الأحداث الأخيرة في المغرب

08:3212/10/2025, الأحد
تحديث: 12/10/2025, الأحد
طه كلينتش

لو أنني كتبت هذا المقال الأسبوع الماضي، لكان عنوانه: "ما الذي يحدث في المغرب؟" فقد شهدت البلاد احتجاجات استمرت عدة أيام في الشوارع، وناشطين يتحدثون عبر الميكروفونات، ومطالبات بالإصلاح في مجالي الصحة والتعليم، ومبانٍ حكومية أُحرقت جزئياً في بعض المدن، واعتقالات... ولكن بحلول الوقت الذي حان فيه دور الكتابة عن المغرب، كانت الأحداث قد هدأت بالفعل، وإن كان ذلك بتدخل الشرطة. ومن يراقب المنطقة عن كثب كان يتوقع أصلاً أن تخمد مثل هذه الحوادث في بلد كالمغرب دون أن تتفاقم كثيراً. يقع المغرب في أقصى الغرب من

لو أنني كتبت هذا المقال الأسبوع الماضي، لكان عنوانه: "ما الذي يحدث في المغرب؟" فقد شهدت البلاد احتجاجات استمرت عدة أيام في الشوارع، وناشطين يتحدثون عبر الميكروفونات، ومطالبات بالإصلاح في مجالي الصحة والتعليم، ومبانٍ حكومية أُحرقت جزئياً في بعض المدن، واعتقالات... ولكن بحلول الوقت الذي حان فيه دور الكتابة عن المغرب، كانت الأحداث قد هدأت بالفعل، وإن كان ذلك بتدخل الشرطة. ومن يراقب المنطقة عن كثب كان يتوقع أصلاً أن تخمد مثل هذه الحوادث في بلد كالمغرب دون أن تتفاقم كثيراً.

يقع المغرب في أقصى الغرب من المغرب العربي، بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وهو بلد يجمع بين عمق انتمائه الإفريقي وصلاته الوثيقة بأوروبا، مما يجعله من أكثر الدول الإسلامية تفردا وتميّزًا. فمن الناحية السياحية بلدٌ أصيل جذّاب، ومن الناحية الاجتماعية نابض بالحيوية والتنوّع، أما سياسيًا فهو قائم على توازنات دقيقة خاصة به، تشكّل جوهر استقراره واستمراريته.

ويتمتع ملوك المغرب – الذين يعود نسبهم إلى الحسن بن علي، وبالتالي إلى النبي محمد ﷺ– بتأثير عميق ومكانة كبيرة بين جماهير الشعب. فالسلالة الحاكمة التي تأسست في النصف الأول من القرن السابع عشر، لا تزال تحظى باحترام واسع بين الناس رغم التحولات عبر القرون والأفكار الجديدة التي جلبتها رياح الحداثة. وبالطبع، وراء هذا الاحترام المنتشر بين العامة، تقف أدوات متقنة تديرها الدولة، تتراوح بين العلاقات المصلحية التي تطورها الجماعات الدينية مع الدولة، وصولًا إلى السيطرة المطلقة على المساجد، ومرورا بشبكات المخبرين المنتشرة، إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة للشرطة.

وفي إطار سعي النظام الملكي للحفاظ على اتصاله الوثيق الشعب وترسيخ شرعيته الدينية، فإنه لا يُغفل المظاهر التعبدية التي تعزّز تلك الصلة. فالدولة تدعم بسخاء الزوايا والتكايا والطرق الصوفية المنتشرة في المدن والقرى، كما يحرص أفراد العائلة المالكة على الظهور في المناسبات الدينية الكبرى كالمولد النبوي، وأداء صلاة التراويح والعيدين أمام عدسات الكاميرات، فضلًا عن الدروس الدينية الرمضانية التي تُلقى بحضور الملك، والمعروفة باسم «الدروس الحسنية» – وهي نظير دروس «الحضرة» التي كانت تُقام في الدولة العثمانية. كما يُقدِم الملك بنفسه على ذبح أضحيته في عيد الأضحى، في مشهد رمزيٍّ ذي أثر بالغ في وجدان المواطنين.

وتُعرف النخبة الحاكمة، المتمركزة حول الملك، باسم "المخزن". ويُعد هذا التشكيل، الذي يمكن وصفه بـ "الدولة العميقة" إلى حد ما، هو الطبقة الأساسية التي تمسك بزمام الإدارة في المغرب. فـ"المخزن" هو صاحب القرار في السياسة والاقتصاد والسياسة الخارجية والتطبيقات الداخلية والعديد من القضايا الأخرى. ورغم وجود برلمان شكلي وأحزاب سياسية -حتى المعارضة- وانتخابات، وجميع عناصر "الملكية الدستورية" ظاهرياً، فإن الكلمة الفصل تعود للملك والمخزن.

لقد أتقن ملوك المغرب فنّ الحكم والتواصل مع الجماهير إلى درجة عالية من الحنكة، ولذا فإنهم يفضلون تكليف الحكومات ورؤساء الوزراء أو الوزراء بالقيام بـ "الأعمال القذرة" التي قد تثير ردود فعل غاضبة. وبهذه الطريقة تتجه نقمة الشارع نحو الحكومة وأعضائها، بينما يبقى الملك في موقع «القائد الحكيم» و«الوسيط المنصف» الذي يتدخل لتسوية الخلافات أو تهدئة الأزمات.

ومن الأمثلة البارزة على هذا النمط من الحكم ما جرى في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، حين وُقّعت في العاصمة الرباط اتفاقية التطبيع الكامل بين المغرب وإسرائيل، وما تبعها من إقامة علاقات دبلوماسية شاملة بين الطرفين. فقد تولّى توقيع الاتفاق باسم المغرب سعد الدين العثماني، رئيس الوزراء آنذاك والمنتمي إلى حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية. وبإسناد مهمة توقيع الاتفاق إلى شخصية إسلامية ذات خلفية أمازيغية، تمكّن الملك محمد السادس من تحييد الخطاب الإسلامي المعارض للتطبيع وإسكات ما تبقّى من الأصوات الرافضة له. وقد اضطر العثماني لاحقاً إلى التنحي عن منصبه، ليحلّ محله رجل الأعمال الملياردير عزيز أخنوش، أحد الأعضاء البارزين في دائرة المخزن.

وفي خضم هذا المشهد السياسي، فإن القضايا التي تمسّ الحياة الشخصية للعائلة الملكية – كالفيديوهات المسرّبة من حياة الملك في باريس، أو ظروف طلاق الملكة السابقة لالة سلمى بناني وابتعادها عن الأضواء – لا تتحول إلى أزمات حقيقية تؤثر على أجندة الجمهور وتزعزع ثقة الشعب العائلة المالكة.

ومع تدهور صحة الملك محمد السادس، من المقرر أن يخلفه ابنه مولاي الحسن، الذي سيعتلي العرش تحت اسم الملك الحسن الثالث. ولكن هل سيتمكن هذا الشاب المولود عام 2003 من إدارة منظومة الحكم الراسخة التي بناها جده وأبوه ببراعة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة على ذلك.

#المغرب
#احتجاجات
#الاحتلال الإسرائيلي
#الملك محمد السادس