الطريق من الهدنة إلى السلام في غزة

07:0810/10/2025, الجمعة
تحديث: 26/10/2025, الأحد
قدير أوستون

اتفاق حماس وإسرائيل على المرحلة الأولى من خطة السلام التي اقترحها ترامب، بعد عامين من الحرب، خلق أملاً جديدًا بانتهاء القتال، لكن الطريق نحو سلام دائم يظل محفوفًا بصعوبات كبيرة. فالأطراف اتفقت مبدئيًا على تبادل أسرى وانسحاب إسرائيل من أجزاءٍ من قطاع غزة فحسب. وعلى الرغم من إعلان هدنة سابقة مرتين وإجراء تبادل أسرى، فإن إسرائيل أعادت هجماتها بعد فترة قصيرة في مناسبات سابقة. ولمنع تكرار السيناريو نفسه هذه المرة، يجب على إدارة ترامب متابعة تنفيذ الخطة بالكامل. توقيت هذا الاتفاق تأثر بتداعيات هجوم إسرائيل

اتفاق حماس وإسرائيل على المرحلة الأولى من خطة السلام التي اقترحها ترامب، بعد عامين من الحرب، خلق أملاً جديدًا بانتهاء القتال، لكن الطريق نحو سلام دائم يظل محفوفًا بصعوبات كبيرة. فالأطراف اتفقت مبدئيًا على تبادل أسرى وانسحاب إسرائيل من أجزاءٍ من قطاع غزة فحسب. وعلى الرغم من إعلان هدنة سابقة مرتين وإجراء تبادل أسرى، فإن إسرائيل أعادت هجماتها بعد فترة قصيرة في مناسبات سابقة. ولمنع تكرار السيناريو نفسه هذه المرة، يجب على إدارة ترامب متابعة تنفيذ الخطة بالكامل. توقيت هذا الاتفاق تأثر بتداعيات هجوم إسرائيل على قطر، وبجهود تركيا المكثفة، وباجتماع الدول العربية وترامب في الأمم المتحدة بشأن فلسطين، واعتراف بعض الدول الغربية بفلسطين، وبروز جدول أعمال أسطول المساعدة "صمود" في الرأي العام الدولي، وبطموح ترامب في نيل جائزة نوبل للسلام. يبدو أن نتنياهو استجاب لضغط ترامب وأقنع حكومته بالموافقة على الهدنة، لكن ليس من المستبعد أن يستغِل هو أو حكومته تراجع الضغوط الدولية ليعود إلى التصعيد كما فعل سابقًا.

ضغوط دول المنطقة بعد هجوم قطر


بينما كانت إسرائيل تمارس إبادة في غزة خلال العامين الماضيين، سعت أيضًا لفرض قبْولٍ إقليمي بأنها قد تهاجم أي دولة في المنطقة. عندما وسَّع نتنياهو الحرب في غزة لتشمل لبنان وسوريا واليمن وإيران، واستهدف حماس في قطر، أثار ذلك غضب كل من أحد أهم حلفاء أمريكا في المنطقة ورد فعل ترامب نفسه. تحرّكت دول عربية، بالتعاون مع تركيا، للضغط على واشنطن بشدّة من أجل إنهاء الحرب في غزة. ولا بدّ من الإشارة إلى أن جهود تركيا لدفع الدول العربية والإسلامية إلى التحرك المشترك منذ هجمات 7 أكتوبر أسهمت في هذه الشراكة. كما كان لردود فعل دول الخليج التي يحاول ترامب جذبها للاستثمار في الولايات المتحدة أثرها على سياسة البيت الأبيض.


محاولة إسرائيل، من جهة، التقارب مع الدول العربية، ومن جهة أخرى، تحقيق حرية عمل عسكرية مطلقة في المنطقة، جمعَ هذه الدول على موقفٍ موحّد. فقد وضعت حكومة نتنياهو واشنطن في مأزق حين استهدفت حماس في قطر قبل اجتماعات كان من المقرر أن يحضرها المبعوث الخاص لترامب، ما دفع ترامب إلى إظهار انزعاجه. وسعى نتنياهو لامتصاص غضب واشنطن من خلال الظهور في قناة فوكس نيوز وتلقّي الثناء، كما أنه قال قبل إعلان جائزة نوبل إن ترامب يستحق أربع جوائز نوبل، في محاولة لتلطيف الأجواء ودفع واشنطن إلى عدم نفاد صبرها عليه. ولأنه يعلم أنه لن يقدر على إقناع حكومته اليمينية المتطرفة بالهدنة إلا باستعمال ضغط ترامب، فقد وافق على خطة السلام على مضض.


