الشياطين لا تستحقّ سوى العذاب

08:336/07/2025, Pazar
تحديث: 6/07/2025, Pazar
ياسين اكتاي

إنّ الحساسية التي يُبديها المسلمون تجاه معتقداتهم تُعدّ أمرا مبالغا فيه لدى البعض. فمحبتهم لنبيّهم أكثر من أنفسهم، واستعدادهم لبذل المال والروح فداءً له، ينظر إليها على أنها تطرّف. قد يضحي الإنسان بماله وحياته من أجل من يحب، ولكن أن يضحي بمحبوب في سبيل محبوبٍ آخر، فهذا أقسى اختبار في الحب. فالتخلّي عن النفس أهون من التخلّي عن من نُحب. لذلك فإنّ أشدّ أنواع الابتلاء هي التضحية بمن نحب. وعندما ابتُلي سيدنا إبراهيم عليه السلام بأحب الناس إليه، بولده الذي وهبه الله إياه في آخر عمره، كان ذلك أشد عليه

إنّ الحساسية التي يُبديها المسلمون تجاه معتقداتهم تُعدّ أمرا مبالغا فيه لدى البعض. فمحبتهم لنبيّهم أكثر من أنفسهم، واستعدادهم لبذل المال والروح فداءً له، ينظر إليها على أنها تطرّف.

قد يضحي الإنسان بماله وحياته من أجل من يحب، ولكن أن يضحي بمحبوب في سبيل محبوبٍ آخر، فهذا أقسى اختبار في الحب. فالتخلّي عن النفس أهون من التخلّي عن من نُحب. لذلك فإنّ أشدّ أنواع الابتلاء هي التضحية بمن نحب.

وعندما ابتُلي سيدنا إبراهيم عليه السلام بأحب الناس إليه، بولده الذي وهبه الله إياه في آخر عمره، كان ذلك أشد عليه من أن يُبتلى بنفسه، لكن إبراهيم عليه السلام استطاع أن يضع السكين على رقبة ابنه مثبتا أنه خليل الله.

والمؤمنون من أمة محمد ﷺ حين يعبّرون عن مدى حبهم لنبيّهم، لا يقدمونه على أنفسهم فحسب، بل على أحب الناس إليهم فيقولون: فداك أبي وأمي يارسول الله.

فهم يُقدّمون طاعته على طاعة الوالدين فإذا تعارضت أوامر الوالدين مع هدي النبي ﷺ، يقدمون أمر النبي. وإذا أمر الأبوان بما لا يرضي الله ورسوله، فلا طاعة لهما، وإنما الطاعة لله ورسوله. فالعلاقة بين المؤمنين ونبيهم ﷺ ليست مجرد تبليغ بالرسالة فحسب، بل مبنية على الرحمة والمحبة. فهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، حريص على سعادتهم في الدنيا والآخرة، بكل كيانه ومشاعره، كما وصفه الله تعالى في كتابه الكريم "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُم، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" (سورة التوبة، الآية 128).

إن محبة المسلمين لنبيهم، وتعلقهم به وبذلهم أرواحهم فداء له، لم يأت عبثا، فأساس هذه محبة والمودّة، والتضحية، قد أرساه النبيّ الكريم، إذ غرس في قلوب أمّته جذوة المودّة، وعلّمهم أن الحب والوفاء والإخلاص والتضحية والولاء سنّة تُتّبع، ومسار يُحتذى، ومنهج حياة متكامل.

وهذا التعلق يُولّد الحسد والبغض في قلوب أعدائهم.

ولهذا، كانت إحدى أكثر النقاط استهدافًا من قبل القوى التي تحارب المسلمين، هي محاولات النيل من صلتهم بنبيهم وتعلقهم به. فسعوا إلى الفصل بين النبي والقرآن، والتشكيك في سلطته لدى المسلمين وزعزعتها، وتهميش سنته، بل وتصويره كشخصٍ عادي، وما إلى ذلك. بيد أنّ أعظم منّةٍ منّ الله بها على هذه الأمة، أنه أرسل إليهم رسولًا من أنفسهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة.

