ما هذه الوقاحة في بلد مسلم؟

08:184/07/2025, Cuma
تحديث: 4/07/2025, Cuma
أرسين جليك

في الواقع، لا يمكن وصف الكاريكاتير المسيء الذي نشرته مجلة "ليمان" بالجرأة، بل هو محاولة صريحة لتجاوز الخطوط الحمراء. أما البيان التوضيحي الصادر عن المجلة، والذي جاء عقب ردود الفعل الغاضبة، فقد بدا وكأنه معدّ سلفًا، إذ جاء فيه: "لا وجود لتصوير للنبي الكريم في الكاريكاتير. يجب أن يكون المرء سيئ النية جدًا لتفسير الكاريكاتير بهذا الشكل". لكن هذا البيان لا يمتّ بصلة لا من قريب ولا من بعيد إلى نهج المجلة التحريري الذي نعرفه، بل يتناقض معه تمامًا. فجهة إعلامية تعبّر عن الرسول بقولها "نبينا الكريم" لا

في الواقع، لا يمكن وصف الكاريكاتير المسيء الذي نشرته مجلة "ليمان" بالجرأة، بل هو محاولة صريحة لتجاوز الخطوط الحمراء.

أما البيان التوضيحي الصادر عن المجلة، والذي جاء عقب ردود الفعل الغاضبة، فقد بدا وكأنه معدّ سلفًا، إذ جاء فيه: "لا وجود لتصوير للنبي الكريم في الكاريكاتير. يجب أن يكون المرء سيئ النية جدًا لتفسير الكاريكاتير بهذا الشكل". لكن هذا البيان لا يمتّ بصلة لا من قريب ولا من بعيد إلى نهج المجلة التحريري الذي نعرفه، بل يتناقض معه تمامًا. فجهة إعلامية تعبّر عن الرسول بقولها "نبينا الكريم" لا يمكن لها أن تنحدر إلى هذا المستوى المتدني من الطرح، ولا أن تحتضن رسامًا يتبنى مثل هذا الفكر. فإذا نظرنا إلى المسألة من جانب الاحترام الذي يتطلبه ذكر "نبينا الكريم"، فإن ليمان تبدو هنا في موضع تناقض صارخ وسقوط مدوٍّ.

إن تصوير إيران وإسرائيل باسمي "محمد" و"موسى" هو بمثابة دفع الأنبياء إلى الحرب. لقد تجاوز الكاريكاتير مقصده بكثير، وأمعن في الإساءة.

أما تفسير المجلة بأن "رسام الكاريكاتير هنا أراد التعبير عن مظلومية الشعب المسلم بتصوير مسلم قتلته إسرائيل، ولا يهدف إطلاقًا إلى الإساءة للقيم الدينية"، فهو تفسير مريب يحتاج بدوره إلى تفسير. ففي الكاريكاتير يظهر شخصان ميتان، أحدهما مسلم والآخر يهودي، يُفترض أن أرواحهما تصعد إلى السماء.

ويُضاف إلى ذلك أن الخلفية الأيديولوجية لرسام الكاريكاتير دوغان بهلوان، تعكس بوضوح نواياه ودوافعه من هذا العمل.

دعونا نلقي نظرة على بعض ما نشره بهلوان سابقًا عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي:

"الإسلام وتد دُقّ في أجساد الأتراك قسرًا..."

"لا يوجد إسلامي مظلوم... بل هناك إسلاميون لم يُقل لهم بعد: اغربوا عن هذه الجمهورية..."

وقد انتشرت العديد من تغريداته القديمة التي وجَّه فيها شتائم بذيئة للرئيس أردوغان ولأعضاء حزب العدالة والتنمية، قبل أن يُبادر إلى حذفها على عجل.

وبالتالي، فإن تصديق أن رسامًا يقول "الإسلام وتد دُقّ في أجساد الأتراك قسرًا" ويطالب بطرد الإسلاميين من تركيا، وكذلك مجلة تحتضنه وتنشر أعماله، يمكن أن يتسما بالأدب واللباقة ليقولا "نبينا الكريم"، ليس إلا سذاجة مفرطة.


إذن ما الغرض من هذا التجاوز الوقح في دولة مسلمة كتركيا؟

لقد خُضنا العديد من التجارب المماثلة سابقا. فهذه ليست المرة الأولى التي تسخر فيها مجلة ليمان من قيمنا الدينية، وتُهين المتدينين (ويكفي أن نتذكّر أحد أغلفتها الشهيرة لذلك). ونحن نعلم جيدًا أن مثل هذه الرسوم الكاريكاتيرية الحساسة لا تُرسم عبثًا، بل تُعدّ عمداً لتجاوز الخطوط الحمراء، وتُنشر لإشعال الفوضى المحتملة وتأجيجها.