الشيطان يكمن في التفاصيل


دعم تركيا والدول العربية لخطة ترامب لعب دورًا حاسمًا في إقناع حماس. وعلى الرغم من عدم التوصل بعد إلى اتفاق تفصيلي حول كامل بنود الخطة، فقد نجح الضغط المكثف في دفع الطرفين إلى مرحلة الهدنة. الاجتماعات المقبلة في مصر ستحدد ما إذا كانت شروط الاتفاق ستُطبق فعلاً، وبالتالي ما إذا كانت الهدنة ستصمد أم لا. من الواضح أن إسرائيل ستحاول تمديد انسحابها من غزة على فترة طويلة، وستكون صارمة في مطلب نزع سلاح حماس، وربما ترفض أن تتولّى السلطة الفلسطينية إدارة غزة. وتعتمد قدرة واشنطن على إنفاذ بنود الخطة جزئيًا على مدى استعدادها لبذل طاقة دبلوماسية وسياسية كبيرة في الفترة المقبلة. فإذا شعر ترامب بتراجع ضغوط دول المنطقة أو بخيبة أمل لعدم حصوله على جائزة نوبل، فقد يفقد اهتمامه بالملف، الأمر الذي يعني تراجع تأثير أهم ضاغطٍ على إسرائيل لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.


إسرائيل لم تتردد سابقًا في نسف اتفاقيات الهدنة عندما خدم ذلك مصالح نتنياهو السياسية. ولن يرغب هذه المرة في المسّ بعلاقته مع ترامب، لكنه قد يسعى أيضًا إلى تهيئة الأجواء لتراجع اهتمام البيت الأبيض. فلو رفضت حماس نزع السلاح، ستستخدم إسرائيل ذلك لترويج رواية أن الطرف الآخر هو من خرّب خطة ترامب. ولتظل خطة السلام تتحول إلى اتفاق شامل ودائم، ينبغي أن يستمر ترامب في الاحتفاظ بمستوى عالٍ من الانخراط والضغط على إسرائيل. أما أصوات بعض عناصر حركة MAGA التي أبدت استياءً من موقف إسرائيل فربما تعبِّر عن انزعاج ضمني لدى ترامب؛ وقد تُستشهد أمثلة كتعليقات تاكر كارلسون التي تتهم إسرائيل بوضع ترامب في مأزق ومحاولة جرّه إلى حرب مع إيران. لذلك إذا فشلت المفاوضات، فستبرز أصوات تدعي أن نتنياهو هو من sabote خطة السلام.


أصعب بنود التنفيذ


من أصعب تفاصيل تطبيق الخطة: انسحاب إسرائيل، نزع سلاح حماس، إصلاح السلطة الفلسطينية لتتولى إدارة غزة، وإعادة إعمار بتمويل وإدارة مجلس يقوده ثنائي ترامب-بلير. يجب أن يشارك في هذه العملية أطراف قادرة على إقناع الطرفين بالمضي قدمًا. ومع تراجع اهتمام الرأي العام الدولي بعد تحسّن الوضع الإنساني أو زيادة تدفُّق المساعدات، قد يتضاءل الاهتمام بالقضية. ولهذا، من الضروري استمرار انخراط ترامب وتركيا والدول العربية في العملية. نتنياهو، الذي لا يتردد في توسيع نطاق الحرب لصالح مصالحه السياسية الإقليمية، لن يرغب بإتاحة الفرصة لتحوّل المسار إلى سلام دائم.


رغم كل المخاطر والصعوبات، فإن تحقيق هدنة حتى لو كانت مؤقتة وحدها قد يمنح المدنيين في غزة، الذين عانوا واحدة من أعنف حملات القتل الجماعي عبر عامين، بعض الوقت للتنفّس واستعادة جزءٍ من حياتهم.

#غزة
#الهدنة في غزة
#اتفاق ترامب
#حرب غزة