إن مكانة النبي ﷺ لدى المسلمين ليست نابعة من عاطفة شخصية مجردة، بل لأنها وسيلتهم للتعرّف على الله، وللاتصال بخالقهم، وللارتواء من نبع الرحمة الإلهية. فجوهر هذه العلاقة هو التوحيد، والعبودية لله. فبفضل هذا التوحيد، تحرر المسلمون من كل أشكال العبودية للطغاة، والمستبدين، وسماسرة الدين، ولم يعودوا يركنون إلا إلى عبودية الله وحده.

إنّ حساسية المسلمين تجاه معتقداتهم، ونبيهم، وقرآنهم، تبدو لهم مبالغًا فيها. ولذلك، يستهدفون هذه الحساسية دائمًا. فقد واجه المسلمون محاولات مستمرة لفرض آلهة عاجزة عليهم، لا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا، ولا حتى لنفسها. وفُرض عليهم اتباع قادة بدل النبي؛ قادة لا يرشدونهم ولا ينيرون طريقهم، بل يغرقونهم أكثر في الظلام، لا شخصية لهم ولا مبدأ، نرجسيون لا يحملون ذرة من الرحمة في قلوبهم تجاه الناس، ولا يحبون حتى من يتخذونهم عبيدًا لأنفسهم، ولا يرأفون بهم.

يَجدون في ارتباط المسلمين بالله ورسوله تعصُّبًا، لكنهم لا يتورعون هم عن الإفراط في التعصُّب والعداء تجاه المسلمين وأنبيائهم.

وفي تركيا اليوم، نجد أن الذين يعتبرون حساسية المسلمين في تركيا اليوم تجاه الرسوم المسيئة لنبيهم مبالغًا فيها، لا يُبْدون الحد الأدنى من العقلانية أو المنطق أو التوازن حين يتعلق الأمر بمقدّساتهم هم.

نشرت صحيفة "يني شفق" بالأمس خبرًا عن أحد الصحفيين المقربين من حزب الشعب الجمهوري، ممن سارعوا للدفاع عن مجلة "ليمان" التي أثارت غضب الشارع برسومها المسيئة للنبي محمد ﷺ، رغم أن الصحفي نفسه كان قد طالب في وقت سابق بإغلاق مجلة "غرغِر" بسبب رسم كاريكاتيري صُور فيه النبي موسى على أنه نبي اليهود – وهو نبي المسلمين أيضًا ـ واعتبر هذا الرسم مسيئًا.

والحقيقة أن ذلك الكاريكاتير كان مسيئا بالفعل، ولكن لسنا بصدد الحديث عن ذلك. فالمشكلة هي ازدواجية المعايير لديهم، إذ يرون في الدفاع عن معتقداتهم أمرًا مشروعًا، لكنهم في الوقت ذاته يعتبرون حساسية المسلمين تجاه معتقداتهم ودفاعهم عنها تطرفا. وبينما يفرضون على العالم هواجسهم الفاشية المتعلقة بمعاداة السامية أو غيرها من المعتقدات يستنكرون على المسلمين دفاعهم عن معتقداتهم.

وفي الواقع، منذ عام 1918، لم يدخروا جهدًا في القضاء على وحدة المسلمين السياسية وتمزيق كيانهم، ولم يتوقفوا عن محاولات تدمير هذه الحساسية وهذا الولاء وهذا الإخلاص.

لكنهم فشلوا، فلم يتمكنوا من إخضاع روح المسلمين.

فهذه الروح باقية، وستكون عاجلا أم آجلا سببًا في توحيد المسلمين في كيان سياسي واحد يقتص من الاستعمار الوحشي الجشع والاحتلال الدموي.

إنهم عاجزون عن القضاء على ذلك الرابط، ولذلك يحترقون بغيظهم، وليحترقوا أكثر، فالشياطين لا تستحقّ سوى العذاب.




#مجلة ليمان
#الكاريكاتير المسيء
#النبي محمد
#المحبة
#الإسلام
#تركيا
#تطرف
#المسلمون