وعلينا أن نتذكر ما حدث في فرنسا. فمجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة نشرت رسوماً تسيء إلى نبينا محمد ﷺ، وتبع ذلك الهجوم على مقرّها في باريس في 7 يناير 2015، والذي أسفر عن مقتل 11 شخصًا. لتتشكّل على إثر ذلك سردية محبوكة. فالرسوم الكاريكاتورية كانت بمثابة استفزاز متعمّد، والردّ الوحشي الذي نفّذه أفراد تابعون لتنظيم داعش، وعُرض على العالم أجمع، استُخدم لاحقًا كمبرر لتشكيل موقف غربي عدائي ممنهج تجاه الإسلام. والأسوأ أن داعش، الذي قيل إنه يقاتل تنظيم "بي كي كي" الإرهابي على الحدود التركية، وُصِف من قبل الإعلام الغربي بأنه يتعاون مع تركيا ضد "بي كي كي" في حين كان الهدف الحقيقي هو تمهيد الطريق لإقامة دولة لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي على حدودنا الجنوبية.

يجب أن تدفعنا علاقة السبب والنتيجة التي اتسمت بها الرسوم الكاريكاتورية في الآونة الأخيرة إلى التفكير بجدية. فالكاريكاتير الذي نشرته ليمان مؤخرًا يحمل طابعًا تحريضيًا مشابهًا من حيث التوقيت، قد يفتح الباب لنتائج مماثلة. وقد رأينا كيف ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف خرج أصحاب المشاعر الدينية الغاضبة إلى الشوارع. ومن غير المنطقي الاعتقاد بأن من رسم الكاريكاتير أو طلب رسمه لم يتوقع هذه الردود الغاضبة. بل العكس، فقد تعمدوا الضغط على أكثر النقاط حساسية لدى مجتمعنا.

ولكن لماذا؟

إن جميع الأحداث الاجتماعية الكبرى في تركيا، سواء في الماضي القريب أو البعيد، بما في ذلك الانقلابات والصراعات العرقية والإيديولوجية، تنتهي خيوطها إلى أطراف خارجية. وليس خافيًا أن البنية الاجتماعية في تركيا قد تصبح مختبرًا للأزمات في أية لحظة.

وإذا نظرنا إلى الواقع الآن، من هو المستفيد من إحداث مثل هذه الفوضى؟

إنّ الضغوط التي تواجهها إسرائيل على الصعيد العالمي، ولا سيما في الغرب، باتت واضحة للعيان. فإسرائيل تعتقد أنها لا تستطيع استعادة سمعتها التي انهارت تمامًا جراء الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة، إلا من خلال لعب دور الضحية. وتسعى جاهدة بشتى الطرق لإعادة شعوب الغرب، وخاصة الأوروبيين، للوقوف مجددًا إلى جانبها ضد المسلمين. وقد تابعنا لحظة بلحظة كيف سوّقت حالة الذعر التي خلّفتها بضعة صواريخ إيرانية ضربت تل أبيب، لكنها لم تكن كافية. فقد استنفد المجتمع الإنساني تعاطفه مع إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن موقف تركيا في الآونة الأخيرة، وتبنيها دور دولة التحالف والسلام، وتحولها إلى مركز دبلوماسي، تُعدّ تطورات تعجز إسرائيل عن مجاراتها.

وفي هذه النقطة تحديدًا، تُحاك المخططات الرامية إلى دفع تركيا نحو الداخل، وزجّها في أتون الفوضى، وتخريب طاولات السلام التي أسستها، وذلك عبر الهجوم على أقدس مقدسات الإسلام تحت غطاء حرية الفكر والفن والصحافة، بغرض دفع المسلمين نحو رد فعل دموي يُستخدم لاحقًا كذريعة لوصمهم مجددًا بالتطرف. إن تحقيق مثل هذه النتيجة هو بالضبط ما تحتاج إليه القوى المهيمنة التي فقدت نفوذها، وعلى رأسها إسرائيل.

لذلك، فإن الكاريكاتير الذي نشرته "ليمان" ليس سوى هجوم استفزازي مُغلّف بالفكاهة. وكان تحرك قوات الأمن السريع لاعتقال المسؤولين عن ذلك، وتطويق مبنى "ليمان" أمنيًا، أمرًا بالغ الأهمية. والجدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية لم تتخذ مثل هذه الإجراءات الوقائية حتى عندما بلغت ردود الفعل ضد "شارلي إيبدو" ذروتها.

ما قامت به "ليمان" هو بوضوح تحريض على الكراهية والحقد بين أفراد الشعب. إنها لعبة خبيثة، والقوة وحدها قادرة على إفشالها. وعلى الدولة أن تقوم بهذا الدور.

كما يجب أن تُدرج القوانين الرادعة لجرائم انتهاك المقدسات والقيم الدينية على جدول أعمال البرلمان في أقرب وقت. يجب أن يستخلص الجميع من هذه الواقعة درسًا حاسمًا: لا يمكن لأحدٍ في بلدٍ مسلم أن يجرؤ على تكرار مثل هذا الفعل مجددا.


#الكاريكاتير المسيء
#مجلة ليمان
#تركيا
#الإسلام
#النبي محمد
#دوغان بهلوان