حملة ترامب لترحيل المهاجرين تضع المنظومة تحت الضغط

10:038/10/2025, Çarşamba
تحديث: 26/10/2025, Pazar
قدير أوستون

حشدت إدارة ترامب أجهزة الدولة الفيدرالية تحت شعارين رئيسيين: تكثيف عمليات ترحيل المهاجرين وفرض الأمن في المدن الأمريكية الكبرى. فقد أرسلت الحرس الوطني إلى العاصمة واشنطن، في خطوة فُسرت على أنها رسالة تهديد موجهة إلى المدن الكبرى التي يديرها الديمقراطيون، كما نشرت في الأسابيع الأخيرة قوات أمنية فيدرالية في ولايات كاليفورنيا وإلينوي وأوريغون. وقد وصف ترامب الاحتجاجات والمقاومة التي شهدتها المدن الكبرى ضد إدارة الهجرة والجمارك (ICE)، المسؤولة عن تنفيذ عمليات الترحيل، بأنها “إرهاب”، ملوّحًا بإمكانية

حشدت إدارة ترامب أجهزة الدولة الفيدرالية تحت شعارين رئيسيين: تكثيف عمليات ترحيل المهاجرين وفرض الأمن في المدن الأمريكية الكبرى. فقد أرسلت الحرس الوطني إلى العاصمة واشنطن، في خطوة فُسرت على أنها رسالة تهديد موجهة إلى المدن الكبرى التي يديرها الديمقراطيون، كما نشرت في الأسابيع الأخيرة قوات أمنية فيدرالية في ولايات كاليفورنيا وإلينوي وأوريغون. وقد وصف ترامب الاحتجاجات والمقاومة التي شهدتها المدن الكبرى ضد إدارة الهجرة والجمارك (ICE)، المسؤولة عن تنفيذ عمليات الترحيل، بأنها “إرهاب”، ملوّحًا بإمكانية تفعيل قانون العصيان إذا لزم الأمر.

أما القرارات القضائية الأخيرة التي صدرت ضد إرسال الحرس الوطني إلى الولايات رغماً عنها، فقد أدت إلى مواجهة مباشرة بين القوات الفيدرالية وقوات الولايات، وهو ما خلق حالة من التوتر في بنية النظام الفيدرالي الأمريكي. ومن خلال خطواته الرامية إلى الوفاء بوعده بترحيل “المهاجرين غير الشرعيين”، يحاول ترامب دفع الديمقراطيين إلى موقع الدفاع عن “اللاشرعية”، وفي الوقت ذاته يختبر حدود النظام الفيدرالي الأمريكي.


مواجهة بين الحكومة الفيدرالية والولايات


في النظام الفيدرالي الأمريكي، تختص الحكومة الفيدرالية بشكل أساسي بالأمن القومي والسياسة الخارجية، بينما تبقى مسؤولية الأمن الداخلي المحلي ضمن صلاحيات الولايات. غير أن الحكومة الفيدرالية، باعتبارها كيانًا “فوق الولايات”، تملك صلاحية إرسال الحرس الوطني إلى الولايات في حالات الكوارث أو الأزمات الكبرى.


وحتى عهد ترامب، كان استدعاء الحرس الوطني أمرًا استثنائيًا يُلجأ إليه فقط في الأزمات الكبرى التي تشمل ولاية أو أكثر، ما حال دون تسييس هذا الجهاز الأمني. لكن إدارة ترامب، إذ تدرك أن تنفيذ عمليات الترحيل لا يمكن أن يتم فقط عبر أجهزة فيدرالية مثل إدارة الهجرة والجمارك، طالبت بمشاركة الشرطة المحلية وشرطة الولايات، ما فاقم الصراع بين السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات.


وفي ظل الكثافة السكانية العالية في المدن الكبرى حيث يتركز عدد أكبر من المهاجرين غير الحاصلين على وثائق إقامة، ركز ترامب هجماته على هذه المدن ساعيًا إلى تضييق الخناق السياسي على الديمقراطيين. ومع ذلك، حتى في المدن التي يديرها الجمهوريون، لا تبدو الشرطة المحلية متحمسة كثيرًا للمشاركة في عمليات الترحيل. فالولايات لا تريد أن تزرع الخوف بين المهاجرين وتدفعهم إلى العمل في الخفاء، كما لا ترغب في تحويل مواردها المحدودة من مكافحة الجريمة إلى عمليات ترحيل جماعية.


