
يعاني السودان منذ قرابة عامين من براثن حرب أهلية دامية ووحشية. غير أن الأحداث بدأت مؤخرًا تصل إلى مستويات تسترعي "انتباه العالم". فالصور القادمة من إقليم دارفور خاصةً تُظهر بوضوح أن جريمة الإبادة الجماعية باتت واقعاً ملموساً. وعلى عكس ما ترتكبه إسرائيل في غزة، فإن هذه المأساة تدور رحاها داخل العالم الإسلامي ذاته، حيث يكون القاتل والضحية من جانب واحد.
دعونا نبدأ باللاعب الرئيسي الظاهر في هذه المأساة، ثم ننتقل إلى الداعم الخفي ودوافعه الأساسية:
وُلد قائد "قوات الدعم السريع"، محمد حميدتي، عام 1975 في كتم شمال دارفور. ومنذ شبابه، اتجه إلى تجارة الإبل، شأنه شأن جميع الرجال من قبيلته، وبمرور الوقت بدأ في إدارة قوافل تتكون من آلاف الإبل بين السودان وتشاد ونيجيريا وليبيا. وقبيل اندلاع الحرب في دارفور مباشرة، وعقب مقتل إخوته في هجوم شنته قبائل منافسة، أسس وحدته المسلحة الخاصة.
وعندما رفعت القبائل المتمردة في عام 2003 راية العصيان ضد الحكومة المركزية في الخرطوم، والتي أشعلت فتيل تمرد تحول سريعاً إلى حرب أهلية، انضم محمد حمدتي بفتيانه المسلحين إلى المعارك. وكانت هذه المجموعة، التي اكتسبت نفوذاً في دارفور يفوق الجيش السوداني النظامي، تتكون من مليشيات عُرفت باسم "الجنجويد".
أما عن أصل كلمة “جنجويد” ومعناها، فثمة ثلاثة تفسيرات رئيسية: الأول يشير إلى أن الجنجويد هم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق ذوي الأصول التشادية، وأن اسمهم مشتق من المنطقة التي نشؤوا فيها. أما التفسير الثاني، فيربط الاسم بزعيمٍ متمرد من دارفور يُدعى حامد جنجويد. والثالث — وهو الأكثر شيوعًا — أن الكلمة مشتقة من تعبير محلي يعني “المقاتلون الذين يمتطون الجياد ويحملون الأسلحة”. ومهما يكن الأصل اللغوي للكلمة، فإن الحقيقة الثابتة هي أنّ الجنجويد بقيادة محمد حميدتي ارتكبوا العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية عقب اندلاع أزمة دارفور عام 2003. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح ما يقارب مليون إنسان ليصبحوا لاجئين.
وفي خضم هذه الأحداث، صقل حميدتي مهاراته الدبلوماسية والتقى بالرئيس السوداني آنذاك عمر البشير في الخرطوم عام 2006 في ذروة أزمة دارفور. ولطالما نفت الحكومة السودانية المزاعم القائلة بأنها تلقت دعمًا من الجنجويد لقمع التمرد في دارفور، لكن اجتماع البشير مع حمدتي جاء ليؤكد صحة تلك المزاعم. وبأمر من البشير حصلت القوات تحت قيادة حمدتي على صفة رسمية تحت اسم "جيش حماية الحدود"، قبل أن يغير اسمه لاحقاً عام 2011 ليصبح "قوات الدعم السريع".
ومع مرور الوقت، تحوّلت قوات الدعم السريع إلى "جيش داخل جيش"، وشاركت بفاعلية في الانقلاب العسكري في 11 أبريل 2019 الذي أطاح بعمر البشير، ولم يكن مفاجئاً للمطلعين على الشأن السوداني أن الإطاحة بالبشير قادها محمد حمدتي نفسه، الذي رعاه البشير ودعمه.
وفي مرحلة ما بعد البشير، تحول السودان إلى ساحة صراع داخل العالم العربي. فبينما تدعم مصر والمملكة العربية السعودية الحاكم الرسمي للبلاد، القائد العسكري عبد الفتاح البرهان، حصل محمد حميدتي على دعم الإمارات العربية المتحدة. وما نشهده اليوم من وحشية وانتهاكات، يحدث بفضل الأسلحة الثقيلة والذخائر والطائرات الحربية التي تحصل عليها قوات الدعم السريع عبر دعم الإمارات.
إن السبب الرئيسي وراء تورط الإمارات بشكل علني في الحرب السودانية هو الاحتياطيات الهائلة من الذهب التي يمتلكها السودان. ففي النصف الأول من عام 2025، ُقدرت كمية الذهب التي حُولت من السودان إلى الإمارات عبر الطرق الرسمية بحوالي 8.8 طن. ورغم أن الحكومة السودانية المركزية تعلم أن الإمارات تدعم المجموعة التي تحاربها، فإنها تواصل بيع الذهب لها لتتمكن فقط من تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها. ولكن من المعروف أن كميات إضافية من الذهب تُصدر من السودان بطرق غير قانونية وتُعرض في الأسواق العالمية عبر دبي.
وخلف هذه الحرب الدموية على الذهب التي تُخاض فوق أجساد المدنيين السودانيين، يقف كبار الفاعلين الماليين العالميين، الذين يتبادر ذكرهم إلى الأذهان فورا عند الحديث عن الاقتصاد العالمي. ومن السهل تخمين هوياتهم.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة