الاستعداد لما بعد ترامب

08:0428/07/2025, الإثنين
تحديث: 30/07/2025, الأربعاء
سليمان سيفي أوغون

ترامب لا يزال في بدايات حكمه؛ إذ لم يمضِ على جلوسه في كرسي البيت الأبيض سوى سبعة أشهر. ومع ذلك، فقد بدأت الدول حول العالم بمراجعة سياساتها التي اتبعتها في عهد بايدن منذ وقت مبكر. ترامب شرع سريعًا في تنفيذ ما كان متوقَّعًا منه. كان الجميع ينتظر منه أن يُفعّل سياسات جمركية صارمة، لكن المفاجئ كان سرعة وكثافة الإجراءات الجيو-اقتصادية التي اتخذها. ترامب، الذي وعد بإنهاء الحروب العالمية، لا سيما حرب أوكرانيا وروسيا، كان في المقابل يُشعل نوعًا آخر من الحروب: الحروب الاقتصادية. لكنه أدرك، خلال فترة قصيرة،

ترامب لا يزال في بدايات حكمه؛ إذ لم يمضِ على جلوسه في كرسي البيت الأبيض سوى سبعة أشهر. ومع ذلك، فقد بدأت الدول حول العالم بمراجعة سياساتها التي اتبعتها في عهد بايدن منذ وقت مبكر.

ترامب شرع سريعًا في تنفيذ ما كان متوقَّعًا منه. كان الجميع ينتظر منه أن يُفعّل سياسات جمركية صارمة، لكن المفاجئ كان سرعة وكثافة الإجراءات الجيو-اقتصادية التي اتخذها.

ترامب، الذي وعد بإنهاء الحروب العالمية، لا سيما حرب أوكرانيا وروسيا، كان في المقابل يُشعل نوعًا آخر من الحروب: الحروب الاقتصادية.

لكنه أدرك، خلال فترة قصيرة، أن هذا التحدي غير المحسوب قد يضر الولايات المتحدة نفسها، فبدأ بالتراجع خطوة خطوة.


خلال حملته الانتخابية، كان ترامب يُعلن أنه سيغلق الولايات المتحدة على نفسها، وسيبدأ في بناء اقتصاد أمريكي منتج. كان يرى أن اقتصاد الحروب عبء يُثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي.

هذا هو الأساس الفكري الذي جعل منه يبدو وكأنه "رسول سلام" أو معارض للحروب؛ إذ كان يعتبر قيام أمريكا بدور "شرطي العالم" مجرد باب من أبواب الإنفاق العبثي.

انتقاداته للحروب لم تكن ذات دوافع إنسانية، بل اقتصادية بحتة. وإلا، فهو يؤمن بمبدأ: "من يدفع، يخوض الحرب كما يشاء".

كما أن انتقاداته لحلف الناتو لم تكن مبدئية، بل اقتصادية الطابع أيضًا؛ إذ إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا كانت تُكبّد الولايات المتحدة تكاليف إضافية.

كان ترامب يرفض الحرب، ويترك أوكرانيا والدول الأوروبية الداعمة لها وحدها، ما أدى إلى شرخ داخل التحالف الأنجلو-أمريكي.

ذلك لأن النخب السياسية في أوروبا، وعلى رأسها بريطانيا، كانت تسعى لتفكيك روسيا وفرض السيطرة التامة على أوراسيا ومنطقتي البحر الأسود وبحر قزوين، ولم تكن مستعدة للتراجع عن هذه الأجندة.


انسحاب الولايات المتحدة من هذه المعادلة فرض على أوروبا ضرورة بناء استقلالية عسكرية خاصة بها. وعقد الأوروبيون اجتماعات متتالية، وأثمرت تلك الاجتماعات عن قرارات استثمارية ضخمة.

لكنهم واجهوا عقبتين أساسيتين:

أولًا، عسكرة هذه الاستثمارات يعني تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، ما يُهدد نموذج "دولة الرفاه" الذي تعوّدت عليه المجتمعات الأوروبية، ويفتح الباب أمام صعود اليمين المتطرف الذي يهدد النخب السياسية الحالية.

بمعنى آخر، من يتخذ قرار هذا التحول غالبًا سيكون أول من يدفع ثمنه سياسيًا.

ثانيًا، هناك صعوبة في إقناع الشباب، الذين انقطعوا عن الخدمة العسكرية منذ سنوات طويلة ونسبتهم تتراجع داخل المجتمعات، بالذهاب إلى الحرب.

وخلال هذه المرحلة الانتقالية، ستظل أوروبا بحاجة إلى الدعم الأمريكي، وستواصل شراء الأسلحة بكميات ضخمة منه.

وقد كان لافتًا عدد التنازلات التي قدمها مارك روته في قمة الناتو الأخيرة لتجنب غضب ترامب.


في المقابل، هناك تحالف ضمني مضطر تم تشكيله بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لكنه لا يخلو من صراع خفي على القيادة بين أطرافه.

كما أن هذا التحالف لا يُنتج دائمًا سياسات متماسكة، كما سنشير لاحقًا.


لا تزال بريطانيا تمسك بزمام الأمور؛ فمن جهة تواصل دعمها لتمديد الحرب الروسية الأوكرانية، من أجل تقويض مصداقية ترامب الذي زعم أنه "سينهي الحرب خلال يومين".

ومن جهة أخرى، تُوسّع من نطاق صراعها المستميت ضد روسيا. وكانت أولى خطوات هذا الصراع إسقاط نظام الأسد، ودخول هيئة تحرير الشام إلى دمشق، ودحر روسيا وحليفتها إيران. وقد نجحوا في ذلك. واكتملت الصورة مع الهجوم المباشر الذي شنّته إسرائيل على إيران، وتسببت فيه بأضرار جسيمة.

لكن الأمور لا تتوقف هنا؛ إذ إن النقطة الجوهرية تكمن في محاولة إضعاف إيران وروسيا في منطقة القوقاز أيضًا. والواقع أن الروس وقعوا في الفخ هناك؛ فمواقفهم المتعجرفة تجاه أذربيجان، وتعاملهم القاسي مع الأتراك الأذريين في الداخل الروسي وفقًا لعقليتهم الروسية القديمة، صبّت في مصلحة البريطانيين. وبالإضافة إلى احتمال خسارتهم لأرمينيا، فقد باتوا في مواجهة مع أذربيجان أيضًا. فإذا نجحت تركيا وأذربيجان وأرمينيا في التوصل إلى اتفاق فيما بينها، فإن هذا يعني خسارة روسيا وإيران للجنوب القوقازي.

وفتح جبهة جديدة هناك سيكون بطبيعة الحال ضد مصالح روسيا. ولا ينبغي نسيان العامل الإسرائيلي الذي يتمتع بقوة ملحوظة في أذربيجان، وما قد يترتب عليه من مناورات محتملة ضد إيران.

في الوقت الذي تُركّز فيه الأنظار على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، أعتقد منذ البداية أن إسرائيل تتحرك بشكل أعمق بالتنسيق مع بريطانيا أكثر مما تفعل مع أمريكا.

فمشروع "الفيدرالية السورية" أو ما يُعرف بـ"لبننة سوريا"، هو نتاج فرض مباشر من هذا الثنائي: بريطانيا وإسرائيل. أما الارتباك الذي عاشه ترامب ومبعوثه باراك بين تياري MAGA (اجعل أمريكا عظيمة مجددًا) وMIGA (اجعل إسرائيل عظيمة مجددًا)، فيُعد دليلًا واضحًا على هذه الفرضية.

ولا يزال تيار MIGA يتمتع بقوة كبيرة داخل البنتاغون والقيادة المركزية الأمريكية. أما ترامب، فيظن أن الجميع يفكر مثله، ويعتقد أنه قادر على إقناعهم بالصفقات التجارية. وهذا يكشف ضيق أفقه ونفاد طاقته السياسية.

والأرجح، أن يعود ترامب إلى "بيت الطاعة" عبر ملف إبستاين، ويخون تيار MAGA الذي أوصله إلى السلطة. وهذا يعني أننا سنشهد ترامب يصافح نتنياهو مجددًا، ويرسل الأسلحة إلى أوكرانيا.


أما إذا اختار الطريق المعاكس ومال إلى MAGA وأثبت نجاحه، فإن الخطة البريطانية ستنهار، وسيسقط نتنياهو. لكن هذا الخيار أيضًا محفوف بالمخاطر؛ إذ إن تمسكه بخط MAGA سيُواجَه بمقاومة شديدة من الطرف المقابل، وقد يضطر لمغادرة السباق الرئاسي مبكرًا.

ولا يبدو أن ترامب قادر على تحمّل الضغط، لا من الديمقراطيين فحسب، بل من داخل حزبه الجمهوري أيضًا. (وهذا ما يُفسر عبث تاكر كارلسون، الجمهوري الخالص، في ملف إبستاين).


وأعتقد أن هناك تحالفًا غريبًا — وإن كان مؤقتًا — يتشكل بين جناحي MAGA وMIGA بهدف الإطاحة بترامب. فكلاهما يريد التخلّص منه.

إيلون ماسك انسحب. أما جي دي فانس، أحد رموز MAGA الصلبة، فأظنه بات منزعجًا من أداء ترامب.


أما التحرك الفرنسي الأخير، الذي تجاوز ألمانيا وبريطانيا عبر طرح حل الدولتين في فلسطين، وإعلان فرنسا عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهو تطوّر لافت جدًا.

وأرى فيه تحضيرًا لما بعد مرحلة ترامب. فالمرحلة القادمة ستشهد مواجهة حادة وغير مسبوقة بين تيار MAGA، الذي يحمل عداءً قويًا لليهود في بنيته الثقافية والأيديولوجية، وبين تيار MIGA الذي يُمثل مصالح الرأسمال اليهودي المهيمن في الولايات المتحدة.

#ماغا
#تيار MAGA
#تيارMIGA
#ترامب