
"أريد أن أوجه رسالة من أنقرة؛ دعونا نستثمر الإمكانيات الهائلة التي توفرها علاقاتنا بشكل أفضل في السنوات القادمة. نحن مضطرون لذلك. لأننا ندخل مرحلة جيوسياسية جديدة، وستكون سياسات القوى العظمى فيها حاسمة. أستنتج من هذا ما يلي؛ كألمانيين وكأوروبيين، يجب علينا تطوير شراكاتنا الاستراتيجية. ولا يمكن لتركيا أن تظل خارج هذا المعادلة، ولا ينبغي لها ذلك..."
في الظروف الطبيعية، كان ينبغي القول لفريدريش ميرتس: 'تمهّل قليلًا'، لكنكم تعلمون أمور الدبلوماسية والبروتوكولات، ولكن دعونا نصرح بما يُخالج صدورنا؛ فلطالما استقبلت الولايات المتحدة وإسرائيل برلين في الغرف الخلفية على مدى 75 عاماً.
لقد أدركت أنقرة منذ سنوات التغيرات في الديناميكيات العالمية، وطرحت مرارًا على ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الشبيهة عرضًا واضحًا: "أوروبا ستدخل مساراً يضيق تدريجياً، ولن يتأثر الأمن فحسب، بل سيبدأ النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الداخلي في التدهور. إذا كنتم تريدون أن تكونوا فاعلاً عالمياً مرة أخرى، فهناك طريق واحد، وهو المرور عبر تركيا، وهذا ليس مجازا أو مبالغة."
ويبدو أنّ برلين، بعد كل هذا الوقت لم تستطع الوصول إلا إلى الجملة الافتتاحية: "العالم يتغير"، أما الباقي فظل كما هو. ولهذا السبب تحديدا، لا يمكننا وصف المباحثات الألمانية التركية التي جرت يوم الخميس بأنها "إيجابية". فبينما دعا المستشار ألمانيا تركيا إلى "شراكة استراتيجية"، لم يُبدِ اهتمامًا بما تعنيه أو بكيفية فهمها من جانبنا، بل كاد أن يقول صراحةً: "لكن هذا لا علاقة له بالاتحاد الأوروبي، أي بتوقعاتكم بشأن الانضمام إليه."
وبعبارة أبسط: ما يعنيه هو، "ها هي الأسلحة، احموا أنفسكم من روسيا أو أي تهديد تحددونه بأنفسكم، ولا تتحمسوا كثيرًا بشأن الاتحاد الأوروبي." قد يبدو هذا قاسيًا، ويمكنكم تجميله قدر ما تشاؤون، لكن هذه هي الحقيقة المجردة.
عادةً، عندما يقرر الغرب الاقتراب من تركيا نتيجة تغير الظروف، فإنه يخترع "وصفات مغلفة بهدية ومزينة بشريطة". على سبيل المثال، كانت "الشراكة النموذجية" إحداها. وقد رأينا ما حدث لاحقًا. إن "الشراكة الاستراتيجية" التي يطرحها الأوروبيون، وخاصة المملكة المتحدة وألمانيا، هي أيضاً إحدى هذه اللوحات المصطنعة. إنها مسحة تجميلية سطحية على عجل، تُغسل وتزول مع أول قطرة مطر.
إذا قرأت الفقرة الأولى بعين فاحصة، سترى أنّ عرض "الشراكة الاستراتيجية" قُدّم لنا على أنه كل من منّة وضرورة. لكن لماذا يُفترض أننا بحاجة إليها؟
لقد تم إخصاء إرادتهم لدرجة أنهم يسلمون مسبقاً، بأن القوى العظمى هي وحدها صاحبة الكلمة الأولى والفاصلة. في حين أن التغيير الجيوسياسي يتقدم عبر صراعات "العالم متعدد الأقطاب". وهذا هو السبب وراء التوترات بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وكذلك الهند إذا أضفتها إلى القائمة.
لكننا نفهم مخاوفهم الحقيقية؛ فحين يقولون إن "القوى العظمى ستكون الحاسمة"، فهم يقصدون "الاتحاد المحتمل بين القوى الكبرى". إنهم يخشون أن تعمل واشنطن وموسكو وبكين معًا في مرحلة ما، بشكل منسّق وفق خطة عالمية مدروسة وتوزيع جيد للمهام، بدلاً من التناحر فيما بينها. وفي هذا السيناريو، الذي يمثل هيكلاً غير رسمي، يدركون أن الاتحاد الأوروبي سينحدر إلى مرتبة "بلدة تابعة" مهملة.