وفي الوقت نفسه، صدرت قرارات قضائية اعتبرت إرسال الحكومة الفيدرالية قوات إلى الولايات دون موافقتها تعدّيًا على صلاحياتها، ما أثار غضب إدارة ترامب. وهكذا وصل الصراع بين السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات إلى مستوى يختبر حدود القانون والنظام الفيدرالي الأمريكي.


تغيّر أولويات الدولة


إن سعي إدارة ترامب إلى “تأديب” الولايات تحت ذريعة الأمن القومي يشكل انتهاكًا لاستقلالية الولايات، ويحمل رسالة مفادها أن الحكومة الفيدرالية يمكنها معاقبة المدن والولايات التي تحمي المهاجرين. وبهذا التوجه، تحوّل اهتمام الأجهزة الأمنية الفيدرالية من مكافحة الجريمة المنظمة كتهريب المخدرات والبشر إلى ترحيل المهاجرين.


وبما أن الأولويات الأمنية الفيدرالية باتت تتشكل وفق الأجندة السياسية لترامب، فإن ذلك أدى إلى تسييسٍ متزايد للنظام القضائي الأمريكي. أما حكام الولايات والسياسيون الذين يرون في تدخل الحكومة الفيدرالية انتهاكًا للدستور، فقد بدأوا يتحدثون عن أن الدولة باتت تتخذ طابعًا عسكريًا في تعاملها مع مواطنيها.


وما يثير القلق أكثر هو أن إدارة ترامب تحاول تطبيق القوانين التي وُضعت أصلاً لحالات الحرب أو التمرد الداخلي، بحجة أن البلاد “تحت احتلال المهاجرين غير الشرعيين”، وهو ما يعكس مدى التحول في أولويات الدولة الأمريكية.


في القانون الأمريكي، لا يُعد وجود المهاجرين غير الحاصلين على وثائق جريمة جنائية بل مخالفة مدنية، لكن تصنيفهم كـ“مجرمين غير شرعيين” لاستخدام سلطات الحرب ضدهم يتنافى مع الحقائق الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. فالهجرة، التي لطالما شجعتها الشركات الأمريكية الكبرى واستفادت منها اقتصاديًا، أصبحت فجأة تُجرَّم وتُعامل كعدو داخلي، الأمر الذي زعزع العديد من الاقتصادات المحلية.


لقد أمضت مؤسسات الدولة الفيدرالية عقودًا في جهود دمج المهاجرين في المجتمع، لكنها اليوم – تحت إدارة ترامب – تسعى إلى تفكيك الأسر وترحيل الأفراد باعتبارهم أعداء، ما يدل على أن ترامب نجح في إعادة تعريف النقاش حول الهجرة بالكامل.


على الرغم من أن أزمة الحدود في عهد بايدن ساهمت في تعقيد الوضع، إلا أن إرغام ملايين المهاجرين المقيمين على العيش في الخفاء بعد وصمهم بأنهم "غرباء غير شرعيين" يهدد بإشعال أزمات اجتماعية واقتصادية حادة في العديد من الولايات.


إن أساليب إدارة ترامب في محاربة الهجرة غير الشرعية لم تؤد فقط إلى مواجهة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، بل أيضًا إلى تآكل ثقة المواطنين بالأجهزة الأمنية. وتشير هذه التطورات إلى أن قضية الهجرة مرشحة لأن تصبح أحد خطوط الانقسام الكبرى في المجتمع الأمريكي خلال المرحلة المقبلة.


فترامب، الذي استغل بمهارة السخط الشعبي ضد الهجرة غير الشرعية لكسب التأييد الانتخابي، يحاول الآن إحراج الديمقراطيين بوضعهم في موقف المدافعين عن “اللاشرعية”. غير أن استخدامه صلاحيات استثنائية مخصصة للأزمات القومية في ملف الهجرة يمثل مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر. فإلى جانب فتح الباب أمام جدل واسع حول إعادة تعريف صلاحيات النظام الفيدرالي، تتسبب سياساته في إضعاف الاقتصادات المحلية في العديد من المدن.


وبتحويل “حملة الترحيل” إلى مهمة مركزية للدولة الفيدرالية، يدفع ترامب بالنظام إلى حافة الانفجار، غير آبهٍ بخطورة تفاقم الانقسامات السياسية إلى حدٍّ قد يؤدي إلى كسور عميقة في بنية المجتمع الأمريكي ذاته.

#الحكومة الفيدرالية
#أزمة المهاجرين
#أمريكا
#ترامب