقوم الأخيرة بعملية إبادة جماعية قضى فيها أكثر من 8 آلاف بوسني من الرجال والفتيان.
كما ارتكبت القوات الصربية العديد من المجازر بحق مسلمين، إبان فترة "حرب البوسنة" التي بدأت في 1992 وانتهت في 1995، عقب توقيع اتفاقية دايتون، وتسببت بإبادة أكثر من 100 ألف شخص، وفق أرقام الأمم المتحدة.
ودفن الصرب القتلى البوسنيين في مقابر جماعية، وبعد انتهاء الحرب أطلقت البوسنة أعمال البحث عن المفقودين وانتشال جثث القتلى من المقابر الجماعية وتحديد هوياتهم.
ودأبت السلطات البوسنية في 11 يوليو من كل عام، على إعادة دفن مجموعة من الضحايا الذين يتم تحديد هوياتهم، في مقبرة "بوتوتشاري" التذكارية.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 194 ألف من الفلسطينيين بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.