هل ينطبق هذا على تركيا أيضًا؟
قال الرئيس أردوغان: "يتم إنشاء معادلة جيوسياسية جديدة. النظام الدولي لا يغير هيكله فحسب، بل يغير مساره أيضاً. وهناك تصدعات خطيرة تحدث في هيمنة الدول القليلة التي كانت تحتكر موازين القوى.
ما هو الهيكل، وما هو المسار؟
على أوروبا أن تعي ذلك أولاً..
باختصار، القصد هو تراجع النظام القائم داخل النظام العالمي واستبداله ببنية أخرى. إنه فقدان الغرب، والولايات المتحدة وأوروبا، لطابعهم المهيمن. ولكن هذا ليس سوى مظهر خارجي.
وإذا تمسّكنا بهذا المظهر الخارجي، فهذا يشمل مطالبة الصين وروسيا والقوى الأخرى بحصص أكبر من العالم والحصول عليها. وهذا يعني اضمحلال النفوذ السياسي للخاسرين وتحملهم خسائر أيديولوجية جسيمة أيضاً. ولا زلنا عند المظهر الخارجي. أما الداخل، فمختلف تمامًا…
إنه موضوع طويل ومعقد ومتعدد الطبقات، ولكن لنقدّم مثالًا لتحفيز التفكير: خلال الأيام الماضية ناقشنا كدولة شراء طائرات يوروفايتر. وقد أعلنت وزارة الدفاع لدينا عن أسعارها. فـ 20 طائرة سيتم شراؤها من المملكة المتحدة، مع الذخائر وغيرها من المعدات، تبلغ تكلفتها 5.4 مليار جنيه إسترليني.. وإذا أضفنا الطائرات القادمة من دول الشرق الأوسط فلنقل إن الإجمالي تقريبًا 10 مليارات. وبينما كنا نتحدث عن هذا الرقم في سياق "هل دفعنا الكثير أم حصلنا عليها بسعر منخفض؟"، كان البريطانيون، وحتى "ستارمر" الذي استضافته أنقرة قبل أيام، يحتفلون بهذا الإنجاز بحماس.
في المقابل، بلغت القيمة السوقية لشركة "إنفيديا" (Nvidia) -وهي شركة تقنية عالمية تنتج المعالجات وتقنيات الذكاء الاصطناعي 5 تريليونات دولار، كما أعلنت في هذا الأسبوع، أنا لا أكتب هذا لتقزيم البريطانيين والألمان من ناحية اقتصادية؛ بل لأبيّن ما وراء المطهر الخارجي، هل سنتحالف استراتيجياً مع أولئك الذين يعتقدون أنهم لا يحق لهم قول كلمة عن النظام العالمي، في حين أن شركاتهم تمتلك مثل هذه القوة وتكتسب فعالية سياسية؟
إن من وراء المظهر الخارجي هم أمريكا والصين، وروسيا والهند. هذا هو المسار الحقيقي. أوروبا تبقى قصيرة النظر. وعقليات المستشارين تقليدية عابرة.
وعندما كانت تركيا تستضيف الألمان، كان تراقب بإحدى عينيها اللقاء بين ترامب وشي جين بينغ. نحن نعلم أن الأحداث الحقيقة تجري هناك. هذا موضوع يتطلب تركيزاً شديداً. ستصاب بالذهول مما كُتب ورُسِم هناك بعد الاجتماع القصير بين الزعيمين. فقد قالوا: "رابطة الآسيان انتهت"، و "تحالف كواد سقط". وهذا يتجاوز حتى "موت الناتو دماغياً".
إذا ظهر اتفاق -ولو مؤقت- بين الصين والولايات المتحدة (ولا يهم إذا حصل العكس)، فحينها سترون ما تعنيه "الشراكة الاستراتيجية". لا يزال هناك الكثير من العمل. دعونا نستغل الفرصة لإبرام صفقاتنا، لكن أنقرة تهتم بأن تكون "فاعلاً استراتيجياً"، لا مجرد "شريك".
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة